الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"البدوي الصغير" الدارج الاجتماعي والطارئ عليه

المصدر: "النهار"
ر.ر.
"البدوي الصغير" الدارج الاجتماعي والطارئ عليه
"البدوي الصغير" الدارج الاجتماعي والطارئ عليه
A+ A-

يستطيع النص الروائي الإفادة وإلى أقصى حدّ من لحظات الدهشة النافرة في التماس بين المألوف والخارج عليه، وبين الدارج الإجتماعي وبين الطارئ عليه. والحال أن مفهوم قدوم "الغريب" إلى أرض جديدة والذي جرى التنويع عليه أدبيّاً إلى ما لا نهاية ومنذ فجر النصوص التأليفية، يجد بعض تجليّاته في رواية الكاتب السعودي مقبول العلوي "البدوي الصغير" والصادرة لدى "دار الساقي".


ثمة في هذه القطعة التأليفية تفاصيل عدة تخصّ الصدام بين ناس المحلة المؤتمنين على عاداتهم وتقاليدهم في وسط بيئة مقفلة على موروثاتها المؤثّرة في حاضرها وبين أولئك الدخلاء على المكان من أمثال "مستر ديكان" مهندس البترول في شركة "باسيفيك ويسترن أويل" الآتي من ممفيس في الولايات المتحدة الأميركية في رفقة مجموعة من "ذوي الشعر الأشقر"، الى قرية منسيّة في شريط إقليم تهامة الساحلي في المملكة العربية السعودية، بعدما اجتذبهم البترول، في مطلع سبعينات القرن العشرين.
يواكب الواصلون الجدد مراحل التنقيب عن الذهب الأسود وهم يحملون في تصرفاتهم الجغرافيا التي انتموا إليها فيُحدثون ما يشبه الزوبعة الثقافية في الأنحاء الريفية النائية. والحال ان الغزو الثقافي الذي يترصده النصّ لا يتمحور على الأفكار المجرّدة فحسب وإنما يتسلّل إلى مستوى استهلاك السلع اليومية، من قبيل اكتشاف علب سجائر "مارلبورو" أو "روثمانز" ناهيك بأسطوانات ألفيس بريسلي وسواها.
يكتب مقبول العلوي في نصّه عن تملّك "الأمريكان" كما يعاينهم للرقعة المكانيّة فيندفع "مستر ديكان" على هذا النحو إلى نصب أحد العواميد على شكل حرف "تي" وهو رمز ولاية تينيسي التي قدم منها. غير أن الحاجة إلى السيادة على المطرح وإن تبدّت هيّنة لا تمنح الوافدين أي مناعة ضد التفاعل مع السكان المحليين، فإلى تلك الصداقة وليدة تفاهم غير منطقي بين "مستر ديكان" وسعدون على سبيل المثال، لا يتغاضى الوافدون عن قسوة معيش السكّان فيقدمون تالياً على حفر بئر جديدة لاستخراج المياه تنوب عن البئر المتهدّمة والبعيدة.


تمرّر الرواية لاسيما في قسطها الأول، ثلة من التعابير المحليّة من قبيل "الصنقول" وهي تحوير لـ "صنقل" وتعني باللهجة المحلية، على ما نقرأ، سوار ساعة اليد الذهبي، أو "شون" وتدلّ على العصا الغليظة، وتعرّج على تقليد المضي صوب وجهات يكتنفها الغموض أيضاً، على نسق ما احترفه الرحالة وهو يسمّي من بينهم البريطاني ولفريد تسيغر الشهير بمبارك بن لندن، إلى جانب آخرين. وها إن العلوي يلخّص درجة استقبال الدخلاء فيكتب "امتلأت قريتنا فجأة بالغرباء... قريتنا التي لم تتوقف يوما عن استقبال الغرباء وكأنها على موعد دائم معهم".
كان يمكن الرواية في حال راوحت في منظورها الأول، أي في تخوم حكاية صداقة سعدون بـ "مستر ديكان" أن تنغمس أكثر في مُخلّفات التلاقح الحضاري ومباغتاته، غير أنها تختار في دفّتها الثانية أن تغادر إلى عواصم العالم، فتفقد في ترحّلها شيئا من وحدتها.
وإذا كانت الحكاية البكر تظلّ تقضّ مضجع الراوي وهو ابن سعدون، غسان، إلى حين إعادة لقائه بصديق والده، تتوسط السرد قصص ناس لاحقين، تتبدى أنها تقصّر في استدعاء اهتمامنا.


لم تتمهّل الرواية العربية كنوع قدرما يجب، عند هذا النسق من السرد المتمحور على السحر النابع من ارتطام المكان النائي بالخارج على السائد، فبقي لغزا يستحق أن يفكّ سرديا. أما المحاولات المسجّلة إلى اليوم في هذا السياق فظلّت في معظم الأحيان مغامرات الطرق الوعرة التي لم تصل إلى مقصدها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم