الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"قهوتنا" تكسر الحواجز بين التبانة والبعل

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
"قهوتنا" تكسر الحواجز بين التبانة والبعل
"قهوتنا" تكسر الحواجز بين التبانة والبعل
A+ A-

منتصف الشارع العام المعروف بشارع سوريا، الذي شكل على فترات متفاوتة ما يعرف بمصطلحات الحرب الأهلية اللبنانية، بـ"خط تماس"، تتلألأ بالأضواء المنعكسة على طلاء الجدران الزاهي في إحدى زوايا الشارع. ألوان بالأصفر والأحمر والأزرق والأخضر تعلن عن "قهوتنا"، المبادرة التي قامت على نقطة تماس سابقة حساسة بهدف إزالة حساسيتها، وإسقاط الحواجز التي قامت بين طرفيها.


عند مدخل فسحة "قهوتنا"، تلفت عبارة "طرابلس تحب الحياة"، هي أيضا متلألئة، وأيضا متكررة ومجسمة في الواجهة المقابلة من الفسحة، وتحتل مسافة عشرة أمتار من الجدار الذي حمل الكثير من أسرار الأحداث والمواجهات، وفيه أقيمت المتاريس، التي قابلتها متاريس أخرى في الجهة المقابلة على محور عرف باسم شارع "الأهرام" داخل إحدى الطرق المتفرعة من شارع سوريا في باب التبانة، والاسم نسبة للسينما التي كانت قائمة فيه.


تتمايز الفسحة عن بقية الأمكنة بتجددها وزهائها، علها تؤسس لشارع "سوريا" جديد يستعيد ماضيه المجيد يوم عرف بسوق الذهب، حيث تشكل منذ مطلع القرن العشرين كأهم سوق تجارية بالجملة والمفرق، وقصده الناس من أقضية الشمال كلها، ومناطق لبنانية أخرى، والأهم من سوريا، ومدنها المتفاعلة مع طرابلس، خصوصاً منها حمص وحلب.


لكن هذا الشارع- سوريا- هو اليوم منهك، متآكل، على رغم محاولات تجديده بين جولات الأحداث، وفي فترات الهدوء التي مرت عليه أحياناً، لا تزال علامات الاحتراق، وآثار القذائف والرصاص تنطق بلغة تترك أثرا بليغا في المحلة التي تداخل سكانها السنيون والعلويون سابقا، وعاشوا من دون تمييز في ما بينهم، إلى أن أفرزتهم الأحداث المتلاحقة، وباتوا في محلتين منفصلتين بصورة شبه تامة في ما يعرف بجبل محسن وباب التبانة، وراحوا في كل استحقاق إقليمي يتبادلون إطلاق النار والقذائف، لكن أحدا لم يتقدم مترا واحدا في حي الآخر، مما يترك مجالا دائما لعودة التقارب، واستذكار ماضي الحياة الواحدة السابقة بينهما، والرجوع إلى ممارسة هذه الحياة المشتركة كلما سنحت وطالت فترة الهدوء بين جولة وجولة.


جمعيات عدة تضافرت لإقامة "قهوتنا" التي تحمل بصمات محترفة في فن إخراج الكلمات والتعابير، فكانت إلى جانب "قهوتنا"، "دبكت ضحك"، و "طرابلسيات"، و"كفك بـ cafe"، إشارة إلى الدعوة لعودة التضافر والتقارب على فنجان القهوة، وايضا لعبة طاولة الزهر، والنرجيلة، وسواها من تسالٍ. "مجلس شباب التبانة" وجمعية "مارش" و"جمعية شباب الغد"، وبضع عشرات من المتطوعين من أبناء المنطقتين، انطلقوا افرادا قلائل، وما لبثوا أن تداعوا، وتضافروا لإقامة نواة أملهم بحياة جديدة تطوي صفحات الأحداث إلى غير رجعة.


فسحة، وصالة، وبينهما شرفة، تشكل "قهوتنا". وفي الصالة، تحولت الجدران على أيدي المتطوعين الفنانين إلى جداريات مزدانة بالألوان والأشكال البراقة، والأهم، برسوم لأكبر اربع فنانين لبنانيين من عصر النهضة الجميل وهم فيروز ووديع الصافي وصباح ونصري شمس الدين، إشارة إلى توجه شفافية تتحكم بالمبادرة، وتفرض نزوعا نحو طرب راقٍ بات كثيرون يتطلبونه.


على زاوية مدخل قهوتنا، لوحات إعلان تحمل صورا عن أنشطة قامت على خلفية تأسيس المقهى، وفي فترة إنشائه وتجهيزه التي استغرقت عاما، على ما يذكر هيثم الحلاق، المتبرع بالأرض لإقامة المبادرة، وعضو "جمعية بيت الشباب".


حلاق ذكر لـ"النهار" ان "الفكرة من موضوع القهوة المفتوحة طرحتها السيدة ليا بارودي، وهي رئيسة جمعية "مارش" اللبنانية، مع الممثل ميشال أبو سليمان من الجمعية عينها، بهدف إفساح المجال للناس أن تتلاقى، وتتعارف، وتتقرب من بعض، كما قال حلاق، مضيفا: "علينا أن نكسر الحاجز الذي نشأ في الأحداث بين الناس، وأساس المشكل هم الكبار الذين جعلوا الناس يحملون السلاح وينزلون إلى الشارع. تجار السلاح والبارود والنار والدم، نحن ضدهم".


عن "جمعية بيت الشباب" في التبانة، قال إن "غايتها تقريب الناس، وتفعيل المحبة بينهم، وبالنسبة إلي، كمالك للأرض، قدمت الأرض بالمجان لأنني أعتقد انه علينا المساهمة باجتياز الأحداث ومفاعيلها. ولو أصررت على وضع إيجار للأرض، لما ضمّنا نجاح المشروع. بينما كانت الأرض مستنقعا، وكانت البؤرة التي تلقى فيها القنابل".


ثم ذكر أن "التأسيس بدأ منذ سنة، وأن الجو الذي نشأ عن المبادرة ترك طابعا جميلا جدا، ويفيد أن الناس من كل المناطق يقصدون المقهى، ويتجالسون، ويتسلون وأعصابهم هادئة، ولا يريدون أكثر من ذلك. هناك من يقصد المقهى من منطقتي جبل محسن وباب التبانة، ومن أحياء أخرى أرادوا المساهمة بإنجاح المشروع، وثمة من أحب الإطلاع على ما يجري. وقد لاقت الفكرة صدى إيجابيا لدى الناس، فحضر افتتاح المقهى نحو اربعمئة شخص".


طارق الهباوي، عضو جمعية "مارش"، وأيضا "مجلس شباب التبانة"، تحدث عن "تحضير "مارش" لمسرحية مشتركة بين جبل محسن وباب التبانة بعنوان: "حب وحرب على السطح"، اخرجتها إيمان بورجيلي، وشارك فيها متطوعون من المحلتين، وبذلك يتحقق الدور المأمول للمقهى وهو تقريب الناس، وتعريفهم على بعض. ولطالما اضطلع المسرح بدور إصلاحي، وعالج الكثير من الأمراض الاجتماعية التي لا تشفى بدواء.


يذكر أن افتتاح المقهى شهد تظاهرة فنية وثقافية جميلة، أمتعت الحاضرين، وتركت اثرا طيبا في ما بينهم، فكان المسرح وعروضه، والرقص التعبيري والإيمائي، والموسيقى العربية، والأخرى الصاخبة، والراب، والألعاب النارية، وبسبب ما اضفاه الحفل من حلاوة، يؤمل أن يترك أثرا جيدا في إعادة اللحمة إلى ابناء المنطقة الواحدة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم