الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المرأة حرف ناقص

سناء الجاك
A+ A-

لا تزال المرأة في بلد يمنحها حق "البوتوكس" وما لفّ لفّه من وسائل تجميل لإخفاء تعابير الزمن وخربشاته، حرفاً ناقصاً بكل ما للكلمة من معنى.
المرأة وعاء. لا أكثر ولا أقل. السبب أن المجتمع السياسي اللبناني قرّر تصنيفها بأنها حاملة أقلّ من هوية، أي أنها نصف لبنانية، أو ملحقة بالهوية اللبنانية، أو قيد الدرس منذ ولادتها الى وفاتها. لذا لا يحقّ لها منح جنسيتها لأولادها حتى لا تخلخل التوازن الديموغرافي لطوائف لبنان العظيمة القائمة على معادلة "استئثار السنّة" و"غبن المسيحيين" و"تغوّل الشيعة".
وفي حين تشير "النهار" الى الخلاف على حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لابنائها، موضحة أن الأمر يعترض عليه المسيحيون أولاً، والشيعة ثانياً، نتبين أن هذا الحق يسمح بتجنيس نحو 380 ألفاً غالبيتهم من التابعية الفلسطينية والسورية والأردنية والمصرية. وفق "النهار"، نكتشف أن عدد اللبنانيات المتزوجات لأجانب هو 76003، ويشمل هذا الرقم 4800 لبنانية تزوجن فلسطينيين غير مسجلين في سجلات مديرية شؤون اللاجئين في لبنان، ومفاعيل منح الجنسية نتيجة الزواج من أجنبي يقدّر بنحو 380013 شخصاً. هذا الرقم سيعيد اللعب بالتوازنات الطائفية والمذهبية التي اصيبت بنكسة في التجنيس السابق. بناء على الأرقام الواردة، نتبين أن هذه المرأة تبقى "عورة" في المجتمع اللبناني. ومهما علا شأنها اجتماعياً وعلمياً واقتصادياً وفكرياً يجب أن تبقى تحت رقابة مشددة حتى يطمئن الغيارى على مصلحة الطائفة، لأنها تشكل خطراً على الصيغة والميثاق والعيش المشترك، اذا لم تحترم قدسية التوازن الديموغرافي وضعفت فأغرمت بغير اللبناني واقترنت به وسمحت له بتخصيبها بنسل غير لبناني، أي أدخلت على خصوصياتها الجينية خلايا ملوثة غير لبنانية.
ليس مستبعداً أن يتم تدارك هذا الخطر بإصدار قوانين تقضي بحرمان مثل هذه المرأة من جنسيتها وحقوقها المدنية واتهامها بالخيانة العظمى، حتى يستكين فريق بعينه خائف على انقراضه العددي، فلا ينام بين القبور ولا تنتابه الكوابيس.
فعلاً، المرأة في هذا المقام مجرمة، اذ كيف تقلق الفريق القلق أصلاً لأن الديموغرافيا تنشط ضده. كأن المطلوب افتعال كارثة أو مذبحة أو طاعون أو انتحار جماعي أو هواء أصفر يؤمّن التوازن الديموغرافي حتى تتأمن الشراكة الحقيقية بين غيلان لبنان الطائفية. ولأن المواطنة، مفهوماً وممارسة، مفقودة عندنا، يعتبر منح الأم جنسيتها لأولادها عندنا قضاءً مبرماً على الشراكة الوطنية. كأن هذه الشراكة لا تشكو الا من خلل حق المرأة منح أولادها جنسيتها، وأي خلل آخر لا وجود له. والا كيف نفهم من يقول إنه يرفض مقايضة إعادة الجنسية اللبنانية للبناني أصيل بإعطاء الجنسية لفلسطيني وسوري.
ينسى هذا القائل إن أولاد المرأة اللبنانية يعيشون ويتعلمون في لبنان، تالياً يشاركون في دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بينما غالبية المغتربين الذين نسوا جنسيتهم الأم، انفصلوا تماماً عن النسيج اللبناني، وأخذتهم وتيرة الحياة حيث هم الى مواطنة جديدة وأصيلة. وبعضهم أصبح رئيساً لبلده الجديد أو نائباً أو وزيراً أو مسؤولاً ورقماً اقتصادياً صعباً.
المواطنة ليست أولوية أو قيمة اساسية وضرورية لدى اللبناني ليبقى الوطن، ذلك انه مهما كان مستواه الفكري، يبقى بغريزته أسير نقطة تخلف تتحكم به سواء من خلال النظرة الى المرأة أو في النظرة الى الآخر، ولا سيما اذا كان هذا الآخر ممن دفعتهم ظروف قاهرة أمنية أو اقتصادية الى القبول بمساكنة نسيج المجتمع اللبناني من دون أي تسامح يؤدي الى دمجه في هذا المجتمع، ولو بعد عقود من الزمن.
لعل الحل لحماية الدم اللبناني الأصيل، يكون بعزل هؤلاء الوافدين ورفع جدار فصل عنصري حتى لا تلتقي فتاة لبنانية بشاب من جنسية مغرضة تعرّض التوازن الديموغرافي الهش الى مزيد من الاهتزاز. وفي حين يمكن التحليل بأن الغرضية تتحكم بالدافع لاقتراح إقرار قانون منح الأم اللبنانية جنسيتها لأولادها مقابل إعادة هذه الجنسية الى المغتربين، لا بد من التوقف عند هؤلاء الذين يحصيهم الغرض الطائفي بالملايين، لا يحتاجون هوية بلدهم الأم، لأن الدول التي حضنتهم ومنحتهم حقوق المواطنة ولم تمارس ضدهم أي تمييز أو عنصرية، واذا تم تجاوز حقوقهم تقوم قيامة الجمعيات المعنية بحقوق الانسان في هذه الدول ولا تقعد.
من باب التشاطر، نرى أن المواجهة السياسية لإقتراح منح المرأة حق إعطاء أولادها جنسيتها، استوجبت توضيحاً يفيد بأن قانون استعادة الجنسية للمهاجرين ذوي الأصول اللبنانية المقدم إلى البرلمان يستثني النساء المغتربات وكذلك أبناء السيدات المقيمات المتزوجات من غير اللبنانيين لتفادي تجنيس أبناء الوافدين.
المفروض أن أهل السياسة والتشريع عندنا من قماشة قانونية وثقافية رفيعة، لكنهم لا يستحون من سلوكهم الرجعي والمتخلف وغير الانساني لدى تصنيفهم المرأة انطلاقاً من أنها حرف ناقص. ولا بأس بالتضحية بحقوقها لتذهب هي وأولادها فرق عملة في الصراع الطائفي البغيض الذي سيبقى يشدّ لبنان الى أسفل سافلين. عجبي!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم