الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التغيير تصنعه النساء في طهران... وبيروت؟

المصدر: النهار
سوسن أبوظهر
التغيير تصنعه النساء في طهران... وبيروت؟
التغيير تصنعه النساء في طهران... وبيروت؟
A+ A-

هذه السطور بين أيديكم ليست عن الانتخابات البلدية. قد يكون الملل أصابكم من أنباء صراع اللوائح كأن حرباً عالمية تُخاض في عُمق الصناديق، أو دفعكم الإحباط إلى قرار العزوف عن الاقتراع على رغم غزو الرسائل النصية الصادرة عن معسكَري المتنافسين لهواتفكم. لا تستسلموا للإحباط، العالم حولنا يسعى إلى التغيير.


يجب الإقرار أن جزءاً كبيراً من جاذبية لائحة "بيروت مدينتي" يكمن في أنها حققت المناصفة الحقة، المناصفة البديهية ولكن الغائبة، ونعني بها المساواة التمثيلية بين النساء والرجال. ذلك مشهد لا سابق له في الانتخابات اللبنانية، البلدية والنيابية. فلا الكوتا النسائية موجودة، ولا التمثيل الجدي للنساء يؤخذ في الاعتبار حين تُرسم التحالفات الانتخابية لتحقيق مكاسب سياسية مذهبية وتُقتسم قطعة الجبنة الوزارية.


في لبنان تشكل نسبة الوجود النسائي في مجلس النواب 3 في المئة من مجمل الأعضاء، تماماً مثل غينيا بيساو، في مقابل 64 في المئة لرواندا، وهي من الأرقام الأعلى في العالم، وتتساوى الولايات المتحدة التي قد تصل امرأة إلى رئاستها، مع طاجيكستان بنسبة 19 في المئة، وفق دراسة أعدتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".


أما في إيران، فقد بلغت النسبة في مجلس الشورى العاشر المُنتخب أخيراً، 9 في المئة، وهو مستوى لا سابق له في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وثلاثة أمثال الرقم اللبناني. وللمرة الأولى أيضاً منذ سيطرة الملالي على الحُكم في إيران عام 1979، يتفوق التمثيل النسائي النيابي على ذاك الخاص برجال الدين، فلهم 16 مقعداً، في مقابل 17 للنساء في دورتي الاقتراع في 26 شباط و29 نيسان. والعدد الأصلي كان 18، ذلك أن مجلس الرقابة على الدستور يدرس إبطال فوز مينو خالقي في أصفهان مع أنها حلت في المرتبة الثالثة من الأصوات بين المرشحين، وهو لا يقوم بتلك المهمة عادة، فإسقاط العضوية عن نائب بعد انتخابه شأن يضطلع به مجلس الشورى نفسه.
وخالقي محامية وصحافية وناشطة في الدفاع عن قضايا النساء متحدرة من أسرة معروفة في أصفهان، وكان أحد أعمامها وزيراً في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي. ولم يقدم المجلس حتى الآن سبباً مُقنعاً لإبطال نجاحها وإلغاء الأصوات المرتفعة التي حازتها، الأمر الذي أثار اعتراض وزارة الداخلية. فهي تخلت عن مهمتها الاستشارية في إحدى الوزارات، ولا تضارب في المصالح يحول دون ممارسة دورها النيابي.
17 أو 18، يبقى الرقم قياسياً ولم يتحقق سابقاً، حتى في أيام خاتمي، رمز الإصلاحيين وراعيهم. ويكتسب الأمر أهمية مضاعفة بمجرد القول إنه صار بين النواب الإيرانيين نساء أكثر من رجال الدين. وذلك ليس بتفصيل عابر في بلاد بنى النظام أساساته فيها على قُدسية المرجعية الدينية وشغل المناصب العليا فيه رجال دين. يكفي التذكر أن مجلس الشورى الأول المنتخب عام 1980، بعد سنة من إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي، ضم 164 رجل دين، في مقابل أربع نساء، وقد بدا ذلك من البديهيات.


واعتباراً من المجلس الثالث المُنتخب عام 1988 حين كانت الحرب مع العراق تُشارف على نهايتها، سُجل انخفاض ملحوظ في حضور رجال الدين في مجتمع أنهكه الزج بأبنائه في صراع عقيم، بينما بقي التمثيل النسائي على حاله ليبدأ في الارتفاع تدريجاً ليصل إلى 13 نائبة في ولايَتي خاتمي ويعود إلى الانخفاض بعد رحيله. مع العلم أن كون النائب رجل دين ليس بالضرورة مؤشراً إلى تشدده وانتمائه إلى تيار المحافظين، والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة من الرئيس حسن روحاني نفسه، إلى خاتمي وسلفه علي أكبر هاشمي رفسنجاني.


ويسترعي الانتباه أن معظم الفائزات شابات في الثلاثينات من أعمارهن صاحبات كفايات عالية، لكنهن لم يعملن في السياسة سابقاً، الأمر الذي يعكس حجم التأثير الذي تركه الاتفاق النووي التاريخي مع الغرب والمجتمع الدولي في صناديق الاقتراع ورغبة الناخبين، خصوصاً الشباب منهم، في الانفتاح على العالم وقطف ثمار سياسة الاعتدال التي يمثلها روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. أضف أن الإصلاحيين اضطروا إلى خوض المنافسة الانتخابية بوجوه غير معروفة بعدما رفض مجلس الرقابة على الدستور ملفات ترشيح الكثير منهم. ولا عجب أن تكون النائبات من الإصلاحيين أو المستقلين، وليس بينهن واحدة من تيار المحافظين الذي احتكر التمثيل النسائي الهزيل في المجلس المنتهية ولايته.
ولا يعيب الفائزات في شيء الافتقاد إلى الخبرة السياسية، إذ معهن زميلة يقتدين بها، سهيلا جلودارزادة. إنها عميدتهن في البرلمان الجديد، أحد ممثلي العاصمة طهران الـ30 في مجلس الشورى، وقد صاروا كلهم من الإصلاحيين والمعتدلين. هي صاحبة جولات في العمل السياسي وكانت المرأة الأولى تشغل منصباً في الهيئة الإدارية للمجلس.


مع أن روحاني رحب عبر صفحته الرسمية على "تويتر" بالإنجاز الذي حققته النائبات آملاً في ترجمته بمزيد من النجاحات للإيرانيات في مختلف الحقول، فإن الحضور النسائي المتنامي لا يعني بالضرورة قدرة على التأثير على التشريعات المتعلقة بالمرأة والأُسرة في ظل استمرار إحكام المحافظين السيطرة على مفاصل النظام، وإن تراجع تمثيلهم ورجال الدين نيابياً. وما مجلس الشورى إلا أحد المجالس الإيرانية المتعددة، وبعضها متداخل الصلاحيات. وهو في كل الأحوال، محدود التأثير أمام سطوة الحرس الثوري "الباسدران" وتشعب مصالحه الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
لكن، حتى لو تطلب الأمر سنوات إضافية ليكون التمثيل النسائي مؤثراً في القوة والوزن بما يتناسب مع عدد النساء في البرلمان والمجتمع، فإن التغيير، لا شك، يبدأ وإن بطيئاً، بزيادة الحضور النسائي في الشأن العام، من البلدية إلى مجلس النواب والحكومة وصُنع القرار. هذا أمر وُضع على السكة في طهران، ولا تزال بيروت تتفرج على المحطة ويسبقها الجميع. هل نلتحق بالركب؟


[email protected]
Twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم