الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

توفيق عكاشة و"الصعود إلى الهاوية"!

المصدر: النهار
سوسن أبوظهر
توفيق عكاشة و"الصعود إلى الهاوية"!
توفيق عكاشة و"الصعود إلى الهاوية"!
A+ A-

حصَدَ النسبة الأعلى من الأصوات في انتخابات مجلس النواب المصري، ودخله بصفة مستقل، لكنه لم يمكث فيه أكثر من 52 يوماً كانت مثيرة للجدل بمعظمها، وبلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، من رشقه بحذاء إلى منعه من حضور الجلسة التي شهدت إسقاط عضويته على خلفية الخوض بمسائل تتعلق بالأمن القومي.


هذا ما قاله رئيس المجلس علي عبدالعال، لكن "نائب التطبيع" ذهب إلى حيث لا يجب الذهاب، استضافة السفير الاسرائيلي حاييم كورين وإبداء الرغبة في زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. فثمة معادلة غير معلنة تحكم مصر منذ سنين، وصفها مصدر صحافي لـ"النهار" بـ"التطبيع الرسمي والعداء الشعبي". وما سماه تطبيعاً يقتصر على احترام معاهدة كمب ديفيد التي صمدت بعد اغتيال عرابها أنور السادات، وفي كل العهود، وضمان أمن السفارة في القاهرة. ذلك أن أجهزة الدولة، بما فيها الجيش، ترفض أي تطبيع شعبي وتعتبره تدخلاً في صلاحياتها.
التطبيع منبوذ كلياً بين المواطين. وما قام به عكاشة "تجاوزٌ وعمل دنيء يرقى إلى درجة الخيانة العظمى لتاريخ طويل من الدماء المصرية في مواجهة اسرائيل التي اغتصبت أرضاً عربية"، وفق تعبير المصدر.


عكاشة كان مشاغباً في كل أيامه البرلمانية، ومحباً لـ"الاستعراض" كما رأى موقع "الوفد" الالكتروني، من الانسحاب المتكرر من الجلسات، وكم فمه بشريط لاصق كتب عليه "ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه".
هل يُمنع من الكلام "بأمر الحكومة" من كان من الداعمين الأول لإطاحة نظام "الإخوان المسلمين" ومن يُصور نفسه "مفجر ثورات" ومُطلق تظاهرات 30 يونيو 2013 التي أفضت إلى عزل الرئيس محمد مرسي؟


يصعب فهم الولاءات الحقيقة لعكاشة. فهو تغيب مثلاً عن إلقاء المشير عبدالفتاح السيسي كلمة أمام مجلس النواب في 13 شباط بعد إرسال كتاب اعتذار رسمي إلى رئاسة البرلمان احتجاجاً على عدم تلبية طلبه تحديد موعد للقاء الرئيس. وهو هاجم الحكومة "العاجزة" ، منتقداً في بيان "عمليات التعذيب وتجاوزات (وزارة) الداخلية المستمرة"، وذهب إلى حد المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وفي ذلك تصويبٌ مباشر على السيسي.
وفي 25 شباط، استضاف في منزله في محافظة الدقهلية في دلتا النيل السفير الاسرائيلي لحض تل أبيب على التدخل لحل أزمة سد النهضة الأثيوبي على مجرى نهر النيل! ورأت لجنة تحقيق برلمانية أنه خالف أحكام الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات عندما تطرق إلى "شأن من شؤون الديبلوماسية الجاري التفاوض في شأنها على نحو يمثل مساً بالأمن القومي وإضراراً به... وانتقاصاً من السيادة المصرية ودعوة للغير للتدخل في شؤونها".
وفي ذلك اليوم نفسه سقَط معلم آخر من معالم ظاهرة توفيق عكاشة، قناة "الفراعين" المملوكة لوالدته مفيدة الفقي التي أعطته منبراً وصوتاً ونفوذاً بعدما كان مذيعاً عادياً في التلفزيون المصري.


وفي مؤشر على أن عكاشة كان يتوقع خسارة عضويته، قطعت "الفراعين" البث فور انتهاء جلسة السقوط الكبير بإجماع 465 عضواً من 490 حاضرين. على خلفية سوداء تُلي بيان يعلن التوقف النهائي وأن "مجلس الإدارة قرر تصفية أعمال القناة وتجميد أنشطتها وعرضها للبيع. وتتقدم (القناة) بخالص الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي". وجاءت الجملة الأخيرة خارج السياق، وبدت انتقاداً مبطناً مغلقاً بالمديح.
ورد مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة الخميس بقرار وقف بث القناة سنة لانتهاكها بنوداً تحكم البث الفضائي لجهة المس بالمصالح القومية. أضف أن بيع المحطة غير ممكن كيفما اتفق، ولا يتم إلا عبر المنطقة الحرة باعتبارها الجهة المانحة للترخيص وبدخول مساهمين جدد كما ينص قانون الاستثمار المصري. وفي كل الأحوال، تبقى أمور أخرى عالقة على ما أشار المصدر لـ"النهار"، إذ أن "الفراعين" لم تكن منتظمة في دفع رواتب العاملين فيها، وهناك الكثير من المستحقات المالية المتراكمة التي أدت إلى توقف معظم البرامج حتى قبل الانحدار المثير في مصير عكاشة.
الرجل معتكف حالياً في مزرعته في الدقهلية حيث انطلقت شرارة إسقاطه بعدما جمع الناس الذين اقترعوا له التواقيع لإقالته، فلا تسامح مع التطبيع هنا. ولم تنته كوابيسه، إذ يهدده شبح الملاحقة القضائية ببلاغين، التطبيع وتزوير شهادة الدكتوراه التي يحملها.


لم يجد عكاشة من يدافع عنه سوى ... حاييم كوهين الذي لمح إلى أن اللقاء لم يكن الأول وأنه اجتمع به أخيراً "ضمن لقاءات ناجحة مع صحافيين آخرين".
وإذ تضج مصر بشائعات عن إمكان لجوء عكاشة إلى اسرائيل، نقل موقع "برلماني" عن زوجته السابقة المذيعة رضا الكرداوي توقُعها أن يجد له "طريقاً إلى الخارج، فهو على علاقة قوية بالفريق أحمد شفيق (رئيس الوزراء الأخير في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك) ومجموعته في الإمارات العربية المتحدة". و"ما لا يعلمه الآخرون أنه يسافر كل سنة إلى أثيوبيا". نعم أثيوبيا التي طلب تدخل تل أبيب للتصدي لها!
ولا يغفل منتقدو عكاشة النبش في ماضي أسرته، وفيه أن خاله فاروق عبدالحميد الفقي، وقد كان ضابطاً مهندساً، جَنَح نحو التجسس لاسرائيل وتسليم "الموساد" خرائط عسكرية سرية عبر خطيبته، وقد انتهيا إلى الإعدام، ليس هناك من لا يعرف القصة وقد رواها فيلم "الصعود إلى الهاوية". في نظر كثيرين إن الخيانة انتقلت إليه بالجينات والدم.


ومع الإقرار بأن المزاج الشعبي المصري ينبذ التطبيع، فإنه لا يمكن إغفال أن سقوط عكاشة يحمل في طياته أبعاداً تتجاوز لقاء السفير الاسرائيلي وتدفع إلى التفكير في أن صانعي مجده السريع أرادوا تحجيمه، فكان لا بد له هو أيضاً من "صعود إلى الهاوية".


[email protected]
Twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم