الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اللون الأرجواني: بين الأسطورة والتاريخ

اللون الأرجواني: بين الأسطورة والتاريخ
اللون الأرجواني: بين الأسطورة والتاريخ
A+ A-

واحد من الصباغ العضوي الأغلى في العصور القديمة، هو الأحمر الملكي الذي حصل على اسمه من الموريكس وLapillus Purpura، وهو نوع من المحار الذي ينتج إفرازات ذات صبغة أرجوانية، ويدعى أيضا بالأرجواني الامبراطوري. يُستخدم هذا اللون عادة لتزيين ملابس الأباطرة والملوك، الذين كانوا بحاجة إلى 10.000 من حلزون البحر لصنع غرام واحد من الصبغة. هذه الصبغة مستقرّة للغاية ومقاومة للقلويات والصابون ومعظم الأحماض، كما أنها غير قابلة للذوبان في معظم المذيبات العضوية.
اكتُشِف اللون الأرجواني عام 1400 قبل الميلاد على ساحل شاطىء صور، ثم ما لبث أن انتشر في جميع أنحاء الساحل الفينيقي، ولكن يعود فضل نجاحه الدولي إلى صور؛ وتعزو أسطورة اكتشاف الأرجوان للإله ملكارت-هرقل، إذ بينما كان يسير على الشاطئ الفينيقي مع تيروس الحورية، اكتشف كلبه صَدَفة الموريكس التي لما حاول التهامها انصبغ خطمه بلون لامع غير معروف حينذاك. معجبة بهذا اللون الغريب طلبت الحورية من الإله أن يصنع لها رداء من اللون نفسه، من أجل إرضاء حبيبته أمر ملكارت بجمع الصدفات البحرية وإعداد صبغة من هذا اللون القرمزي، وصنع سترة مصبوغة ساحرة أفرحت قلب الحورية.ولذلك هذه المواد تستخدم لصبغ الأقمشة (الصوف والقطن والكتان) والجلد، وكان يتم جمع الصَّدَف في البحر في أوائل الربيع، خلال فترة التزاوج وقبل فترة وضع البيض. وبعد نقلها إلى الشاطئ حيث تفرغ في أحواض كبيرة كان يتمّ إخراجها من الصدف وتركها لتتعفن، ثم تسحق للإفراج عن الصبغات الملونة التي تحتوي عليها. بعد ثلاثة أيام يخلط السائل الناتج مع ملح البحر، وبعد عشرة أيام ترتفع الصبغة إلى الأعلى. وقد تم الحصول على ظلال مختلفة من طريق تمييع الصبغة مع مياه البحر أو  تعرّضها للهواء والضوء: أكسدة الصبغة تحوّلها إلى اللون الأحمر الأرجواني.


قبل صور وصيدا، استخدم الموريكس في أوغاريت (مملكة تقع شمال سوريا)، وإنما يعود الفضل أساسا إلى صور التي أذاعت سمعة اللون الأرجواني، وذلك بفضل دقة العمليات الفنية سواء في استخراج مادة التلوين أو طرق صباغة الأقمشة. بفضل جودة منتوجاتها تمتّع النساجون الفينيقيون بمكانة اقتصادية وكانت السفن الفينيقية محمّلة بمعظمها بالملابس الملونة والأقمشة؛ إنّ أهمية هذا الإنتاج دفع بأهالي صور إلى جعل الموريكس شعارًا لمدينتهم وتزويدها على القطع النقدية.
وفي وقت لاحق، اختار الرومان اللون الأرجواني كعلامة للقوّة: فعلى سبيل المثال إنّ سترة الجنرال المنتصر كانت باللون الأرجواني. ومؤخّرا، إنّ ارتداء ملابس أرجوانية لا يزال ينتمي إلى طبقة اجتماعية راقية. في عهد الملك نيرون فرضت عقوبة الإعدام مع مصادرة الممتلكات على أولئك الذين يرتدون أو حتى يبتاعون اللون الأرجواني الإمبراطوري. أمأ في القسطنطينية، رسمت غرفة نوم الإمبراطور باللون الأرجواني، وتمتّع ابنه الذي ولد في هذه الغرفة بلقب" "porphyrogenitus أي "ولد في الارجوان".
إنّ ندرة صدفة الموريكس أدّت إلى تضاؤل تكنولوجيا تصنيع الصبغة الأرجوانية، ولكن ما زال هذا اللون حتّى الآن دليل عظمة وروعة، فيحافظ الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على امتياز إرتداء اللون الأرجواني.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم