الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نماذج من الإسفاف في التخاطب

ريمون عبود
A+ A-


من أخطر وأسوأ ما صدر بعد الحرب اللبنانية القذرة:
ــ قانون العفو الذي أحدث صدمة لدى المواطنين المسالمين، ضحايا ممارسات ميليشيات لا يقلّ إجرامها عن "داعش"، لكأنّ المقصود إعطاء صك براءة لهؤلاء، فتحكّموا بالعباد أيام الحرب والسلم.
- تجاهل مصير 17000 مواطن من المخفّيين قسراً داخل لبنان وفي السجون السورية. قبل العفو مطلوب الإعتذار ومصالحة فمسامحة وتنقية الذاكرة واستخلاص العبر، لكن هناك من لا يسامح ولا ينسى، ومن يسامح وينسى، وآخرون يعتبرون أنه من السهل أن تسامح، لكن من الصعب أن تنسى.
- توزيع محطّات التلفزة على أمراء الحرب، وإضعاف "تلفزيون لبنان" الذي يعكس الوحدة الوطنية، والبعد عن التشنّج والإصطفاف المذهبي، والتركيز على برامج تثقيفية، وإبراز ما يختزنه من أرشيف زاخر بالأعمال الفنيّة الراقية عكس بعض المحطّات التي عبر مقدّمات نشراتها الإخبارية تبثّ السموم والتحريض، وتعمل على نبش القبور وإثارة الغرائز، مع برامج سخيفة تنمّ عن انحدار وانحطاط وانهيار منظومة القيم الأخلاقية. من يتابع مجرى الأحداث السياسية منذ العشرينات لا يفاجأ بهذا المستوى المتدنّي والإسفاف في التخاطب السياسي، فالماضي لم يكن أفضل حالاً من حاضرنا: احتدم الصراع السياسي بين إميل إده وبشارة الخوري وتطوّر إلى حرب إعلامية، فصحيفة "لوريان" التي أسّسها غبريال خبّاز عام 1924 غطّت أخبار إميل إدّه وساندته. بعد ذلك أسّس ميشال شيحا صحيفة "لوجور" عام 1934. في أول عدد كتب مقالاً عنيفاً ضد إميل إده، ينضح بالحقد والانتقام، أبرز ما ورد فيه: "كلّ شيء شيطاني وشنيع يخبّأه هذا الشخص سينكشف في يوم من الأيام. نكتب هذا بهدوء وبكل سرور، ولكن كل شيء سيأتي إلى نهايته، بما في ذلك صبر اللبنانيين، أمّا بالنسبة للفرنسيين فسوف يقرّرون ما إذا كان صبرهم يمكن أن يطول أكثر ممّا لنا. لسنوات، إميل إدّه فعل كل ما في وسعه لهدم بلده، لبناء ثروة شخصية له من الكذب والكراهية واستعداء الأقليات (عنينا المسلمين) من أجل إرضاء طموح هائج وغير صحّي، سنتخلّص منه قريباً، ولكن في الوقت الراهن سنراقب ونستمع إلى غطرسته وفساده ونفاقه، وفي النهاية سوف نمرّغ أنفه في سفالته". لاحقاً لفّق النائب جورج ثابت رواية عارية من الصحة، فحواها أن إميل إده قال للمسلمين "إذهبوا إلى مكة"، معظم الزعماء المسلمين نفوا ذلك، علماً أنّ الرئيس إميل إده كان أول من حقّق المشاركة التي يتفنّنون بها، بإسناده رئاسة الحكومة إلى خير الدين الأحدب، ورشّح محمد الجسر لرئاسة الجمهورية، فاشتكاه بشارة الخوري إلى غبطة البطريرك. في السبعينيات من القرن الماضي كان كمال جنبلاط خلال احتدام خلافه مع الزعامات السنيّة يطلق عليها لقب الزحّافات البشرية. مع بداية الحرب العبثية وبسبب رفض العميد ريمون إده الانخراط فيها، شنّت عليه حملات إعلامية شنيعة ولقّب بالمنبوذ، وكانت إحدى الإذاعات التي أشرف عليها وزير حالي منوّه تردّد: "وجهك يا عميد فيه طول وفي وجوه الكلاب طول"!.
لا بدّ من الإضاءة على بعض المناظرات الراقية البعيدة عن الابتذال نذكر المناظرة التلفزيونية عام 1974 بين ريمون إده المعارض ووزير الداخلية بهيج تقي الدين والتي أدارها عادل مالك. أقفل البلد للإستماع والإنصات إلى ما سيقوله الرجلان، كذلك مناظرة في جبيل بين ريمون إده وكمال جنبلاط، أدارها ألبر منصور واستهلّها: "حوار بين اليمين الذكي واليسار الذكي". مع العماد عون انتقلنا إلى ثقافة "تحت الزنّار". أظرف ما سمعناه كلام وليد جنبلاط عن بشار الأسد مستعيناً "بابن المقفّع". ما يثير الريبة والهلع خطابات أركان "حزب الله"، وما تتضمنّه من تهديد واستكبار واستعلاء واستخفاف وازدراء، مستفيدين من فائض قوة لا يصرف في الداخل، ومن تهوّر بوتين الذي يدمّر ما تبقى من سوريا. قوى انقلابية لا تخضع للقانون، ولا تحترم الدستور، تدافع عن نظام يمارس التجويع والإبادة، (ليستعد القلوب الجريحة قبل استعادة الأرض)، تعطّل الحياة السياسية، وتشلّ الإقتصاد وتمنع انتخاب رئيس. لم يعد من مبرّر لاستمرار التعطيل بعد الإقرار بالإنتصار وانحسار الرئاسة بين مرشحّين. منهم مرشّحهم الفراغ في انتظار الإذعان والإستسلام. هل يعي الجنرال عون خطورة الوضع، ويكتشف ولو متأخراً خداع الحزب وتسويفه، فيقدم على مبادرة إنقاذية تخرجنا من هذه الدوّامة، التاريخ لن يرحم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم