الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

يا ليته بقي بيننا...

ميشال دي شادرفيان
يا ليته بقي بيننا...
يا ليته بقي بيننا...
A+ A-

لم يكن جبران تويني رجلاً عادياً. لطالما شغلته قضايا الحرية والسيادة وشكلت هاجساً كبيراً بالنسبة اليه، وظف قدراته وصحيفته وصوته من اجل تحقيقهما. استشهاده هزني وأثر بي كما كثيرين أحبوه وبكوه. عشر سنوات مرت على اغتياله وكأنها أمس، وما زلت اذكره بصوته الذي تملؤه الحماسة وباندفاعته اللامتناهية وبنضاله...


تعرفت اليه في آخر ايام الجامعة في باريس، ثم عادت السياسة اللبنانية جمعتنا في العام ١٩٨٨، عندما انضممت الى الجبهة اللبنانية التي كان جبران أمينها العام وداني شمعون رئيسها. تلك الأيام كانت من الاجمل في نظرنا، لم نتعب من النضال ضد الاحتلال السوري آنذاك، وكنا نؤيد العماد ميشال عون كرئيس للحكومة الانتقالية التي تسلمها من الرئيس أمين الجميل نهاية عهده.
اجتماعات الجبهة كانت يومية وكذلك لقاءاتنا. كان جريئاً الى أقصى الحدود، أذكر انه لم يكن يخاف من القصف الذي يطال الطريق التي يسلكها للوصول الى اجتماعات الجبهة، فكان يقصدها يومياً برفقة مرافقيه اللذين استشهدا معه. لم يخف يوماً من الاحتلال ولا من الاستشهاد، رفع صوته ضد الظلم، وغالباً ما كنا ننصحه بعدم اثارة خصمه بطريقة التحدي التي يتكلم بها... لكن هذه كانت طبيعته.
في العام ١٩٩٠، اثناء الاحتلال السوري، كنا نلتقي دائماً في منزله في بيت مري، وكنا نشعر دائماً اننا محميون في بيته لوجود قوة من الجيش تحمي المنزل. ولا ادري لماذا يستحضر في ذاكرتي ذلك اليوم التي دخل فيه رجل يرتدي البزة العسكرية وسأل عن جبران. كنا كثراً معه على الشرفة وفي قاعة الاستقبال، هاجسنا التحرير وانهاء الاحتلال. وعندما رآنا ذاك الرجل غادر، ثم علمنا بعد ذلك انه كان ينوي اغتيال جبران.
السياسة التي جمعتنا، عادت وفرّقتنا، لكن الصداقة بقيت تجمعنا، وكنت أزوره دائماً في مكتبه في جريدة "النهار". فالأيام التي أمضيناها معاً لا يمكن للسياسة أن تمحوها. عندما كان في لقاء قرنة شهوان حارب الاحتلال السوري وناضل من اجل عودة العماد عون الى لبنان. كنا معاً في ساحة الشهداء في ١٤ اذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واحتفلنا معاً بالانسحاب السوري وبعودة العماد عون من المنفى، لكن افترقنا في لقاء البريستول. رغم بعدنا في "التيار الوطني الحر" عن جبران وتحديداً بعد ترشحه مع لائحة الحريري في بيروت، الا ان النظرة اليه بقيت مختلفة ومميزة، وبقيت تجمعه صداقات وعلاقات جيدة مع بعض من هم في "التيّار". فمن يعرف جبران يعرف طيبة قلبه واندفاعه، يعرف جرأته وحبه اللامتناهي لوطنه. ويعرف انه ليس ممن يبيعون البلد بل على العكس لقد اتخذ مواقف عدة لمصلحة الوطن، ولطالما ردد أمامنا ان الأشخاص يذهبون اما لبنان فيبقى. لا شك ان جبران ممن ضحوا من اجل الوطن ودفع ثمن هذه التضحية استشهاداً. ولا احد يمكنه ان يشك بوطنية جبران لذلك اغتالوه. ثمة تاريخ ومسيرة نضالية مع جبران، والى اليوم ما زلنا نردد يا ليت كان يوجد اكثر من جبران تويني واحد في لبنان، وَيَا ليت بقي بيننا، لكان بلدنا بألف خير.


مسؤول العلاقات الديبلوماسية في "التيار الوطني الحر"


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم