الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كاراباخ: اقليم صغير، عداء كبير، مصالح أكبر

أمين قمورية
كاراباخ: اقليم صغير، عداء كبير، مصالح أكبر
كاراباخ: اقليم صغير، عداء كبير، مصالح أكبر
A+ A-

عادت طبول الحرب تقرع في إقليم ناغورني- كاراباخ بين الارمن والاذريين، لتخيم بظلالها على منطقة القوقاز التي تعد امتدادا طبيعيا للأمن الروسي، ومنطقة رخوة تثير حالة عدم الاستقرارفيها قلق الكرملين، لكونها تضاف إلى الوضع المتأزم في أوكرانيا والهش في عدد من جمهوريات آسيا الوسطى.


اصوات الرصاص والقذائف دوت ليل الجمعة - السبت الماضي على تخوم الاقليم، لكن الاستعدادات يمكن لحظها في القمة النووية في واشنطن، عندما التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس الأذري إلهام علييف الذي طالب أرمينيا بسحب قواتها "فورا" من كارا باخ المتنازع عليه.
بعد هذا اللقاء بساعات احتدمت المعارك وسقط قتلى وجرحى، وكأن الطرفين كانا يستعدان لمثل هذه الخطوة الخطيرة التي اعادت الى الذاكرة حرب عام 1988 عندما استيقظ سكان الاقليم ومحيطه على حرب ضروس بين الارمن والاذريين. وتبلغ موازنة الدفاع في أذربيجان الغنية بالنفط أضعاف الموازنة الكاملة لأرمينيا. وسبق أن توعدت باكو مرارا باستعادة منطقة ناغورني كارا باخ بالقوة. وفي المقابل تؤكد أرمينيا المدعومة من روسيا بأنها جاهزة لصد أي هجوم أذري.
ولفهم أبعاد الصراع ، فأن هذا الإقليم من الناحية الجغرافية يقع في قلب أذربيجان، لكن من الناحية الديموغرافية تسكنه غالبية أرمنية بنسبة 90 في المئة، وفى المقابل تظل أقلية اذرية في إقليم ناختشيفان معزولة داخل جمهورية أرمينيا. ويعتبر خبراء العلاقات الدولية هذا النزاع من أكثر موروثات الاتحاد السوفياتي السابق تعقيداً، حيث إن الإقليم كان جزءاً من السيادة الأذرية، حتى انهيار الاتحاد السوفياتي، فأعلن سكانه الانفصال عن باكو وطالبوا بالاستقلال وتشكيل جمهورية لم تنل اعترافا دوليا على غرار ما هي عليه جمهورية قبرص الشمالية، وشهدت المنطقة حروبا ونزاعات عدة لاسيما ما بين 1988 و1994، وهو تاريخ وقف النار الذي لم يمنع مع ذلك من استمرار المناوشات، ولم يزيل مسببات الحرب التي بقيت كلغم موقوت قابل للإنفجار في اي لحظة، لأسباب منها المرتبط بأصل الخلاف ومنها الناشئ بسبب طبيعة الصراع المستجد في المنطقة منذ ست سنوات وعلى مقدمه تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا، اضف الى ان هذه المشكلة ترتبط ايضاً بتركيا وايران كل لأسبابها، وانحياز دول اقليمية كبرى لمصلحة ايا من الطرفين المتصارعين.
وجرت في السابق محاولات عدة عدة لاحتواء النزاع التاريخي حيث جرى تقديم مخرجين للحل هما:


أولا الخطة التي أقترحتها مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي تنص على اعتراف الأطراف الثلاثة أرمينيا وأذربيجان واقليم قرة باخ، بالاتفاق على ضرورة الاعتراف بوحدة أراضي أذربيجان مقرونا بنظام حكم ذاتي لكرباخ من الأرمن المحليين.
أما الحل الثاني الأميركي، هو اعتراف أذربيجان باستقلال إقليم قرة باخ وتتعامل معه على أنه دولة مستقلة ذات سيادة، وفي المقابل تعوض أرمينيا أذربيجان بمنحها السيادة على منطقة مغري وهي المنطقة المهمة استراتيجيا لاذربيجان، لإنها تفصل بين أراضيها واقليم ناختشيفان الأذري الواقع في قلب الأراضي الأرمينية.
لكن ايا من المخرجين لم يحظى بقبول الفريقين المتصارعين لتستمر بذلك الازمة والنزاع. ولايبدو ان التسوية ممكنة قريبا لاسيما في ظل تقاطع الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية في الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا ، بداية بحرب الأنابيب، إذ تسعى باكو الى اقامة خط أنبوب غاز "نابوكو" يمر عبر الإقليم ويزود تركيا وأوروبا الغاز، في وقت تواجه موسكو تبعات الأزمة مع أوكرانيا ورغبة تركيا ودول الاتحاد الأوروبي تقليص تبعيتهم من الغاز الروسي. الى ذلك فان أرمينيا ترتبط بعلاقات قوية مع الإتحاد الروسي وكذلك أذربيجان، مع فارق أن أرمينيا تبدو اكثر التزاماً بمصالح الإتحاد الروسي لمجموعة من الإعتبارات على رأسها التناقض مع تركيا في أكثر من مسألة، بينما تحاول أذربيجان عدم الخروج على نمط علاقاتها منذ تفكك الإتحاد السوفياتي. وتوجد قواعد عسكرية روسية في أرمينيا وترتبط يريفان وموسكو بمعاهدات عدة مشتركة منها اتفاقات دفاعية ومع ذلك فان موسكو لم تعترف بشرعية استقلال كاراباخ ما يبقي تاليا هذا الاقليم تابعا في نظر المجتمع الدولي إلى أذربيجان.
وفي المقابل كان لروسيا محطة رادار "غابالا" في أذربيجان. وانتهى عقد ايجارها عام 2012 بعدما طالبت باكو برفع قيمته من 7 ملايين دولار في السنة إلى 300 مليون دولار. وفي حين ترتبط باكو بعلاقات وثيقة مع انقرة مردها الجانب العرقي والتاريخي المشترك، لم تستقر علاقتها ابداً مع طهران بسبب وجود مشكلة جغرافية قائمة رغم ان العامل المذهبي يربط بين أذربيجان وايران من خلال المذهب الشيعي، حيث ان نسبة المسلمين الشيعة من الأذريين تبلغ 95 في المئة، وهذا بحد ذاته موضوع يؤشر على طبيعة الصراعات في الإقليم هي صراعات مصلحية تلبس لبوس المذهبية لأسباب مختلفة. وتبدي ايران انزعاجها الدائم من أذربيجان بسبب دعمها الضمني لـ "الجبهة الشعبية لتحرير أذربيجان الجنوبية" التي تدعو الى استعادة اراضٍ أذرية موجودة داخل الأراضي الإيرانية، بحسب الرواية التي تتبناها ضمنا باكو.
ويزيد من تأزيم الموقف وصب الزيت على النار التصريحات التي ادلى بها الرئيس #التركي رجب طيب #اردوغان الذي اعلن أنه سيقف إلى جوار أذربيجان في حربها "العادلة" مع أرمينيا وهاجم مجموعة مينسك التي تسعى الى حل النزاع. ولاقت هذه التصريحات صداها لدى الرئيس الاذري علييف الذي قال "إن بلادي لن تقبل منح الاقليم استقلالا من أي نوع، وهي تصر على انه جزء مهم من الأراضي الأذرية، وستعمل على استرداده بكل الوسائل بما فيها العسكرية" ، في حين لايرضى الارمن باقل من الاستقلال الكامل الاقليم تحت سيطرتهم وعدم التنازل عم منطقة مغري لربط اقليم ناختشيفان الاذري بجمهورية اذربيجان لان عندها تخسر حدودها مع ايران وتصير في وسط الكماشة الاذرية التركية.
اما موقف الولايات المتحدة من الصراع فمتناقض بين رغبتها في المحافظة على مصالحها الحيوية هناك، وبين ضغط اللوبي الأرمني. ففي وقت تنظر واشنطن إلى #أذربيجان على أنها شريك سياسي واقتصادي إستراتيجي في المنطقة، وبوابة بين #أوروبا وأسواق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومواردهما، وأحد الموردين الرئيسين للنفط والمنتجات النفطية في أوروبا في القرن الحادي والعشرين، نرى أن العلاقات بين باكو وواشنطن تتعرض في كثير من الأحيان للتوتر بسبب نفوذ اللوبي الأرمني القوي في الكونغرس بحسبما يقول الاذريين.


أما #الاتحاد_الأوروبي فيهتم بحل مشكلة كاراباخ أو على الأقل تجميدها، لضمان الأمن والاستقرار على اطراف القارة القديمة من ناحية، وضمان وصول النفط من قزوين إلى السوق الدولية.
وهكذا فإن الارتياب وانعدام الثقة وإرث العداء التاريخي بين مجموعتين عرقيتين اذا ما اضيف اليها مصالح الدول الكبرى وخطوط النفط والغاز قد تجعل مجتمعة من منطقة صغيرة وجبلية معزولة ولا يوجد فيها ثروات، ساحة من ساحات الحروب الاقليمية والدولية وتضيف على العلاقات الدولية ازمة جديدة.
[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم