الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الشباب الذين احتفظوا بأسرار غريغوار الأخيرة... حملوا النعش في يوم الوداع

المصدر: "النهار"
زينة ناصر
الشباب الذين احتفظوا بأسرار غريغوار الأخيرة... حملوا النعش في يوم الوداع
الشباب الذين احتفظوا بأسرار غريغوار الأخيرة... حملوا النعش في يوم الوداع
A+ A-

"الإنسان مطلق في قدرته شرط ان يحكم بالحب"، إحدى مقولات المطران غريغوار حداد أو "مطران الفقراء". تلك واحدة من مقولاته التي تبَدّي الإنسان قيمة مطلقة لدى الرجل الزاهد، من دون جعل ممارساته اختصاراً له، مقولات وسيرة حياة جذبت جيلاً شاباً إلى غريغوار الذي أولى اهمية خاصة لتطلعاتهم في التغيير.


أبعد عنه رجال الدين والبرجوازيين، بحسب أصدقائه المقرّبين، وقرّب الفقراء اليه. رحل المطران غريغوار، تاركاً كثراً أحبّوه من دون مقابل، ولعل ابرزهم من الجيل الشاب الذي تأثر بصدق افكار المطران العلمانية وعمقها. عدد من الشباب الذين رافقوا مسيرة الاب في سنواته الاخيرة وحفظوا اسراره حملوا اليوم نعشه بعد ان انطلقوا في مسيرة من مقر "تيار المجتمع المدني" في بدارو نحو كاتدرائية مار الياس للروم الكاثوليك في وسط بيروت حيث اقيمت الصلاة على الفقيد الكبير.


نحتاجه في القرارات الحاسمة


أبونا غريغوار، الذي اهتم بالفقراء، أسّس "الحركة الإجتماعية" في الستينات، و"تيار المجتمع المدني" منذ سنوات عدّة، وترأس التيار لاحقاً الناشط باسل عبدالله الذي حدّثنا عن حال التيار من دون غريغوار، مؤكداً ان "المطران أراد تسليم العمل للشباب وأراد الانطلاقة ان تكون منهم".


في السنوات الاخيرة، كان غريغوار يتابع النشاطات التي تمت بشكل مباشر، يقول باسل، مذكراً بمشاركة المطران بمسيرة إسقاط النظام الطائفي، ودعمه كل التحركات، خصوصاً "لا للتمديد". رأي المطران في التحركات الأخيرة، خصوصاً الحراك المدني، لم يتغيّر، وظلّ يقول: "ابقوها سلمية ولا تدعوا أي شخص يستغلّها ليؤذي الحراك من أجل مصالحه الخاصة".


يقول باسل الذي كان يواظب على زيارة الراحل في ايامه الاخيرة ان "غريغوار نادى باللاعنف في زمن ثقافة العنف، وكان ينادي بالعلمانية في زمن الطائفية"، مضيفا انه "في زمن الفساد، كان المطران يؤسس المدرسة التي تنادي بسياسة القضايا لا سياسة الأشخاص".


مرض أوقفه عن الحركة الجسدية لا الفكرية


ليس غريباً على إنسان تحدّث عن الإنسان كقيمة مطلقة ان يجذب إليه الجيل الشاب، وان يدفع كل من يتحدّث عنه للكلام من دون التفكير بما سيقوله. فالكلمات حاضرة عند الحديث عن غريغوار، وهذا ما حصل حين أخبرنا فريد قمر، العضو في "تيار المجتمع المدني" الذي أسسه غريغوار، عن تردّده إلى المركز الصحي ليرى المطران "المحبوب من الجميع".


حصلت حادثة منذ حوالى الثماني سنوات، فاقمت من مشكلة ترقّق العظام التي كان يعاني منها حداد، وساهمت في بروز مشاكل صحية أخرى. يخبرنا قمر بحماسة ان المرتين الوحيدتين اللتين خرج فيهما غريغوار من المستشفى على رغم سوء حالته الصحية كانتا خلال تظاهرة اسقاط النظام الطائفي، وعند حضوره حفلا تكريميا له حاول تفاديه.


كان فريد يزور المطران الذي جذبته أفكاره المتقدمة والرؤيوية إليه في مركز السيدة التابع للمطرانية في الحدث، والذي أصبح أشبه بـ"مركزعمل يلتقي من خلاله بالكثير من الأشخاص، لا سيما من "الحركة الاجتماعية" و"تيار المجتمع المدني"، اللذين أسسهما. وبقيَ غريغوار ناشطاً حتى المرحلة الأخيرة من حياته، حيث استقبل الأشخاص الجدد، وأحبّ سماع وجهة نظر كل زواره في ما يجري من أحداث.


غريغوار: الحراك المدني عمل تراكمي... والتطرّف سيزداد


"نبهنا من ان يؤخد الحراك الى مكان آخر، وأصرّ من اليوم الأوّل على سلميته"، يقول قمر، فالمطران كان يفكّر بطريقة لاعنفية ويعتبر ان الأمور تراكمية، ويردد "لا تتوقعوا ان يتغير شيء الآن، فالحراك اليوم سيؤدي الى أمور بعد حوالى 10 سنوات". كان يؤمن ان الحراك تراكمي.


تأثر المطران  غريغوار كثيراً بصعود #داعش والاعتداءات داخل أوروبا، معتبراً ان "موضوع التطرّف يجب معالجة أسبابه وليس بالتطرف المضاد". يخبرنا الشاب عن أفكار غريغوار التي أثرت فيه، ومنها انه يجب فهم المناطق التي تعاني من الفقر، ويجب تأمين الخدمات الصحية والتعليمية فيها، والا لجأ الفقراء للتطرّف. إذاً، توقّع غريغوار ان تحصل كل الأحداث المرتبطة بالتطرّف.


من جهة أخرى، في سياق روايته تجربته مع المطران المتواضع، ينقل فريد عن الراحل قوله "لا تتفقوا على الأشخاص ولكن على القضايا، فهناك فرصة للتوحّد ضدهم . لا تركّزوا على الاختلافات".


رجال الدين الأقرب إليه


من رجال الدين الأقرب إلى فكر المطران وقلبه كانا السيد محمد حسين فضل الله والسيد موسى الصدر، وتعرّف على الأخير من خلال "الحركة الاجتماعية" في الستينات، وعملا معاً في مناطق عدّة وفي صور خصوصاً من أجل العلم ومحاربة الفقر ونشر الاعتدال الديني.


أما السيد محمد حسين فضل الله، فكان يتناقش معه في قضايا عدة، وبعد رحيله، أصبح غريغوار يناقش قضايا مماثلة مع ابنه .


ويستعيد قمر الحديث الأخير مع المطران في المركز الصحي منذ حوالى الـ3 أسابيع، حين قال له انه معجب كثيراً بالبابا فرنسيس، ووصفه بـ"البابا الثَوري"، كونه يتشارك معه أفكاره في ان الكنيسة في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة الكنيسة، وينظر كقيمة مطلقة للانسان وليس حسب ممارساته. كان عددٌ من الشبان والشابات يقصدون غريغوار في أيامه الاخيرة ويخبرونه عن مشاكلهم فيحظون بنصائح قيّمة. وكان للمطران معاش شهري من المطرانية، لكنه كان يوزّعه على اشخاص محددين لا احد يعرف من هم، علماً ان غريغوار لم يرد ان يأخذ اي مدخول، لكن المطرانية أصرت على ان هذا حقه.
كان في حياة غريغوار نوعان من القرابة، الجسدية والروحية. فكانت اخته تزوره باستمرار. وكان يزوره أيضاً أشخاص تعرّفوا عليه عندما كان مطران بيروت، وظلوا يزورونه لحوالى 50 سنة. يختم فريد تجربته مع غريغوار بالقول: "تعرّفت إلى شخص تعهد ان يعيش حياة فقيرة لخدمة الانسان وبالتالي الله".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم