السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عودة العلاقات التركية الاسرائيلية: روائح غاز وصفقات أمنية

المصدر: "النهار"
امين قمورية
عودة العلاقات التركية الاسرائيلية: روائح غاز وصفقات أمنية
عودة العلاقات التركية الاسرائيلية: روائح غاز وصفقات أمنية
A+ A-

عندما اكد الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان حاجة تركيا إلى إسرائيل، لم يفاجأ احدا، ذلك ان عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها يُعد تحصيل حاصل. فتركيا، هي ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مُسلمة بعد إيران اعترفت بإسرائيل في آذار 1949، ومنذئذ لم تتوقف علاقات البلدين عن النمو والتطور، لا سيما في المجالات العسكرية والديبلوماسية والاستراتيجية.


ولعل تصريحات اردوغان مؤشر واضح الى أن الطرفين التركي والإسرائيلي ماضيان في تنفيذ الإعلان عن عودة العلاقات التي اعتراها الفتور بينهما، منذ أن قتل الجيش الإسرائيلي ناشطين أتراكًا كانوا متوجهين على متن سفينة "مرمرة" لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2010. عندها ظهر أردوغان بمثابة المدافع الأول عن فلسطين والفلسطينيين.


إلا انه منذ ذلك الحين شهدت المنطقة تطورات كثيرة، وفشلت رهانات انقرة على ثورات الربيع العربي، بعد إطاحة "الاخوان المسلمين" حلفاء حزب اردوغان من السلطة في القاهرة وتونس وليبيا، فضلا عن احتقان علاقة تركيا مع سوريا والعراق ومصر. كما طرأت في المنطقة تحالفات جديدة أوجدت متغيرات كبيرة وكثيرة، أملت على أنقرة إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية والدولية.


سوريا والأكراد


وشكّل العامل الكردي اول المتغيرات الجيوسياسية التي أفرزتها الأزمة السورية، وانعكست سلبا على تركيا، وتمثل خصوصا بصعود نفوذ حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو حزب كردي سوري نافذ تأسس عام 2003، ونجح في بسط نفوذه على مناطق واسعة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، بعد انسحاب قوات النظام منها في صيف 2012 ونجاحاته في صد "داعش" في موقعة عين العرب "كوباني"، وهي المعركة التي أفادت الصورة الذهنية للحزب ومنحته زخماً إقليميًّا ودوليًّا.


ولأن أنقرة ترى في الأكراد السوريين خطرًا محدقًا على الأمن القومي، بسبب علاقاتهم بالأكراد القوميين في تركيا، فقد نظرت بقلق متزايد إلى توسّع التعاون بين المليشيات الكردية السورية والقوات الأميركية في الحرب ضد تنظيم "داعش". وتخشى تركيا التحالف الدولي مع الأكراد، لا سيما بعد استقبال موسكو زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي التركي صلاح ديمرطاش، وفتح جبهة ديبلوماسية مع أكراد تركيا، وهو الأمر الذي يؤجج التوتر التركي- الروسي.


بدورها، أسهمت النواحي السياسية والعسكرية في المنطقة، وتحديدا في سوريا والعراق، بقوة في دفع تركيا باتجاه تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فقد صارت محاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) أولوية دولية، كما رفضت واشنطن إقامة منطقة عازلة تطالب بها أنقرة داخل الأراضي السورية، وبات التدخل العسكري الروسي مباشرًا في سوريا، وظهر اتفاق دولي ما على حلّ الأزمة السورية بالسبل السلمية مع تأجيل البت في مصير الرئيس بشار الأسد.
وفي العراق تغيرت الأوضاع. وفي مصر تغير النظام بينما انشغلت السعودية وحلفاؤها أكثر فأكثر بالحرب في اليمن، من دون أن ننسى التقارب اللافت بين روسيا والولايات المتحدة، وكذلك الاتفاق بين طهران والعواصم الغربية حول الملف النووي الإيراني.


روسيا والغاز


علاوة على ذلك، جَدّ متغير كبير تمثل في تكثيف الوجود العسكري الروسي في سوريا، وخصوصا تلك المواجهة المباشرة بين أنقرة وموسكو. وهي أزمة برزت بعدما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا، واشتدت منذ أن فرضت روسيا عقوبات اقتصادية مختلفة على تركيا، في مقدمها ما يتعلق منها بالغاز الروسي الذي كان يعبر الأراضي التركية نحو أوروبا.


وتستورد تركيا سنويا أكثر من 48 مليار متر مكعب من الغاز، تغطي روسيا وحدها نحو 56 في المئة من هذه الكمية، وإذا أضفنا الغاز الإيراني، ترتفع هذه النسبة إلى ما يقرب من 80 في المئة.


ولا تقتصر علاقات الطاقة بين أنقرة وموسكو على هذا النحو فقط، إذ تدير شركة روسية محطة ضخمة لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز في تركيا. كما أن التعاون في مجال الطاقة لا يقتصر على مجالي الغاز والنفط، إذ وقعت "أتوم ستروي إيكسبورت" الروسية عام 2012، عقداً لبناء مشروع مفاعل "آك كويو" النووي في مدينة أضنة جنوب البلاد.


ولعل التواصل التركي مع إسرائيل يأتي في سياق محاولات أنقرة لتحقيق المزيد من أمن الطاقة بتنويع مصادر الإمداد، ويقابل ذلك توافر رغبة إسرائيلية في توطيد التعاون مع أنقرة في هذا المجال. وقد صرح وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في 18 كانون الاول 2015 ، بأن تطبيع العلاقات مع تركيا له أهمية كبيرة سواء لتطوير حقل لوثيان للغاز أو المساهمة في إعادة شركات الطاقة العالمية إلى إسرائيل للبحث عن حقول غاز جديدة. كما تتفاوض شركات إسرائيلية منذ وقت طويل مع شركات تركية على خط أنابيب لنقل الغاز من لوثيان عبر تركيا إلى أوروبا ودول آسيا.


ايران والاتفاق


لكن الدافع الاهم تلاقي تلاقي تركيا واسرائيل على عتبة التهديدات الإيرانية. ففي مقابل النجاحات النوعية التي حققتها إيران إقليميا ودولياً على حساب الدور التركي، تمثل إيران شوكة في خاصرة إسرائيل، لاسيما وانها الداعم الأكبر ل"حزب الله" في لبنان وحركات المقاومة في قطاع غزة، وهو الأمر الذي يؤرق إسرائيل ويزيدها انغماساً في همها الداخلي.


وعلى رغم تشابك المصالح الاقتصادية والتجارية بين أنقرة وطهران إلا أنهما يتباينان في توجهاتهما السياسية، إذ تسعى إيران إلى توطيد العلاقة مع روسيا، وكان بارزاً، هنا، التوافق حول الأزمة السورية والأوضاع في العراق. كما نجحت إيران في تحقيق تفوق نسبي على أنقرة بعد امرار تسوية برنامجها النووي بنجاح ورفع العقوبات الغربية، وتقاربها الملحوظ مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.
في سياق متصل يمثل التقارب التركي الإسرائيلي مدخلاً مهماً لتركيا لتوطيد علاقاتها مع واشنطن التي لم يرقَ دورها إلى مستوى الحليف مع أنقرة في أزمتها مع روسيا. كما يمكن لها استثمار النفوذ الإسرائيلي على واشنطن والغرب لجهة توقف دعم الصعود الكردي، وتحول الأكراد إلى حليف للولايات المتحدة على الأرض في سوريا والعراق.


تداعيات التقارب


ومع أن رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو أكد أن أنقرة تصر على مطالبتها برفع القيود عن غزة شريطة عودة الدفء للعلاقة مع إسرائيل، وكرر أن تركيا لم تنسَ شعب غزة، إلا أن مسارات الأحداث تكشف عن سياقات سياسية مختلفة، واول هذه المؤشرات الاتفاق على تعويضات ضحايا السفينة "مرمرة"، وثانيهما إسقاط تركيا كل الدعاوى القضائية ضد إسرائيل بشأن الحادث، وثالثها إبعاد انقرة القيادي في "حماس" صالح العاروري تحت ضغط إسرائيل فضلا عن أن تخلي تركيا عن مطلب رفع الحصار عن غزة هو في صلب الهدف الإسرائيلي.
التقارب التركي الإسرائيلي قد يدفع نحو إعادة النظر في الرؤية التركية للقضية الفلسطينية، ولاسيما العلاقة مع "حماس".
كما إن عودة العلاقات التركية الإسرائيلية تعني العودة التدريجية القوية إلى الصفقات العسكرية والتنسيق الأمني بين الجانبين في ظل التعاون التاريخي بينهما في هذه المجالات، فاسرائيل وقعت صفقات عسكرية ضخمة مع تركيا خلال السنوات الماضية تقدر بمئات ملايين الدولارات. وعلى المستوى الإقليمي فإن لهذه العودة تداعيات كبيرة انطلاقاً من تطور المسار العسكري والأمني للعلاقة بين الجانبين، سواء على مستوى التعاون الإقليمي في الملف السوري، ليس فقط على مستوى كيفية مواجهة التداعيات الأمنية الحدودية بل ايضا على مستوى محاولة إيصال قوى محددة إلى السلطة وصوغ سياسة جديدة لسوريا.


وهكذا من الواضح أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من عودة هذه العلاقة، من أجل استخدامها في الضغط التركي على الفلسطينيين، وتمرير مشروعها لتهويد فلسطين، وعبور أنبوب الغاز عبر تركيا إلى أوروبا، بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على تصدير 40 في المئة من الغاز المستخرَخ من حقل لوثيان، ومن المناورات العسكرية التي أوقفتها تركيا بعد الحادثة، ومن صفقات السلاح.


[email protected]
twiter:@amine_kam


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم