السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بعد سنواتٍ على غياب ماريا مرسيديس وراكيل وكاسندرا .. هل سنُفاجأ بعودتهن من جديد؟

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
بعد سنواتٍ على غياب ماريا مرسيديس وراكيل وكاسندرا .. هل سنُفاجأ بعودتهن من جديد؟
بعد سنواتٍ على غياب ماريا مرسيديس وراكيل وكاسندرا .. هل سنُفاجأ بعودتهن من جديد؟
A+ A-

كان اسمه الزمن الذهبي. في التسعينات، لم يكن اللبنانيون يشاهدون التلفزيون، بل كانوا يعيشونه. حتى إنهم استقدموا لوشيا مانديز من المكسيك لتغنّي في الملعب البلدي في جونية بعد نجاحٍ منقطع النظير لدورها في راكيل في "أنت أو لا أحد". ويقال بأنه يوم بثّ العرض الأوّل لمسلسل "كاسندرا" الكولومبي المدبلج، كانت شوارع القرى تقفر كلّما غنّت كارول صقر شارة البداية: "ربيع العمر أغناه هوانا". وتروي المراهقات صراحةً، أنهن كنّ يتسلّلن من سريرهن في منتصف الليالي ليشاهدن المسلسل المكسيكي "خوان الغول"، لأن قرار الأب الجائر كان يفسد عليهن فرصة مشاهدته في الوقت الأصلي لعرضه. كلّ ذلك كان يحصل منذ عشرين سنة، والذاكرة لم تنسَ. ومنذ سنتين، أحيا الفنان العالمي خوليو ايغليسياس حفلاً صاخباً في اطار مهرجانات اهدن، وهو حين غنّى "مانويلا"، أغنية المسلسل الأرجنتيني الشهير، لم يبقَ متفرّجٌ الّا وغنّاها واياه. يومها غنّوها وقوفاً، وصوّروا اللحظات عبر كاميراتهم وهواتفهم الذكيّة. شكّلت "مانويلا" حالةً خاصّة في المهرجان، وأدفأت قلوب الحاضرين على مشارف يومٍ بارد في أواخر الصيف. كلّ ذلك يعبّر عن إرث. هو قبل كلّ شيء، ثمرة انفعالاتٍ وتجسيدٌ لروحيّة شخصيّةٍ روائيّة، عزفها بصوتهم مبدعون من لبنان: إنهم المدبلجون. هم فنانون من نوعٍ خاص. اذا ما صادفت احدهم في الشارع، قد لا تعرف وجهه، بيد أن صوته كفيلٌ باختراق اعماقك. لكن، المهم ان يخترق ذلك الصوت عقل السلطة وعقول المنتجين، قبل ان يصير مجرّد صدى. إنه فن الدبلجة اللبنانية، واجه في الأعوام الأخيرة خطر الانقراض.


سامي ضاهر: زمن الدبلجة اللبنانية عائد


"نحن الأفضل عربيّاً باللغة الفصحى ونقول اللهجة الأنظف". بهذه العبارة يختصر المخرج في قطاع الدبلجة سامي ضاهر الميزة التي يتمتع بها المدبلج اللبناني. وهو يؤكّد في حديثٍ لـ"النهار" أن زمن الدبلجة اللبنانية لم يطوَ الى الابد، على رغم التراجع الذي شهده في السنوات الاخيرة: "أتصوّر أن الفصحى اللبنانية ستعود بقوّة لأنها الأجدر لفظاً، ولا أستطيع أن اقدّر اذا ما كانت الحلّة المرتقبة على شاكلة اعمال لاتينيّة، لكن زمن الدبلجة اللبنانية الفصحى عائد بزخم. وقد حاول المدبلجون السوريون دبلجت الاعمال اللاتينية بلهجتهم لكنها برأيي لم تلاقِ نجاحاً". ويشير الى أن "المسألة تحتاج قبل كلّ شيء الى استراتيجيّة بنّاءة تنتشل القطاع. وتسلتزم العمليّة شراء مسلسل ناجح ودبلجته وهو حتماً سيحقّق نجاحات. المشكلة تكمن أنه، وبعد النجاح الكبير الذي حقّقته الاعمال اللاتينية، اضحى الجميع يريد شراءها عشوائيّاً دون التطلع الى النجاح الذي حقّقه المسلسل في بلده الأمّ وهذا ما أحبط الصناعة". واقعيّاً، يسرد ضاهر تراجع انتاج الدبلجة اليوم الى نحو 70% مقارنةً بزمن التسعينات الذهبي، وهذا ما أدّى الى فضّ العقود التي وقّعتها الاستوديوات مع المدبلجين الذين أضحوا يتنقّلون بينها لكسب لقمة عيشهم. ويضيف: "عندما بدأنا صناعة الدبلجة، كانت المكاسب الماديّة كبيرة. اشترينا سيّارات والبعض تملّك شققاً سكنيّة، وكانت المنافسة تدفع الاستوديوات الى احتكار الاصوات المميّزة لصالحها".


اللاتيني سيعاود نجاحه: "سنضرب ضربة كبيرة"
بحثاً عن مؤشّرات ايجابيّة إضافيّة حول صناعة الدبلجة اللبنانيّة، كان لا بدّ من استقصاء وجهة نظر اعلانيّة منتجة. وفي هذا الإطار، يشير الأستاذ فادي دندن، صاحب شركة اعلانات لـ"النهار" الى "أننا ننتظر اقتناص الفرصة المناسبة لقلب المعايير الحاليّة وتفعيل انطلاقة جديدة للدبلجة لاتينيّاً، من خلال اختيار فكرة او عمل سبّاق. وبالتالي، نراهن على الوقت كي "نضرب ضربة كبيرة" في هذا المجال، ونحن اساساً لم نوقف هذه الصناعة". "الى اي مدى لا تزالون تراهنون على نجاح الأعمال اللاتينيّة في الـ2016؟". يجيب أن " المسلسلات اللاتينية ستعاود نجاحها في حال فُعّلت مجدّداً، وهذا مؤكّد لأنها أصلاً نالت شهرة منقطعة النظير في السابق، ويمكن تشبيه المسألة بالفنان المشهور الذي يمتلك اسماً فنيّاً كبيراً، ما يكفل ان تبقى اعماله الفنية الجديدة محطّ انتظار ومتابعة". وعن كلفة استيراد العمل اللاتيني يلفت الى ان سعره مرتبط بحقوق العرض، وما اذا كان يشمل حقوق التوزيع. لنفترض ان سعر حقّ عرض الحلقة الواحدة 10000 دولار اميركي، فإن سعر عرضها وتوزيعها في العالم العربي سيضاعف الى 20 ألفاً".


ميري ابي جرجس: "المضاربة تنعكس سلباً على القطاع


 هي من أكثر الاصوات اللبنانية رسوخاً في آذان اللبنانيين وأذهانهم. ميري ابي جرجس (من ابرز أعمالها بطولة المسلسل الكولومبي المدبلج "نورس")، تروي لـ"النهار" ايام الزمن الذهبي: "كنّا من أوائل المدبلجين في العالم العربي، حيث وجد المشاهد في المسلسلات المدبلجة قصصاً جديدة قريبة لأفكاره فنالت نجاحاً ساحقاً. وكان الممثل اللبناني حينها يعيش في نعيم لكثرة الانتاجات وارتفاع الطلب على الاعمال اللاتينية، وانا املك في سجلي حتى اليوم نحو 30 الف ساعة دوبلاج للمسلسلات اللاتينيّة". وعن واقع القطاع اليوم في ظلّ المضاربات تقول: "من الطبيعي ان يشهد القطاع مضاربات كبيرة بعد انتقال اعداد كبيرة من المدبلجين السوريين والعراقيين الى لبنان نتيجة الأزمات الأمنية في بلادهم، وانا لا اتحدث هنا من منطلق عنصري لكنني أوصّف الواقع. كما تأتي المضاربات من لبنانيين دخلاء على المهنة يحاولون كسب العمل مقابل أجور ضئيلة وهذا ما ينعكس سلباً علينا وعلى جودة الانتاج المقدّم". وعن توقّعاتها المستقبليّة حول استمراريّة القطاع تتمنى أن "يكون هناك انطلاقة جديدة للدبلجة اللبنانيّة رغم أنني لا أرى أنها ستتمتع بالزخم نفسه التي شهدته في التسعينات. لكنها في النهاية صناعة مربحة للمنتجين والتلفزيونات على حدٍّ سواء، وعلى الناس المطالبة باعادة نفعيل هذا القطاع خصوصاً ان الشريحة الأكبر من المجتمع لا تزال ترغب في مشاهدة اعمال مدبلجة جديدة".


زينة ملكي: "توقفت عن الدبلجة لأن حقّنا غير مأخوذ بالاعتبار"


بدورها تشير المدبلجة زينة ملكي (ابرز اعمالها المدبلجة دور بطولة أنطونيلا لعبة الحب) لـ"النهار" الى أنه "عندما لمعت الدراما العاطفيّة المدبلجة لبنانيّاً كنّا حينها خارجون من ضوضاء الحرب وكانت الانتاجات اللبنانية شبه معدومة فاستعيض عن الأداء التمثيلي بالدبلجة. اليوم، لا أعتقد أنها ستعود الى سابقاتها مجدّداً، حتى غن آخر مسلسل دبلج، لم يعرض في لبنان". وتلفت الى أن "المشكلة الأساس تكمن في ان نجاح فكرة معيّنة يدفع الجميع الى تبنّيها ما يؤدي الى ابهاتها في النهاية. حتى أننا بتنا اليوم أمام واقع جديد، هو اقتباس المسلسلات المكسيكيّة وانتاجها محليًّا. وربّما الاتجاه القادم سيكون لصالح اقتباس المسلسلات التركية أيضاً". وعن قرار التوقف عن الدبلجة تقول: "الواقع المهني غير جيّد. توقّفت عن الدبلجة هذه الفترة، باعتبار ان حقّ المدبلج ليس مأخوذًا بالاعتبار. يفرح الانسان معنويّاً ولكن ماذا عن الاستمراريّة الماديّة. واذا ما تكلّمنا أمام أحد في فرنسا عما نواجهه كمدبلجين لن يصدّق واقعنا".


أسمهان بيطار: "أبقى متفائلة لكن المستقبل مجهول" 


وتستعرض المدبلجة اللبنانية أسمهان بيطار في حديثٍ مع "النهار" (ابرز ادوارها المدبلجة بطولة مسلسل فيوريلا)، المراحل التي مرّ فيها القطاع: "في فترة التسعينات كان انتاج المسلسلات كبير، أمّا اليوم فبات محدوداً يقتصر على البرامج الوثائقيّة والأفلام والمسلسلات الأميركيّة والكوريّة المدبلجة. لكن ميزة الانتاجات اللاتينيّة أنها علقت في اذهان الناس، وكنا حين نمرّ في الشارع يميّزوننا من أصواتنا ويستوقفوننا ليعرفوا تفاصيل المسلسل المرتقبة". وتتحدّث عن الواقع المهني الصعب الذي يشهده المدبلجون: "نحن نمرّ في ظروفٍ مهنيّة صعبة، وبعض مستحقّات الاستوديوات مقابل بيع الاعمال المدبلجة لم تدفع لها كاملة حتى اليوم. التجأنا الى النقابة لحمايتنا لكنها لم تستطع فعل شيء رغم جهودها. وفعّلنا اجتماعات عديدة كمدبلجين للنهوض بقطاع عملنا لكن يداً واحدة لا تصفّق". وتتوجّه باللوم الى "التلفزيونات اللبنانية التي لم تأخذ قرارات انتاجيّة مراعية للسوق اللبناني وقطاع الدبلجة. وبتنا لا نحتمل الدخول في خسائر بعد اليوم، ما جعل صاحب الاستوديو يتخذ خيارات انتاجيّة صغيرة بدلاً من دبلجة الأعمال اللاتينيّة الكبيرة".


ها نحن وبعد سنواتٍ على الغياب، بانتظار عودة حاملي مشعل راكيل وكاسندرا وماريا مرسيدس وانطونيلا الى لبنان. استطلاع مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الفيديو الخاصّة بالمسلسلات اللاتينية المدبلجة لبنانيّاً كفيلٌ باظهار مدى تأثّر المجتمعات العربيّة بها. حتّى أن التراجع الكبير لفورة المسلسلات التركية المدبلجة سوريّاً حاليّاً، دليلٌ صريح على ان قطاع الدبلجة العربيّة بات يحتاج إلى خضّة ايجابيّة جديدة. عسى ان تحمل الاشهر المقبلة ملامح عودة مرتقبة لفنّ الدبلجة اللبنانيّة لأعمالٍ لاتينيّة. هذا ما يمكن ان يضفي على شاشاتنا رونقاً استثنائيّاً، ويعيد لأرباب النوستالجيا زمنهم الجميل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم