الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رأي اسرائيلي: السلام مع العرب قبل الفلسطينيين

المصدر: النهار
امين قمورية
رأي اسرائيلي: السلام مع العرب قبل الفلسطينيين
رأي اسرائيلي: السلام مع العرب قبل الفلسطينيين
A+ A-

لم يعر أيٌّ من المراقبين العرب اهمية لتصريحات ادلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي.أن.أن" الأميركية في شهر كانون الثاني الماضي، وجاء فيها: "كنا نعتقد في السابق أننا إذا انهينا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإننا سنتمكن من حلّ صراع أكبر، وهو الصراع العربي-الإسرائيلي، لكن اتضح لنا لاحقا أن العكس هو الصحيح، ونعمل حاليًا من أجل تحقيق هذه الغاية".


وبالفعل، فرغم الجمود الذي يصيب عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ سنوات وتدهور الاوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة، فانه لا يكاد يمر يوم واحد من دون ان تشير الصحف ووسائل الاعلام المختلفة الاسرائيلية والعالمية، الى اتصال او لقاء مباشر بين الاسرائيليين مع شخصيات سياسية او معنوية عربية. فقد أكّد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد، أن إسرائيل تمكّنت في السنوات الأخيرة من مد جسور تعاون مع دول لم يسبق أن كان لها علاقات مع تل أبيب. وقال هناك "تغيير حادٌّ في العالم العربي، وأن بمقدور إسرائيل اليوم أن تتحدث وتتصل تقريباً مع كل دولة عربية، طالما بقي أمر هذه الاتصالات بعيداً عن عناوين الصحف". وأشار الى أن "ما يميز هذه الاتصالات هو الشعور أنه مع الكثير من العمل يمكننا أن نحدّد إجماعاً على الاستقرار الإقليمي".



وعكس كلام غولد هذا الموقف السياسي العام لحكومة نتنياهو، وترويجها المتواصل لوجود مصالح مشتركة بين إسرائيل والدول العربية، التي تطلق عليها تل أبيب محور الدول "السنّية المعتدلة"، التي تشكل بحسب التعريف الإسرائيلي، كلاًّ من مصر والأردن والسعودية وعدد من دول الخليج.
ومع انه لم يصدر عن اي من الدول العربية المعنية ما يشير الى تغيير في مواقفها المعلنة من اسرائيل ولا سيما دول الخليج التي لم تستقبل ايٌّ منها بعثات او وفودًا ديبلوماسية اسرائيلية علنا لا في السابق ولا في الحاضر، فإن ثمة سؤال يطرح: هل دفعت التغييرات الكبرى الجارية في المنطقة لا سيما في اعقاب الربيع العربي وتفكّك بعض الدول وتعاظم النفوذ الاجنبي في الاقليم وخصوصا الايراني، وتنامي خطر الحركات الاسلامية المتطرفة على أنواعها سنّية كانت او شيعية، العواصم العربية المعنية الى تغيير سياساتها بالبحث عن تحالفات "محرمة" لحماية نفسها ؟ وتاليا هل صار التطبيع مع اسرائيل ممكنًا حتى ولو سبق ذلك عقد تسوية كبرى فلسطينية اسرائيلية؟



طبعا الصمت يلف الدوائر الرسمية العربية ازاء هذا الموضوع الحساس، بينما تستعيد الاوساط الحزبية والشعبية المفردات القديمة الرافضة للتطبيع على كل اشكاله وصولاً الى تخوين اي داعية له، وفي المقابل تعمد الدوائر الرسمية الاسرائيلية ووسائل الاعلام الاسرائيلية وبعض الصحف الغربية الى الكشف عن كل ما يمتّ بصلة إلى هذه المسألة، سواء أكان اتصالاً اسرائيليا بشخصية عربية ما، ام بشرح تحليلي لأهمية فتح علاقات مع الدول العربية "المعتدلة". وفي هذا الاطار كانت وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني الاكثر حماسًا للانفتاح على هذه الدول، فقد كتبت في مقال لها في صحيفة "هارتس": "ممنوع أن يفكر العالم بأن عليه أن يختار بين إرهاب شيعي وإرهاب سنّي وأن تحالفاً مع إيران سينقذ الوضع. إيران وحزب الله ليسا حلاً لمشكلة داعش، بل هما جزء من المشكلة، لأنهما ينشران أيضاً الإرهاب في المنطقة. ويتعيّن على العالم الآن الانتقال من الدفاع إلى المبادرة، وأن يتوحّد من أجل النضال الكبير، وأن يعقد تحالفات مع الدول الإسلامية المعتدلة مثل دول الخليج أو مع جزء من الدول الأعضاء في الجامعة العربية التي صنّفت حزب الله تنظيماً إرهابياً".



وكتب المعلق السياسي الاسرائيلي عاموس هرئيل في الصحيفة نفسها "إن الاضطرابات الهائلة في الشرق الأوسط ترسم بوضوح أكبر، خطوط التصدّع في التحالفات الإقليمية والخصومات، على رغم أن جزءاً من التحالفات وتلاقي المصالح يجري تحت الطاولة. هناك مصلحة مشتركة لإسرائيل ومصر والأردن، وإلى حد ما للسلطة الفلسطينية - ليس فقط ضد تنظيم "داعش"، لكن أيضاً في مواجهة "حماس". وبالنسبة إلى قيادة "حماس" في القطاع، فمصر أكثر تشدداً في علاقتها بالحركة حتى من إسرائيل".



ورغم انشغال مصر بمشكلات داخلية تتعلق بالوضعين الأمني والاقتصادي، فقد عادت العلاقات مع إسرائيل أخيراً إلى العناوين الأولى في وسائل الإعلام، ووصل الاهتمام بهذا الموضوع إلى ذروته بعد قضية عضو البرلمان توفيق عكاشة، لأنه تجرأ على الاجتماع علناً مع سفير إسرائيل في القاهرة حاييم كورين. وأثار الاجتماع عاصفة كبيرة في البرلمان المصري حيث ضُرب عكاشه بالحذاء في مطلع الأسبوع.



ومع ان اسرائيل ترى في التعاون الامني القائم بينها وبين مصر في سيناء لمكافحة المجموعات المسلحة، واستمرار الحاجة المصرية للغاز الاسرائيلي، مؤشرًا على زيادة الدفء في العلاقات، فإن هناك من يعتبر ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعرف أن الرأي العام المصري لا تزال تسيطر عليه القضية الفلسطينية. والرئيس المصري الذي سبق أن كشف أنه يتحدث هاتفياً مع نتنياهو، قال في مقابلات سابقة صراحة إنه إذا خطت إسرائيل خطوة الى الامام في الموضوع الفلسطيني، فسيحدث انفتاح. هو لم يتحدث عن تسوية شاملة مع الفلسطينيين، إنما عن خطوة على الصعيد السياسي فقط. وفي رأي الاسرائيليين لا يفعل السيسي هذا حباً بإسرائيل بل لأنه يدرك مدى ترابط مصالح إسرائيل بمصالح مصر. كما يوجد بين الدولتين تطابق غير مسبوق في المصالح فرضه أعداء مشتركون: الخطر الإيراني من جهة، والخطر الذي يمثله "داعش" و"حماس" من جهة أخرى. كذلك فإن مصر تريد من إسرائيل مساعدتها في واشنطن وفي الكونغرس من أجل إقناع الرأي العام بأن مصر تحارب الإرهاب، ومن أجل جعل واشنطن أكثر كرماً في ما يتعلق بالمساعدة العسكرية للنظام السياسي. وأخيرًا، أضيف إلى أسباب التعاون ما أشيع عن اتصالات إسرائيلية - تركيّة للمصالحة، ومن أهم بنودها حصول تركيا على موطئ قدم في قطاع غزّة. هذه المصالحة مرفوضة مصرياً، خصوصاً إذا كانت لها آثار على مكانة تركيا في القطاع، سواء من خلال مشاريع بنى تحتيّة أو مساعدات أو حتّى مسألة الميناء.



كذلك اغتنم الاسرائيليون الاستنزاف في الحرب اليمنية، ليعرضوا "خدماتهم" و"خبراتهم القتالية" على المملكة، وفق ما يقولون ان في "استطاعة اسرائيل مساعدة السعودية في مواجهة تحديات قتالية لم تواجهها سابقاً، مثل تعليم قادة في الجيش السعودي تكتيكات ناجعة لمواجهة عمليات من خارج الحدود، وكيفية الكشف عن مكامن، وخطر الصواريخ المضادة للدبابات ومواجهة التهديد الصاروخي". وتعتقد إن "تعاوناً بين إسرائيل والسعودية في مجال القتال البري والدفاع الفعال يمكن أن يعزز التعاون بين الدولتين ويشكل أساساً لتعاون مستقبلي في مجالات أخرى. أحد هذه المجالات يمكن أن يكون له وجه تكتيكي، أي إحباط تهريب السلاح الإيراني عبر البحر الأحمر، وتعاون استخباراتي بشأن نشاط فيلق القدس وحزب الله في المنطقة. وعلى الصعيد الاستراتيجي ستكون إسرائيل بالتأكيد مسرورة للتعرّف أكثر على خطط السعودية في شأن سوريأ".



ويعبر المتخصّص بالشؤون الأمنية في موقع "واللا" الاسرائيلي أمير بوخبوط، عن خشية المسؤولين الإسرائيليين وقلقهم بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران، ويضيف ان لاسرائيل "مصالح مشتركة عدة مع المحور السنّي بقيادة السعودية المحبط كثيرًا من الخيار الأميركي في رؤية إيران لاعبًا رائدًا في المنطقة". ورأى أنه كلما تعمّقت الأزمة بين إيران والسعودية، فإن اسرائيل تتقرّب من السعودية. وهذا التقارب قد يرقى الى مرحلة أعلى بعد رفع العقوبات، وقد يتحول الى شراكة حقيقية.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم