الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حين صار أوباما فجأة كينياً في لندن!

المصدر: النهار
سوسن أبوظهر
حين صار أوباما فجأة كينياً في لندن!
حين صار أوباما فجأة كينياً في لندن!
A+ A-

بعض البريطانيين حانقون على باراك أوباما، غضبٌ على الرئيس الأميركي ينطلق من رفض ما يعتبرونه تدخلاً في شؤونهم الداخلية، لكنه يحمل في بعض جوانبه استعادة لنبرة استعمارية ونفحة من العنصرية ما كانت لتظهر لو كان صاحب الموقف أبيض البشرة.
بذلَ الرئيس الأميركي جهداً ليعطي لزيارته للندن طابعاً شخصياً حميماً، فقد التحقت به زوجته ميشيل من واشنطن لمعايدة الملكة اليزابيث الثانية التي أتمت عامها التسعين وأقامت علاقة ود مع الزوجين أوباما منذ اللقاء الأول بهما عام 2009. أما هو فلم يخف يوماً إعجابه بها، كشخصية عامة وعلى المستوى الشخصي، إذ نقل عنه أحد مساعديه مرة أنها تذكره بجدته مادلين دانهام، المرأة المحافظة التي كانت تخشى الذهاب إلى عملها في الباص حتى لا يضايقها متشرد أسود، الجدة التي تجاوزت رفضها لاقتران ابنتها آن بكيني مسلم وقت كان الزواج المختلط ممنوعاً في 24 ولاية أميركية، لتحب حفيدها الذي لا تشبه سحنته لون بشرتها وتنفق مدخراتها على تعليمه.


واستبق وصوله إلى لندن بمقال في "الدايلي تلغراف". الموضوع سياسي بامتياز، لكنه مزجه بنفس شخصي، ليبدو صديقاً يخاطب صديقه في شأن مصيري. هو أقر بأن ثمة من يشكك في توقيت زيارته، وأنه اختاره بدقة، لأنه أراد أن يوجه المعايدة بنفسه للملكة. لكنه أضاف كمن يضرب عصفورين بحجر، أن ذلك يأتي قبل شهرين من الاستفتاء في بريطانيا على البقاء في رحم الاتحاد الأوروبي.
وذكَر "أصدقاءه" البريطانيين بأنه في عام 1939 شرب الرئيس فرانكلين روزفلت نخب صديقه الملك جورج السادس في البيت الأبيض، وقال له :"أنا مقتنع بأن المساهمة الأكبر التي قدمها بلدانا للحضارة ورفاهية الشعوب في العالم هي المثال الذي أرسيناه معاً في إدارة العلاقات بين أمتينا".
كتب أوباما أنه "حين رفع الرئيس روزفلت نخب علاقاتنا الخاصة تلك الليلة، أشار كذلك إلى أننا صديقان لا يخشيان بعضهما البعض. من هذه الخلفية، وكصديق أقول، إن نتائج قراركم مسألة شديدة الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. إن عشرات آلاف الأميركيين الراقدين في مقابر أوروبا يعطون شهادة صامتة على تداخل رخائنا المشترك وأمننا. والمسار الذي تختارونه سيتردد كذلك في مصير أجيال من الأميركيين".


وختم بالقول :"معاً، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، حولنا قروناً من الحرب في أوروبا إلى عقود من السلام، وعملنا كفريق واحد لجعل هذا العالم أكثر أمناً ومكاناً أفضل. يا له من إرث مُلفت. وكم سيكون ملفتاً كذلك الإرث الذي سنتركه حين نتصدى معاً لتحديات هذا القرن".
لم ينزل ذلك الكلام برداً وسلاماً على كثيرين، فبدا أوباما كأنه غازٍ من وراء المحيط. ورد عليه رئيس بلدية لندن بوريس جونسون في مقال مضاد في "الصن" لم يغفل فيه الإشارة إلى كون أوباما "نصف كيني" وأن رأيه يحمل احتقاراً لبريطانيا لماضيها الاستعماري.
صحيح أن الرئيس الأميركي نجل رجل كيني، لكنه نشأ على يدي والدته وخصوصاً جدته، وما استعادة تلك الحقيقة التي لم ينكرها يوماً إلا إشارة عنصرية واضحة. فلو كان الرئيس الأسبق بيل كلينتون قائل الكلام نفسه، لم يكن ليُرَد عليه بالعودة إلى أصوله الإيرلندية، ولم يكن جونسون ليصف نفسه بأنه حفيد بالفكر لونستون تشرشل.


في نظر التيار المناهض لأوروبا، يشكل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي فرصة تاريخية لتعزيز النبض الأنكلوساكسوني، بقيادة مشتركة لواشنطن ولندن تمتد إلى بلدان رابطة "الكومنولث"، وهي للتذكير المستعمرات السابقة للتاج البريطاني. لكن ما قام به أوباما ينسف ذلك الحلم الامبراطوري ويشكل خيانة له. وهم لم يغفروا له كذلك رفع تمثال نصفي لتشرشل من البيت الأبيض كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير أهداه إلى الرئيس جورج دبليو بوش، مع أن الأمر يعود إلى مطلع عهده ويدخل في إطار التغييرات الطفيفة في الهندسة الداخلية للمكتب البيضوي التي ترافق تبدُل هوية ساكن البيت الأبيض. لكن المفارقة هي أن حفيد تشرشل البيولوجي، حفيده الحقيقي، عضو مجلس العموم السير نيكولاس سواميس لا يعير الأمر أي أهمية. وهو رفض مقال جونسون باعتباره "مشيناً" و"سخيفاً"، خصوصاً أنه من أبرز الداعين إلى عدم التخلي عن الفكرة الأوروبية ومن المعجبين بمسيرة أوباما.
وانعكس الجدل على وسائل الإعلام، وانقسامها بشأن الرئيس الأميركي هو في الواقع ترجمة لمواقفها من القضية الأساس، هل مكان بريطانيا هو في الاتحاد الأوروبي أم لا. ففي "الدايلي مايل" أن الضيف الزائر "أهانَ" البلاد، وصدر موقف مماثل عن "الإيكسبرس".


غير أن "الإيكونوميست" رأت أن "باراك أوباما محق، بريطانيا تستطيع قيادة أوروبا لو أرادت". وجاء في مقال نشرته أنه "مع منطقة الأورو أو من دونها، تبقى فرنسا قوة عسكرية كبرى باقتصاد مترنح. ألمانيا هي قوة صناعية تتلكأ عن القيادة في الشؤون الدفاعية. ولا يملك أي منهما موقعاً مالياً عالمياً لمنافسة لندن. في أوروبا حيث تتداخل دوائر القرار، قد تكون بريطانيا، الدولة التي لا تملك مشاعر قوية تجاه المشروع الأوروبي، وصاحبة قدم في وسط أوروبا وثانية على أطرافها وعين على العالم الأوسع، هي الأكثر قدرة على القيادة".


وختمت أنه "إذا نجحت رهانات (رئيس الوزراء ديفيد البريطاني) كاميرون، ستكون لديه نافذة لإعادة تحديد موقع البلاد في أوروبا ورسم إطار جديد لذلك، قبل أن تتجه الأنظار إلى معركة إبداله هو. المسار نحو قيادة بريطانية براغماتية للقارة سيكون إرثه وما سيتركه للتاريخ. وكما يقول السيد أوباما نفسه، نعم نستطيع".
[email protected]
twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم