الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"بيروت مدينتي" والانتخابات البلدية، تمرين للمستقبل

المصدر: "النهار"
منى فياض
"بيروت مدينتي" والانتخابات البلدية، تمرين للمستقبل
"بيروت مدينتي" والانتخابات البلدية، تمرين للمستقبل
A+ A-

لا شك في ان حملة: "بيروت مدينتي" أحدثت فرقا في المشهد السياسي اللبناني. وبغض النظر عن التفاصيل فلقد قدمت هذه الحملة نموذجا جديدا يبدو كتعبير عن التحولات العميقة التي احدثتها التطورات الاخيرة التي مررنا بها ونمر.


ربما كان هذا نتيجة مباشرة للصفعة التي أحدثتها أزمة النفايات عند اللبنانيين، وللنقاشات التي عمت مختلف الاوساط، وللمشاريع التي عرضت من قبل الجمعيات المدنية والبيئية والتجارب التي رافقتها. بحيث يمكن الاستنتاج ان أهم ما برهنت عليه هذه الانتخابات البلدية تبلور وعي المواطن بأهمية ودور البلدية الفعال في الانماء والتطوير المحلي كتعبير عن دور كل مواطن فرد في بناء مجتمعه وتقدمه... ولا بد هنا من التنويه بالحملة الاولى التي مهدت لهذا الوعي المواطني في مطلع الألفية الثانية وأقصد حملة "بلدي، بلدتي... بلديتي".
ينظر في العادة الى الانتخابات البلدية كتعبير عن توازن العائلات أي الاوساط المحلية والاهلية بنوع من تقليل اهميتها وهامشيتها السياسية، على غرار التقليل من اهمية نشاطات المرأة واعتبارها خارج السياسة. ذلك ان الفهم العام يفصل بين العمل الاجتماعي والشأن السياسي. إذ ينظر الى الحياة السياسية على انها تبدأ في الدوائر العليا في المجتمع ثم تنقل تدريجا، ودائما على نحو غير تام الى مختلف اقسام جسم المجتمع.
لكن رد الحركات النسوية على هذا الفهم المغلوط كان شعار "كل ما هو شخصي هو سياسي". فحاجاتنا الخاصة والفردية هي جزء من السياسات العامة كما علمتنا ازمة النفايات وجميع الازمات الحياتية التي نمر بها. وسبق لتوكفيل ان اشار الى ان هذا ما تفيدنا به الديموقراطية الاميركية، فالبلدة جرى تنظيمها قبل المقاطعة، والمقاطعة قبل الولاية، والولاية قبل الاتحاد. وكان لهذا أثر كبير على حسن سير الآلية الديموقراطية.
وهذا ما يفسر أهمية مطلب اللامركزية. لا يمكن الحكم المركزي العام ان يعرف حاجات الوحدات الصغيرة التفصيلية وبالتالي عليه إيجاد الآلية التي تسمح لها بتسيير شؤونها بعيدا عن البيروقراطية القاتلة. وهذا دور البلديات.
تقوم حملة "بيروت مدينتي" في برنامجها المقترح بدرس تطبيقي عملي لهذا الارتباط بين ما يسمى حاجات خاصة واهلية وبين السياسات العامة. ان عمل ونشاط البلديات هو اساس الحكم الشفاف والديموقراطي لان باستطاعتها السماح للمواطن بممارسة السياسة كحق قانوني يومي. الامر الذي يشمل الأحزاب والجمعيات والنقابات والمؤسسات المتعددة التي تشارك في السياسة، عبر نشاطاتها ومشاريعها، وعبرممارسة مهمة الرقابة على مؤسسات الدولة بما لديها من وسائل للمحاسبة.
الأمر الآخر الذي حققته هذه الحملة هو اعادة الاعتبار للتنافس الانتخابي؛ فلقد اعتدنا اخيرا على ما يسمونه "التوافق" الذي يشي بالخشية من التنافس الشريف ومن خوض المعارك الانتخابية والتمثيلية في لبنان. فعند كل استحقاق يهرع مختلف الاطراف لعقد مواعيد اللقاءات والاجتماعات والمناسبات التي تجمعها كي تنجو من امتحان الانتخابات الحرة والنزيهة بحثاً عن "تفادي المعركة".
يرجع ذلك الى عوامل عدة، ربما يظهر فرز الأصوات لكل فريق ان اصواتهم متقاربة ما يسمح لطرف آخر بالفوز فيبحثون عن التحالف. الغاية إبقاء الوضع على ما هو عليه. لم استوعب يوما عملية فرز الاصوات هذه وتعدادها كأننا في صفقات بيع مواش.
تواجه الطبقة السياسية خشيتها من اعادة توزيع السلطة باللجوء الى ما يسمونه "التحالفات الانتخابية" عبر تدوير الزوايا والمربعات للوصول الى لائحة او اسم او اسماء "توافقية". من ضمن لعبة المحاصصة بين كبار الناخبين او كبار الممسكين بالسلطة. انها التوافقية السحرية نفسها التي مسحت الارض بالدستور والقوانين.
هل تمعنا يوما في معنى مصطلح "تحالف انتخابي"؟ وهل باستطاعتنا ان نفهم على ماذا تتفق أطراف متعارضة تتبادل الفضائح كما في الأزقة؟
كيف يلجأ طرفان مختلفان ومتنافسان وغالباً عدوان لكل منهما عقيدته وانتماؤه وبرنامجه المختلف "الى الاجتماع في لائحة واحدة متضامنة؟ من هو الطرف المستبعد؟ انهم المواطنون من خارج هذه الاحلاف السياسية.
انها مصلحة السلطة ضد المواطنين. والتمرين الأول الذي مارسته ضد مواطنيها ونجحت فيه كان في مواجهتها لحملة "طلعت ريحتكم" وبعثرتها.
المحاولة الجديدة لاستعادة المبادرة المواطنية نجدها في حملة "بيروت مدينتي"، التي ينبغي دعمها بكل ما اوتينا من زخم.
ففي بيروت، ولبنان عموما، زمنان وجمهوران لا تجمعهما سوى الجغرافيا.
زمن المواطنين، وزمن الرعايا. زمن مسؤولية الفرد عن خياراته ومستقبله ووطنه وزمن الذين يتبعون الأعيان والعائلات والاحزاب التي تصادر حقوقهم باسم الطائفة والمذهب.
لائحة "بيروت مدينتي" نموذج مختلف "لمواطنين" يمثلون خلطة نموذجية متوازنة جندرياً ومتعددة دينيا من سكان بيروت المنخرطين في نشاطاتها مطلعين على مشاكلها وحاملي همومها؛ فيهم الخبراء والمهنيون والناشطون ... يحترمون عقولنا ومصلحتنا وبيئتنا ويقترحون برنامجاً يتناول مشكلة السير والنقل والنفايات والعمارة والتخطيط المدني والسكن والحفاظ على البيئة وجعلها صديقة والتمتع بها.
لا شك في انهم سيعملون على تطبيقه في حال فوزهم في انتخابات نتمنى ان تكون أكثر من تمثيلية الهاء للبنانيين وتمرير للوقت.
انهم المواطنون اللبنانيون الجدد الذين يمثلون الجيل الذي ينتمي الى الثورات الملونة في محاولة لخرق درع الفساد الغليظ المتلطي خلف الدين والمذهب والطائفة والذي يلف لبنان من اقصى شماله الى اقصى الجنوب. درع الفساد الذي يسوّقه "السلاح المقاوم" نحو حتفه وحتف الوطن.
ملاحظة اخيرة، لم يكن موفقا شعار لائحة البيارتة "لتبقى بيروت لأهلها"؛ من هم أهل بيروت؟ هل ذلك يعني ان هناك مجموعة ما معينة هي التي تشكل أهل بيروت؟ أليست بيروت عاصمة كل اللبنانيين؟
عندما بدأت أزمة النفايات ظهرت مشكلة نفايات بيروت التي رفضت المناطق استقبالها تحت ذريعة "لتتدبر بيروت" امرها. أثار الأمر استغرابنا واستنكارنا، فهل سكان بيروت غرباء ام هم في قسم كبير منهم يتحدرون من مختلف المناطق والكثير من هؤلاء يأتون يومياً اليها... اعاد ذلك الى ذاكرتي بدعة سلطات بغداد عندما منعت سكان منطقة الفلوجة على ما أذكر من دخول بغداد، عاصمة العراق.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم