السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عندما يحمل المدرسون المسدسات!

المصدر: النهار
سوسن أبوظهر
عندما يحمل المدرسون المسدسات!
عندما يحمل المدرسون المسدسات!
A+ A-

العلم رديفٌ للموت والمدارس والجامعات ساحاتٌ للقتل العبثي. ليس في الأمر مبالغة. هذه حال شمال غرب باكستان حيث صارت هجمات حركة "طالبان باكستان" من طقوس الحياة اليومية.
مع أن كلمة الوحي الأولى التي تلقاها الرسول محمد كانت "اقرأ"، فإن "طالبان" تعتبر العلم رديفاً للكفر، وقد حولت معركتها من الأهداف العسكرية إلى المدارس والجامعات.


وبينما كانت البلاد في حداد على ضحايا الهجوم على جامعة باشا خان في مدينة تشارسادا في إقليم خيبر بختون خوا، توعد فصيلٌ من الحركة تبنى الاعتداء الأربعاء، بمواصلة استهداف المدارس والجامعات وحتى دور الحضانة. والسبب؟ تزعم الحركة المتشددة أن المؤسسات التعليمية تُنتج "الكفار"، والجامعة المقصودة "تؤهل المحامين والضباط العسكريين وأعضاء البرلمان وسواهم من الذين يتحدون إرادة الله"!... لكن ألم يأمر الله المسلمين بالعلم؟
في نظر هؤلاء، ملالا يوسفزاي، ابنة شمال غرب باكستان، استحقت القتل لأنها آمنت ووالدها بحق الفتيات في التعليم، هي القائلة إن الوسيلة الأنجع لمواجهة الإرهاب بنتٌ ترفع كتاباً وقلماً. إنه النهج الإجرامي نفسه الذي اقتحم مدرسة تابعة للجيش في بيشاور في كانون الأول 2014 وأردى 150 تلميذاً ومُدرساً في الصفوف. والواقع أن عمر منصور، العقل المدبر لهجوم المدرسة، هو من تبنى استهداف الجامعة وتوعد المؤسسات التعليمية ككل.
لم يكن اختيار الهدف عبثياً، فهو يحمل اسم خان عبدالغفار خان، السياسي والزعيم الروحي من البشتون ومؤسس حزب عوامي القومي الذي يمثل قوة تقدمية في مواجهة تشدد "طالبان". وكذلك لم يأت يوم الهجوم عشوائياً، ففيه كانت المؤسسة التعليمية ستستضيف مهرجاناً شعرياً تكريماً لذكراه.
إنها الساعة التاسعة صباحاً. وروى خيم مشغل لشبكة "سي أن أن" الأميركية للتلفزيون أنه كان نائماً عندما أيقظه زميله ليبلغه بهلع أن الحرم الجامعي يتعرض لهجوم إرهابي. وحين قفز إلى النافذة رأى ثلاثة مسلحين يفتحون النار عشوائياً.


سقط 20 طالباً ومدرسان. وكان يمكن الحصيلة أن تكون أكبر لو لم يبادر مُدرس الكيمياء سيد حميد حسين إلى الرد على المهاجمين بإطلاق النار من مسدسه ليتيح لبعض الطلاب النجاة. نعم، مُدرس يحضر إلى العمل ومعه مسدس. فالمؤسسات التعليمية لا تحظى بحماية في باكستان. ومنذ هجوم بيشاور صار مسموحاً، لمن يرغب من أعضاء الهيئة التعليمية، بالتسلح للدفاع عن النفس وقد تلقى بعضهم تدريبات على إطلاق النار! والجامعة المستهدفة كانت لجأت إلى خدمات 50 حارساً خاصاً، وقد قاتل هؤلاء لنحو ساعة وحموا أماكن سكن الفتيات.
وروى الطالب شهيد مالك أن حسين وفر غطاء لطلاب ليعودوا إلى المهاجع للاحتماء فيها. وقال زميله محمد شبير إن الأستاذ المسلح أعاق تقدم المسلحين 15 دقيقة كانت كافية لإنقاذ أرواح قبل مقتله هو.
غير أن حسين لم يكن صاحب السلاح الوحيد في الحرم الجامعي. إذ كان بين الطلاب القتلى واحدٌ ساعده في التصدي للمهاجمين، وكان بحوزته مسدس لأن "طالبان" هددت أفراد أسرته.


وأوردت وكالة "رويترز" أن مدير الجامعة محمد شكيل كان محاصراً على شرفة الطبقة الثالثة من أحد مباني الحرم مع 15 طالباً، وطالب رجال الشرطة الذين وصلوا إلى المكان مده بسلاح. و"بعد تكرار النداء، رموا إلي بمسدس، فأطلقت رصاصات عدة على الإرهابيين".
وإذا كان صار من مهمة المُدرسين التسلح والقتال، فما دور أكثر من 150 ألف جندي باكستاني يتمركزون في شمال غرب باكستان في إطار عملية لمكافحة الإرهاب؟ تكرار الهجمات يشير إلى عجز الاستراتيجية العسكرية عن بلوغ أهدافها، خصوصاً أن "طالبان باكستان" لم تعد كياناً موحداً بل جماعات يدير كل منها قائد محلي.
ومن المفارقات أن مجلس شورى "طالبان"، الحركة الأفغانية الأم، موجود في باكستان، بينما يُعتقد أن مولانا فضل الله، وهو من مؤسسي الشق الباكستاني من الحركة، فر إلى إقليم ننغارهار الأفغاني.


وكشفت "النيويورك تايمس" أن مسؤولين صينيين وأميركيين وباكستانيين وأفغان التقوا في كابول الأسبوع الماضي لمناقشة كيفية إعادة إطلاق محادثات السلام الأفغانية مع "طالبان". وعلى هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ناشد نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن ووزير الخارجية جون كيري حكومتي كابول وإسلام أباد تجاوز الخلافات والتعاون لإنجاز الاستقرار في أفغانستان، وهو ينعكس تالياً في باكستان.
وفي انتظار تحقق ذلك الهدف الصعب، يقول الطالب في جامعة بيشاور منصور خان :"لن نكون تحت رحمة الإرهابيين. لا يمكن ترويعنا، لن نتخلى عن دروسنا".


[email protected]
Twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم