الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

البلدية والمجتمع المدني: النجاحات والإخفاقات

ميشال عقل - مهندس
البلدية والمجتمع المدني: النجاحات والإخفاقات
البلدية والمجتمع المدني: النجاحات والإخفاقات
A+ A-

بعد انقطاع دام 34 سنة جرت الإنتخابات البلديّة الأولى بعد الحرب في 1998 وكان للمجتمع المدني دور ريادي وحاسم في الدفع لإتمام هذا الاستحقاق على وقع حملة "بلدي بلدتي بلديّتي" الشهيرة. ثم توالت في دورتي 2004 و2010 من دون إشكالات.


اليوم تكون تجربة ما بعد الحرب ناهزت الثماني عشرة سنة، وهي مدة كافية لدرس التجربة وتقويمها من كلّ جوانبها، لاسيما منها علاقتها بمنظمات المجتمع المدني، وتاليا الوقوف على أبرز النجاحات والإخفاقات والصعوبات.


وإذا راجعنا تجربة البلديات حتى السنة 2002، وكان عددها نحو 800 بلدية، نجد أن معظمها لاسيّما في البلدات والقرى الصغيرة، تركّزت علاقتها بالمجتمع المدني، خصوصاً منه الأهلي والإجتماعي، على سدّ الثغر وتبادل الخدمات بشكل محدود، اقتصر فيها دور البلدية على تقديم المساعدات المالية والعينية، من دون شراكة أو إستدامة أو بُعد إنمائي. في حين كانت المشاركة في المدن المتوسطة والكبرى ، والمبادرات في الإتجاهين، لتقيم تعاونا مثمرا واستراتيجيات، ولو قصيرة المدى مع منظّمات مدنيّة لبنانيّة وخصوصاً دوليّة. وهذا ما أكدته الدراسة الميدانية المنشورة في كتاب "العمل البلدي في لبنان الصادر عن المركز اللبناني للدراسات" (2002)، حيث ما يزيد على 50% من البلديات عرف تجربةً معيّنة ذات مردود مقبول مع جمعيّة محليّة أو وطنيّة أو دوليّة. أعتُبر ذلك تقدما ملحوظ بعد الخروج من الحرب في ظلّ غياب خطة وطنيّة، ووطأة الوصاية المركزيّة الإدارية والمالية التي تحدّ من المبادرة البلديّة، في وقت كان المجتمع يخرج من الحرب منشغلاً بأولويات أخرى. وبحسب الدراسة عينها، الأهم كان في النوعيّة حيث إنتقل التعاون من تبادل المنافع وسدّ الحاجات الاجتماعيّة، الى مستوى التدخل في رسم الخطط للإنماء المحلّي ودرس المشروعات وتنفيذها، وكذلك التأثير ولو بشكل محدود على بناء القٌدرات الذاتيّة للبلديّة، إدارةً ومجلساً، والمساهمة في تمويل مشروعات ذات فائدة تنمويّة خصوصاً في ميادين البيئة والصحة والتراث والثقافة والرياضة والخدمة الاجتماعية.


ويوجد بين أيدينا كتاب صادر عن "المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم" بالشراكة مع "مؤسسة المستقبل"، يحتوي على وقائع ندوات وورش عمل قامت بها المؤسستان مع بلديات وجمعيات مدنية وأهلية في كل من: حمانا، زحلة، رأس المتن، قرنايل، جبيل، ميروبا، حاصبيا، الفرزل سنة 2013، عنوانه "الشأن العام في الحياة اليومية المحلية في لبنان". يُبرز الكتاب إشكالية تمكين السكان المحليين في حلّ مشاكلهم الإجتماعية عن طريق قنوات الحوار المباشر مع البلديات تحت شعار: "أنا معنيّ، أنا مُشارك، أنا مسؤول". ومن خلال الوقوف على النماذج المذكورة أعلاه تُعتبر التجربة مميّزة لجهة تعزيز ثقافة المشاركة الشعبية في التنمية البشرية وإحياء الحكمية المحلية، وقد حققت أهدافها خلال تدريب وتحفيز السكان والبلدية وأجهزتها والجمعيات الأهلية والمدنية المحلية على التعاون لدرس الحاجات وبناء المشروعات وتنمية القدرات وإطلاق المبادرات. كما تمكنت من رصد الميّزات الانسانية والقدرات عند السكان والأهالي وأصحاب المصالح وهي كثيرة ويمكن توظيفها، ووقفت على أبرز العوائق التي تحول دون مشاركة السكان في أعمال البلدية، وهذه بعضها: مفهوم البلدية التقليدي، الحذر في التعامل مع هيئة رسمية، غياب الشفافية والمساءلة، الإنقسامات العائلية والسياسية، ذيول الإنتخابات، الاتكالية والسلبية، غياب التخطيط والتصميم... وهي معوّقات مشتركة بين المناطق والبلديات في المواقع الثمانية موضوع الدراسة الميدانية. ومن المرجح أن تكون هذه العيّنة ممثّلة لمعظم البلديّات، وهي تُعطي فكرة عن أسباب التعثّر والتقدم.


ومن المؤسف أنّه ليس بين أيدينا اليوم دراسة تقويمية جديدة مثل المشار إليهما سابقاً للوقوف على مستجدات التجربة. يُوجد فقط بعض الكراريس التعريفية، وما يُنشر في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية للبلديات والمنظّمات المعنيّة، وهي وإن كانت كافية لإعطاء فكرة عن التطورات خصوصاً من حيث النوعية، لكنها ليست كافية بالتأكيد لمعرفة مدى الاتساع والفعاليّة والاستدامة. ومن خلال الاطلاع على عشرات المُحققات في مختلف الميادين، يمكنني القول بكل تأكيد، أن الكثير من التقدم حصل في مختلف البلديات (وعددها اليوم 1013 بلديّة) بحيث نشهد، الى مظاهر العمران والترتيب والتحسين في البنى التحتيّة والخدمات، تقدّماً ملحوظاً على مستوى التنمية المحليّة وفي إبراز الخصوصيات المحليّة والطبيعية، بالتزامن مع تقدم على مستوى الإدارة البلدية والمكننة والشراكة مع المجتمع المدني.
ومن أجل توضيح الصورة في واقع غياب الإحصاءات والدراسات قمت بتحقيقات أطلعتني على التجارب التي تقوم بها بعض البلديات بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني أعرضها بسرعة لأني وجدت فيها نماذج يمكن البناء عليهـا: 1) "السبيل": جمعيّة أصدقاء المكتبة العامّة، تدير 3 مكتبات عامّة في بيروت و25 في لبنان بالتعاون مع بلديات وجمعيّات محليّة. 2) "نحن": جمعية مدنية مشاركة في مشروع "الشراكة" بالتعاون مع "نهار الشباب" تهدف الى تطوير عمل السلطات المحلية والحكم المحلي التشاركي، ولها تجارب ومشاريع مع بلديات الشيّاح وبعلبك وغيرها، وهي مبادرة تتابع مشاريعها وتمتحن البلديات والجمعيّات للتحقّق من بلوغ أهدافها .3) "هلب ليبانون": منظمة لبنانية تعمل على ترميم وتجميل واجهات الأبنية والبيوت المتداعية والأسواق القديمة وقد حققت مجموعة غير قليلة من المساحات المرممة في مداخل بيروت وفرن الشباك وغيرها من المدن.4) ويمكننا أن نذكر منظمات لبنانية أخرى تقوم بمشروعات متخصصة ناجحة في مختلف المناطق والميادين مثل: فرح العطاء، APSAD، حملة الأزرق الكبير، جمعية الخط الأخضر،Hariri Foundation، Safadi Foundation، المؤسسة الوطنية للتراث ... .5- وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة الى بعض المنظمات الدولية الأساسية التي يزيد عددها على الـ 50 وهي ناشطة وفاعلة في درس المشروعات والتمويل والتدريب وبناء القدرات في اتجاه البلدية والمجتمع المحلي في آنٍ واحد. أذكر منها: Unesco، U.N.D.P.، الإتحاد الأوروبي، Foundation pour le Futur، Friedrich-Ebert، U.S.A.I.D ، Ford Foundation، وكالة التنمية الفرنسية ، منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، UN Habitat، وسواها.
أخيراً لا يمكننا تقويم هذه التجربة بصورة أدق نظراً لاتساعها (1013 بلدية) ولتعدد الشركاء فيها من منظمات المجتمع الأهلية والمدنية والدولية وهي بالمئات، من دون مسح شامل للمعطيات وتصنيف المشروعات المحققة وفق معايير ومواصفات محددة وهي غير متوافرة. وحتى لا تضيع هذه الانجازات أو تبقى جزراً معزولة ثمة حاجة الى سياسة إنمائية تمر حكماً عبر مرجعية ناظمة وراعية للشؤون البلدية غير وزارة الداخلية، والى اصلاحات بنيوية أخرى. عندها يمكننا أن نصل في بلديات 2016 الى شراكة مستديمة بين البلدية والمجتمع المدني تُفضي الى تحولات نوعية في حركة المجتمع المحلي تُساهم في تنميته وتطويره ونقله من المستوى الأهلي الى المستوى المدني ومن الخدمة الى التنمية.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم