كيف صارت بلجيكا مصنعاً للجهاديين؟

بعد هجمات #باريس وسان دوني، اتجهت أنظار المحققين والعالم الى مولنبيك، هذه الضاحية غير البعيدة من وسط بروكسيل. هناك وسط مجتمع مسلم ترعرع الاخوة عبد السلام والعقل المدبر للهجمات عبد الحميد ابا عود. وقبلهم، ليس معروفاً كم من الجهاديين دخل تلك المنطقة وكم خرج منها والى اين.

 تساؤلات كثيرة عن الدور الكبير الذي باتت تضطلع به بلجيكا الصغيرة ، الواقعة بين المانيا واللوكسمبور وهولندا وفرنسا،على المسرح الاوروبي للجهاد. منها تتدفق موجات مطردة من الجهاديين الى صفوف "الدولة الاسلامية" في سوريا والعراق ، بما فيها ابا عود، وفيها توضع الخطط لهجمات في قلب اوروبا.

بين الارهابيين الثمانية الذين نفذوا هجمات باريس، ثلاثة لهم صلات قوية ببلجيكا. اثنان منهم مواطنان فرنسيان شقيقان ولدا وعاشا في مولنبيك في شمال غرب بروكسيل، والثالث بلجيكي غادر الى سوريا قبل سنة تقريبا.

ابرهيم عبدالسلام فجر نفسه في مقهى بشارع فولتير وصلاح عبدالسلام (26 سنة) لا يزال هاربا بعد صدور مذكرة توقيف دولية في حقه.واوقف شقيهقما محمد عبدالسلام للاشتباه في تورطه في الهجوم، الا أنه أطلق لاحقا.

البلجيكي الثالث هو بلال حدفي (20 سنة) الذي فجر نفسه خارج ملعب "ستاد دو فرنس".

وهناك ايضاً العقل المدبر المفترض للهجمات عبدالحميد ابا عود (27 سنة) ، وهو ايضا بلجيكي غادر الى سوريا العام الماضي.
صحيفة "دي ستاندرد" البلجيكية أكدت أن المشتبه فيهم الذين أوقفوا في بلجيكا في الايام الاخيرة لهم صلات بأبا عود.
ويعتقد أن هذا الشاب المتحمس للجهاد جنّد العام الماضي شقيقه يونس البالغ من العمر 13 سنة وأخذه الى سوريا، ليصير الجهادي البلجيكي الاصغر سناً في #سوريا.

ويشتبه في ان ابا عود خطط هجمات سابقة احبطتها السلطات البلجيكية بعد ايام من الهجمات على مجلة "شارلي ايبدو" والمتجر اليهودي في باريس.

أرقام خطيرة

تعد بلجيكا 11 مليون نسمة، وقدر معهد "بيو" للاحصاءات بأن المسلمين كانوا يمثلون 6 في المئة من السكان بحلول سنة 2010.
الكاتب البلجيكي المستعرب بيتر فان أوستاين قال في مدونة له الشهر الماضي أن "العدد الاقصى للبلجيكيين الذين كانوا في مرحلة ما ناشطين في سوريا والعراق ارتفع الى 516".

والكاتب الذي يراقب تطورات الاقليات البلجيكية الحساسة حيال التطرف لفت الى أن الارقام صارت خطيرة "لان عدد الجهاديين يعني أنه بين المسلمين البالغ عددهم 640 الفا في بلجيكا، هناك واحد من كل 1260 متورط في الجهاد في سوريا أو العراق.وبهذا المعدل، باتت بلجيكا الدول الاوروبية التي تساهم بأكبر عدد من المقاتلين الاجانب في الحرب السورية وبفارق كبير".
بلقاسم
والشخصية الرئيسية في النشاط الاسلامي البلجيكي هو فؤاد بلقاسم (33 سنة)، وهو واعظ ومؤسس جماعة "شريعة 4 بلجيكا".مولود في بلجيكا من ابوين مغربيين وهو تلميذ الاسلامي البريطاني المتشدد أنجم شودري.اعتقل مرات لجرائم صغيرة ، بما فيها تنظيم تظاهرات لحرق العلم الاميركي بعد هجمات 11 ايلول 2001 ومضايقة مسلمين مثليين.

صارت جماعته "شريعة 4 بلجيكا" خزانا رئيسيا للجهاديين في سوريا والعراق، بمن فيهم جيجون بونتيك الذي كان نجماً شهيرا اعتنق الاسلام على غرار مقاتلين بلجيكيين آخرين في صفوف "داعش".في كانون الاول 2014، دين بلقاسم مع 45 آخرين من جماعته بالانتماء الى مجموعة ارهابية.وهو ينفذ عقوبة بالسجن مدتها 12 سنة.
اقتناء السلاح ومشاكل معقدة
خبراء يشبهون التطرف الاسلامي في بلجيكا بالتشدد الاسلامي الفرنسي، وإن يكن نطاقه أصغر نظرا الى حجم البلاد.فكلا البلدين يعد مجموعة كبيرة من المهاجرين الفقراء وغير المندمجين تماما مع ثقافة البلاد. وكلا البلدين ايضا شهد صعودا للاحزاب البمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين .
ويسهل في بلجيكا نسبياً اقتناء اسلحة غير مشرعة في بلجيكا، الامر الذي يجعلها قاعدة جذابة للعمليات.
غالبا ما تعاني هذه المملكة الصغيرة مشكلات اكبر من قدرتها على تحملها. بين 2010 و2011 بقيت 541 يوما بلا حكومة، وهو رقم قياسي. هي منقسمة بين الفلمنك والفرنكوفون الامر الذي يزيد مشاكل استيعاب الواصلين الجدد.

عموماً، لم تستطع الاجيال الثانية والثالثة من المهاجرين تحقيق تطور اقتصادي واجتماعي كبير، وربما لم تحصل على فرصة للقيام بذلك لاسباب عدة.
صحيفة "الواشنطن بوست" قالت إن ازدواجية اللغة في بلجيكا عقدت الامور على اللاجئين الذين يتحدثون الفرنسية فقط ، ومنعتهم من ايجاد وظائف والتأقلم.
والى مسألة اللغة، تعاني الاجهزة الامنية في بروكسيل مشاكل أخرى. ففي مدينة تعد 1,3 مليون نسمة، ينقسم جهاز الشرطة المحلية ستة أسلاك موزعة على 19 قسما اداريا، الامر الذي يعقد تبادل المعلومات ويمنع أحياناً التعامل مع التهديدات الامنية بسرعة وفاعلية.

مولنبيك: 22 مسجداً

كل خيوط التحقيقات في هجمات باريس تؤدي الى مولنبيك. والسبت اعتقل سبعة مشتبه في تورطهم في تفجيرات باريس في دائرة سان جان مولنبيك. وأكد الناطق باسم الشرطة الفيديرالية اريك فان در سيبت أنه "في محيط احد الهجمات، وتحديدا باتاكلان، تم العثور على سيارة بلجيكية مع لوحة تسجيل بلجيكية ومستأجرة في بلجيكا، وعثر بحسب الصحف البلجيكية داخل السيارة على بطاقة موقف في مولنبيك.

تعتبر مولنبيك نبع الجهاد البلجيكي. وهي تعد 100 الف نسمة في شمال غرب بروكسيل، بينهم غالبية من المسلمين وفيها 22 مسجدا.بينها وبين الضواحي الفرنسية اوجه شبه عدة.ذات سكافة سكانية عالية، وغالبية سكانها من المهاجرين، وفيها نسبة بطالة عالية وترتفع فيها الشكاوى من الخدمات الحكومية غير المناسبة والعزل عن وسط المدينة. ومع ذلك، ثمة من يميزها عن الضواحي الفرنسية لافتاً الى أن فيها طبقة وسطى قوية واحياء تجارية صاخبة وفنانين ايضاً.
وتقول صحيفة" ليبراسيون" في تحقيق ميداني عن هذه الضاحية الواقعة على مسافة ثلاثة كيلومترات من مقر المفوضية الاوروبية أنه في الظاهر ليس في مولنبيك ما يدل على قاطعي الرؤوس الاسلاميين. فمع أن غالبية نسائها محجبات، وفيها مكتبات اسلامية أكثر من اكشاك الصحف وتنتشر فيها منتجات الحلال، يمكن بسهولة ايجاد حانة ضغيرة أو مكتب مراهنات. وبشهادة السكان، فان مولنبيك أقل تطرفا بكثير مما كانت عليه قبل عشر سنوات "إذ لم يكن سهلاً ايجاد كحول ".
"خارج السيطرة"!
باقرار رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال أنه في "كل مرة هناك صلات بمولنبيك... هذه مشكلة عملاقة. اضافة الى الوقاية، يجب التركيز ايضاً على القمع"، وليس واضحاً ما اذا كان استخدم هذه الكلمة تحديدا أم أن الترجمة حرفت قصده.

بدوره، أقر وزير الداخلية جان جانبون بـ"أننا لا نسيطر على مولنبيك حالياً"، الامر الذي أثار مخاوف من مناطق اسلامية محظورة في مدن أوروبية .
هذه الفكرة أُثارها محافظ لويزيانا والمرشح للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الاميركي بوبي جيندال في كانون الاول الماضي، معتبراً أن ثمة مناطق واسعة تركتها الشرطة ببساطة لعصابات تفرض عليها شريعتها في قلب أوروبا . الا أن تصريحاته تلك اثارت انتقادات واسعة في حينه.

[email protected]
Twitter:@monalisaf