الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حيطورا جارة الغيم آخر حدود المتصرفية جنوباً

جوزف باسيل
A+ A-

"حيطورا جارة الغيم" هو الكتاب الثاني أطالعه خلال شهر، بعد "الزعيترة" وأرجو أن يكونا في سلسلة طويلة من جهود المثقّفين والأكاديميّين أبناء القرى اللبنانيّة الذين عاشوا طفولتهم فيها، وربما عادوا إليها شيباً في كهولة أو شيخوخة، فنفضوا الغبار عن حنين كامن تضوّع عطراً من الذكريات والكلمات والرسائل، فتتكوّن من ذكريات هؤلاء ودراستهم واحصاءاتهم ومن جمع التراث الشفوي، موسوعة وطنية لبنانيّة تحفظ تاريخ كل قرية في قضائها ومحيطها، وتحفظ في المكتبة الوطنية ذخراً للأجيال المقبلة وتكون عوناً للمحافظين والقائمقامين في معرفة حالات القرى وشؤونها حيث تمتد سلطتهم، وهذا أقل الفائدة الكثيرة. وكلامي لا ينفي أن كثيرين كتبوا عن قراهم، لكن قصدي الجميع.
تُضاف إلى ذلك رغبة الخورأسقف سعيد الياس سعيد، الذي كتب مقدمة الكتاب، في أن يترجم إلى "لغات بلدان المنتشرين منا في أصقاع المعمورة، فيدركون قبل فوات الأوان ما فاتهم ويعوّضون ما أمكن على فلذات أكبادهم".
قصة حيطورا، كما كتبها عاطف قيصر مرعي، قصّتان: الأولى غارقة في مجاهل التاريخ، إذ دفع اسمها الآرامي بالبعض الى الربط بينها وبين ما ورد في انجيل متى عن المدن العشر "وتبعته جموع كثيرة من الجليل والمدن العشر وأورشليم واليهودية ومن عبر الاردن" أي انها من المدن العشر. كما ورد في انجيل لوقا "عيطوريا" التي يخرج منها مقاتلون أشدّاء، وهي تتظلل جبل طورا.
والثانية بدأت بمغامرة ثلاثة أخوة مع عيالهم نزحوا من بيت شلالا في البترون، وهم: نصّار ورزق وصالح. وحطّ بهم الرحال قرب عين حيطورا المتفجّرة من الشير. ويجد مرعي في وجود كنيسة مكرَسة لاسم مار عبدا، من دون كل قرى جزين وربما الجنوب، اثباتاً على نسب أهالي الضيعة الى بيت شلالا حيث هناك كنيسة على اسمه مطابقة بناءً وهندسةً لتلك في حيطورا التي انهار قسم منها ليل هزة 17 آذار 1956 التي ضربت منطقة جزين.
يسلسل مرعي نسب عائلات حيطورا إلى حوالى سنة 1700 مرجِّحاً نزوح الأخوة الثلاثة إليها، في تلك المرحلة الزمنية، ثم يعرض وقائع المذبحة التي تعرّضت لها على يد دروز نيحا سنة 1860 بعدما أمّنهم سعيد بك جنبلاط كونها ملكية للشيخ شمس شمس.
وتوضح الاحصاءات تدنّي عدد سكان قرى جزين خلال سنوات 1842 – 1862، ثم عاود الزيادة. ويعود الفضل الى سليمان بك كنعان (من جزين) عضو مجلس ادارة المتصرفية في انتقال ملكية حيطورا الى أهاليها بعدما اشتراها من آل شمس. وتم هذا المسعى لأن حيطورا كانت آخر قرية في الجنوب العالي ضمن متصرفية جبل لبنان، وخضعت لنظامها.
خصائص القرى اللبنانية في منطقة جزين متشابهة، وهذا ما يصف به مرعي حيطورا، ففي الزراعة آنذاك أشجار التوت وتربية دود القز، ثم زراعة الصنوبر، وبعد الخمسينيات زراعة التفاح والعنب والتين والزيتون، وحالياً تنشط زراعة الكرز والإجاص والكيوي.
ويقول المؤلّف إن حرج الصنوبر في حيطورا يعدّ الثاني في منطقة جزين. وافترض أن الأول هو حرج بكاسين. أما تحريج الشير بالسنديان فلحماية القرية من الصخور المنحدرة منه.
يعجب القارئ أنّ قرية صغيرة فتحت فيها ثلاثة مقاهٍ في ثلاثينيات القرن الماضي، وأُجريت فيها مباريات زجلية وشعرية. وأكثر منذ ذلك أنه في عام 1934 و1936، مرّ في حيطورا شحرور الوادي قاصداً بلدة جباع لاحياء حفلتين زجليتين فيها، ورافقه يومها الشاعر قيصر مرعي وتحاور معه ومع علي الحاج وأنيس روحانا وعباس نجم الحوميني. ومنتصف الأربعينيات قصد حيطورا الشاعر علي الحاج البعلبكي من بلدة حومين وخليل روكز الذي غنّى مع قيصر مرعي في حيطورا سنة 1947، ثم في مقهى الشلال في جزين 1948 وعبد المنعم فقيه وخليل ووديع شلهوب وحنينة ضاهر من زحلتي.
وشاعت في القرية والمنطقة ردّة مشهورة لقيصر مرعي، قال فيها:
حيطورا بأرض بلادي مدرسة الشعر الهادي
الما بيمرق فيها بيكون شاعر من دون شهادي
ماذا في حيطورا؟
- منجم للفحم الحجري يقدّر احتياطه بملايين الأطنان "ما يشكّل ثروة كبيرة للبلاد يمكن استغلالها بكلفة ضئيلة" (كماكتب الأب هنري لا منس في "تسريح الأبصار في ما يحتوي لبنان من آثار").
- يتضمّن الفحم المتحجّر بعض العنبر الذي قال عنه عالم الأحياء في الجامعة الأميركية رئيف ملكي أنه "أقدم عنبر في العالم وأكثره نقاءً وشفافية ويعود تاريخ تكوينه إلى أكثر من 130 مليون سنة".
استغل الفرنسيون المنجم فنقلوا الفحم إلى صيدا واستخدموه في تسيير آلياتهم عام 1941، أثناء الحرب العالمية الثانية.
خرج من حيطورا رهبان وكهنة ومطارنة، اشتهر منهم القس جرمانوس فرحات الحيطوري الذي نازل العبد المصري الشديد القوة الخادم في بلاط الأمير بشير الثاني، ويروى انه ضربه "بيده اليمنى في خاصرته اليمنى فأخرج كبده وطرحها أمام الأمير قائلاً له: "ملِّح يا أبو سعدى".
ويذكر من امتازوا من أهل القلم وكل أهل القرية الذين عملوا في القطاعين العام والخاص والمهن الحرة والتعليم من الابتدائي إلى الجامعي عامّاً وخاصاً، وفي السلك العسكري والأمني فكل أبناء القرية يجدون أسماءهم في هذا الكتاب، والأطرف في هذا السجل ذكر المعمّرين والمعمّرات فوق التسعين ويبلغ عددهم 23 فرداً.
إضافة إلى ملاحق بالصور والوثائق وشجرة العائلات، أورد المؤلّف ما قاله شعراء في حيطورا أو في تكريم قيصر مرعي الذي تغزّل بقريته وقال في أبنائها وفي رثاء بعضهم، لكنه أيضاً قال في نفسه أربعة أبيات وضعت على نصب تذكاري قرب مدفنه:
عَ مطلْ حيطورا وعي جفني الفقير/ مطرح مَ طلّ الفجر عَ جناح الأثير
ومطرح مَ راح الورد ت يلمّ العبير/ ومطرح مَ حنّ النحل عَ قراص القفير
ومطرح مَ راحت دمعتي تزور الغدير/ ومطرح مَ جنحي بالشعر بلّش يطير
غنّيت أول بيت عَ "بيدر هوا"/ وعمّرت عَ "بيدر هوا" بيتي الأخير


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم