السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

اندريي ماكين روسيّ في فرنسا مسقط جدّته

المصدر: "النهار"
اندريي ماكين روسيّ في فرنسا مسقط جدّته
اندريي ماكين روسيّ في فرنسا مسقط جدّته
A+ A-

في "الوصيّة الفرنسية" الرواية التي أدخلته نعيم "غونكور" ومنحته جائزة "ميديسيس" و"غونكور الطلاب" أيضاً في 1995، يمرّر اندريي ماكين، مواربةً، وعلى لسان أحد رواته شغفه اللا متناهي بفرنسا مسقط جدّته، فيكتب "علمتُ أني سأقوم بكل المتاح لكي لا أتحدّث عن الكُتب، وأننا سنتبادل أطراف الحديث رغم ذلك، مرات عدة وإلى ساعة متأخرة من الليل. والحال أن فرنسا التي بزغت في أحد الأيام من سهول سارانزا، تدين بولادتها إلى الكُتب. أجل كانت بلادا مكتبيّة في الصميم. بلاد تألّفت من الكلمات".


يجيء هذا المقتطف في نص استوحيَ من شذرات ذاتية ويروي حكاية شارلوت الفرنسيّة المهاجرة إلى سيبيريا والتي تنصرف إلى سرد باريس المنصرمة أمام حفيدها. ها هنا تحية وفاء إلى فرنسا يوجهها اندريي ماكين الكاتب الذي دخل للتو إلى "الأكاديمية الفرنسية" محققا إنجازا لافتا يسجّل له في عامه الثامن بعد الخمسين، كأصغر "الخالدين".


ماكين المكرّم اليوم هو ماكين عينه الذي أجبر على كثير من الامتحانات الصعبة قبل أن يجري الإقرار بجدارته الأدبيّة وشرعية انتمائه إلى أقرانه من كبار المؤلفين الفرنسيين. حمل المؤلّف في مساره شيئا من الفرادة، ذلك انه استعان بلغة نائية عنه هي الفرنسية مدخلا إلى ذائقته الروائية، بيد انه لم يستطع المجاهرة بها على نحو تلقائي، فاضطر الروسيّ الأصول الى الإدعاء، في البدايات، ان مخطوطاته الأولى وتحديدا "إبنة بطل من الإتحاد السوفياتي" (1990) و"اعتراف مناصر مخلوع" (1992)، ترجمات عن الروسية. والحال ان الكاتب جارى الوسط الفرنسي إلى حدّ الإنغماس في حياكة أسطورته، إلى حدّ اختراع مترجم روسي تولى نظريّا نقل نصوصه، من لغتها الأمّ! ارتاب الناشرون من كاتب شكّل لغته الثانية الفرنسيّة على النحو الذي حلا له، أي النحو الصارم والمتطلّب والذي لا يقبل بالتنازلات، فكان أن دفعوا به إلى النأي بالنفس عن نصوصه.


في زمن حيث تعذّر على عدد كبير من أحفاد روسو وشاتوبريان ومونتسكيو الشرعيين، الإحتفاظ بجذوة الفرنسيّة منيرةً، أؤتمن الروسي ماكين وهو صاحب ستة عشر عنوانا (فضلا عن أربعة بإسم غابرييل أوسموند المستعار)، على هذا الدور.


ماكين الذي يخلف آسيا جبار في المقعد الخامس في "الأكاديمية الفرنسية"، صوت روسي نال الجنسية الفرنسية على نحو متأخّر ولم يستطع أن ينسب لنفسه نصوصه سوى على نحو متأخر أيضا. عبّر ماكين في "كتاب علاقات الحب الوجيزة والأبدية" عن إيمانه بأن السعادة الفعليّة تكمن في التحليق فوق ثلة من الإحتمالات، وربما يكون انضمامه إلى "الأكاديمية الفرنسية" أحد هذه الإحتمالات البعيدة المنال، احتمال سيجلب له ولكثيرين سواه الغبطة الأدبية الأكيدة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم