الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إصدار - "عين نحّات أعمى" لمحمّد العنّاز هي عين المعنى

ليندا نصّار
إصدار - "عين نحّات أعمى" لمحمّد العنّاز هي عين المعنى
إصدار - "عين نحّات أعمى" لمحمّد العنّاز هي عين المعنى
A+ A-

في "عين نحّات أعمى" لمحمد العنّاز، الصادر عن "دار النهضة العربيّة"، روزنامة يقف الشاعر والناقد عند رصيفها منتظرًا عمرًا يقلّب صفحاته على مهل، بينما الظلال تنتظر دورها. الكفن جاهز، والشاعر شاهد على مرور الأشياء لينحت كلمات توثّق اللحظات.


يبدأ الديوان بتصدير يقدّم فيه الشاعر نفسه، مركّزاً على العين في ذاتها، مضفياً عليها بعداً فلسفيّاً يرافق القصائد. فللعين دلالات مختلفة اتّخذت مفاهيمها مع الحضارتين المصريّة القديمة والعبرانيّة، وفي الديانات السماويّة، بها نتجاوز المحسوس، وقد اتّسع معناها لتصير عين الله الساهرة على الكون.
إذًا، تتمحور مواضيع القصائد على العين التي تتغيّر نظرتها من موقف إلى آخر ومن شخص إلى آخر. ثمة عين الطفل المراقب المكتشف خطواته الأولى، الباحث عن الشعور بالأمان المفقود في الأمكنة، محاولًا أن يستمدّ المحبّة من الوجوه التي تمرّ مأخوذة بنفسها لامبالية بضعفه: عينان تائهتان/ لهما دمع شمع/ يطلّ منهما الخوف/ أين الطريق إلى البيت/ الطفل لا يسأل/ الوجوه تمرّ/ كلّ مأخوذ ببكاء داخليّ/ لا أحد انتبه... التفت/ كان وحيدًا/ والزحمة تلد الزحمة".
محمّد العنّاز المغربيّ الأصل والروح، يدمج في قصائده ما يراه بعين الناقد، فيعبّر بعين الشاعر عن موقفه من الوجود والإنسان، فينتج عملًا يحمل حلمًا يرهقه السواد، فيسير وحيدًا بين الظلال باحثًا عن أمل، حيث الحلم يهرب، وكلّما لحق به يجد نفسه راجعًا بخطواته إلى البداية: "أركض وراء السراب/ كلما قبضت عليه انفلت... أحمل فوق ظهري/ نعش حلم/ لا أعرف أين أواريه/ وكلما تقدمت في طريقي عاد بي إلى الخطوة الأولى".
يبحث العنّاز عن ولادة جديدة ليقطفها فيقتل يأسه ويذبح الخسارات. إنّه صاحب النبوءة المقلقة، في داخله حاسّة الكشف عمّا يدور من حوله. عناصر الطبيعة حاضرة في الديوان، رفيقة الدّرب نحو البحر يستمدّ منه صدى قصائده ليتخطّى الخيبات التي تكسر دهشته الأولى، ويفتح تلك العين أكثر فأكثر على يتم الكون، والحلم المحال. العين نفسها مرآة الانسان الشاعر والعدسة التي تلتقط صور الوجود، تتعقّب الخطيئة وتقتلعها من صناديقها القديمة لكشف الأسرار. هنا يظهر الشعور بالذنب والقلق، يتسلّل إلى القصيدة لينتقل إلى عين الحقيقة، حيث يصير الإثم معلومًا فأين يختبئ من عري الخطيئة، وكيف له أن يرفع عينه نحو الأعلى من جديد؟ إنّه في صراع بين الأنا والأنا العليا، وهذا ما ينتج الشعور بالذنب منذ الطّفولة، ليرافق الإنسان في مراحل حياته، فلا يتصالح مع نفسه إلاّ عبر الشعر.
من الإثم والشعور بالذنب، إلى العين المراقبة، إلى عين الله، ثمّ إلى نشوة ليليّة وعين الحبيب تذكرة لوصول موقّت. وفي النهاية "عين المعنى".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم