الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

موغابي... كأننا من رعاياك!

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
موغابي... كأننا من رعاياك!
موغابي... كأننا من رعاياك!
A+ A-

هو الزعيم الأوحد لبلاده، لا شريك له في السلطة ولم يحكم غيره منذ الاستقلال عن #بريطانيا عام 1980. تجاوز التسعين سنة ولن يتخلى عن الرئاسة، رئيس مدى الحياة بحكم الأمر الواقع والانتخابات المُعلبة. يظن أن الموت عصي على من هم مثله، فهو الرئيس الأكبر سناً في العالم ويعتزم معاودة الترشح عام 2018، ويؤمن أن الحياة لا تُعاش إلا بالبذخ الأسطوري. ما هَم إن كان الشعب يواجه الجوع والجفاف.
إنه روبرت #موغابي، رئيس زيمبابوي. وُلد في 21 شباط، قبل 92 سنة، ولم تتورع صحيفة حكومية عن مقارنة ذلك بمولد المسيح. وثمة حركة تحمل اسم "منظمة 21 شباط" قامت عام 1986 لتمجيد قيادته "الرؤيوية". صار تاريخ الميلاد هذا يحمل اسم "يوم روبرت موغابي". وعنه قال صاحب المناسبة إنه سيُعلن عطلة رسمية، لكن بعد المرور بمسار العرض على البرلمان من الحزب الحاكم. يا للديموقراطية!
منذ سنين يشكل 21 شباط مناسبة للاحتفال المتنقل بين محافظات البلاد. ولم تكن هذه السنة باستثناء، وقع الخيار على مقاطعة ماسفينغو التي يضربها الجفاف.
هناك، حيث نُكب المزارعون بخسارة أكثر من 75 في المئة من محاصيل الذرة، قُطعت الطرق واكتظت الفنادق بآلاف المدعوين من الأثرياء والنافذين والوزراء والعسكريين والديبلوماسيين الذين قدموا لتحيته. أُطلق 92 بالوناً وأُلقيت قصائد وأُنشدت أغان تحيي "أيقونة أفريقيا". وارتدى كثر، بينهم نائب الرئيس إيميرسون منانغاغوا، قمصاناً تحمل صورة صاحب العيد. وبلغ وزن كعكة الميلاد 92 كيلوغراماً، وكانت أشبه بلوحة عملاقة، ففيها خريطة أفريقيا بكل ما في أعلام دولها من ألوان.
بلغت كلفة هذا الاحتفال الهوليهودي النزعة 800 ألف دولار. 800 ألف دولار هي نصف مبلغ مليون و600 ألف دولار، أليس كذلك؟ حسناً، أنفق موغابي على عيد ميلاده الـ92 نصف المبلغ الذي وجهت سلطات زيمبابوي نداء إلى المجتمع الدولي للتبرع به لتوفير مساعدات غذائية إلى المناطق المنكوبة بالجفاف حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص على حافة المجاعة.
لم يكتف موغابي بطلب مساعدة أضاع نصفها لإرضاء غروره، بل وضع شروطاً لقبول المعونة الدولية التي لم تصل أصلاً. قال :"لو جاءت المساعدة تحت ستار رضوخنا للزواج بين المثليين، سنرفضها. إنها مساعدة عفنة وفاسدة ولن يكون لنا أي صلة لنا بها".
وفي المقابل، أهدى إلى الاتحاد الأفريقي "هبة قيمة"، وضعها في إطار ضمان استقلالية تلك المنظمة المالية، وهو كان رئيسها الدوري حتى كانون الثاني. لم يقدم أجهزة مكتبية أو معلوماتية، أو معدات عسكرية لتعزيز قوة حفظ السلام الأفريقية. أهدى بفخر 300 بقرة في مراسم أقيمت في مكتبه قبل تسليم القطيع من مزرعة بشمال غرب هراري. وشكره الاتحاد الأفريقي على صفحته الرسمية على "تويتر" على "قيادته الحكيمة وإرسائه أمثلة عن قدرة الأفارقة على تمويل التنمية في أفريقيا". لكن فاتَ بيان الرئاسة وتلك التغريدة التوضيح كيف يمكن البقر تحقيق الاستقلال المالي وتعزيز منظومة الاتحاد الأفريقي؟ ألم يكن المزارعون المنكوبون في مقاطعة ماسفينغو وسواها أحق بها؟
قد يقول البعض إن موغابي مجنون. لكن مهلاً، ذلك يودي بالمرء إلى السجن. فقد دين قبل أيام من الاحتفال الأسطوري الشرطي فريدي مونينمو بـ"إهانة" رئيس البلاد، في مخالفة للقانون الجنائي. وكذلك لا يمكن انتقاد زوجة موغابي الشرهة مثله للمال والسلطة. غرايس (50 سنة) هي قرينته الثانية منذ عام 1996 وتطمح إلى خلافته مستعينة بنفوذها في الحزب الحاكم.
موغابي، ألا يشبه الكثير من الحكام العرب، بينهم صديقه معمر #القذافي؟ في بلداننا أيضاً لا يمكن انتقاد الحاكم الذي يرافقنا مدى الحياة، والأمثلة لا تحصى. وقد أورد موقع "هاشتاغ ألجيري" قبل أيام أن المذيع أحمد لهري خسر عمله لأنه ذكر اسم عبدالعزيز بوتفليقة من دون أن يسبقه بلقب الرئيس.
وفي مصر، يقف المشير عبدالفتاح السيسي ناهراً خصومه وصارخاً بهم "إنتو مين" بطريقة أعادت إلى الأذهان قول القذافي بفوقية "من أنتم". ويطلب من مواطنيه ألا يستمعوا إلا له، عارضاً مشروعاً اقتصادياً لعام 2030 غامض المعالم.
أما أسماء الأسد، فقد كانت خائفة على مصير طائر أبو منجل الأصلع الشمالي من الانقراض بينما يُبيد زوجها شعباً بكامله. ونشرت مرة على صفحتها على "الفايسبوك" النتائج الدراسية لنجلها البكر حافظ الذي حصد علامات شبه كاملة. من كان ليجرؤ أصلاً على عدم إنجاح حافظ الحفيد؟ هو يذهب إلى المدرسة ويعيش حياة مرفهة بينما يضيع جيل سوري بكامله في الشتات.
وصيف 2014 ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف العراقية بنبأ إقامة حفل عيد ميلاد لرحاب، حفيدة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بكلفة مليون دولار فقط لا غير.
وفي لبنان تفتك النفايات بنا ويُمدد النواب لأنفسهم ويرفعون رواتبهم على حساب جيوبنا المهترئة، ولا يمكن انتقاد أي مسؤول حزبي في برنامج تلفزيوني أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فإما الملاحقة القضائية لكاتب ستاتوس، وإما قطع الطرق وحرق الدواليب.
روبرت موغابي، كأننا من رعاياك!
[email protected]
twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم