الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تعليق - مطامر للنفايات السياسية على المريخ

سناء الجاك
A+ A-

سموم النفايات السياسية التي سيطيح استمرارها كيان لبنان واستقراره الامني الاجتماعي والاقتصادي، تبقى أخطر ما يهدد وجودنا كشعب خاضع خانع ولاهٍ عن كل ما يتعرض له.
فالنفايات المنزلية والصناعية والصلبة والكهرباء والماء وتدني مستوى التعليم الرسمي وغول الأقساط في التعليم الخاص والدواء المغشوش والمخدرات على قارعة الطرق وسرقة المال العام، وما الى ذلك من أزمات وصلت الى حدود الكارثة، تبقى صنيعة هذه "النفايات السياسية" الطاغية على السلطة والإدارة في لبنان، مقابل غياب أيّ احساس شعبي جماعي لبناني يقلب الطاولة على نفاياته الطائفية السياسة ولا يترك الحراك الشعبي وحيداً يتربص به أصحاب أطماع وأجندات، ويفتقر الى خبرة وبرامج تجعل مبادراته المشكورة ولكن البدائية، مجدية أكثر.
والنفاية، وفق معجم المعاني الجامع، ما أُبْعِدَ من الشيءِ لرداءته أو هي البقيَّة والفضلة، أو ما زاد على الحاجة. اما نُفَايات القوم فهم رُذالِهم.
ما يرد في القاموس يكاد ينطبق بدقة على الحياة السياسية اللبنانية. فهذه الحياة رديئة، وانتاجها يبقى في آخر سلّم مخططات المنطقة، لأن ملفاتنا هذه الأيام هي فضلة الاهتمام الدولي الإقليمي، لإنشغال أصحاب القرار الكبار بأولويات تبقي وضعنا خارج السلة. تالياً، حياتنا السياسية التي لا لزوم لها على أجنداتهم، تنطبق عليها مواصفات النفاية. العاجز من المسؤولين عن حل أزمات معيشية داهمة لا علاقة لها بالحروب الكونية التي تخاض بالقرب منا، هو فضلة من فضلات المفهوم الفعلي للمسؤولية، وأيضاً لا لزوم له، والأفضل لو يتنحى ليحلّ محلّه مَن يجيد تحمل المسؤولية التي ينفض الجميع يدهم منها كلما أطل موسم الأمطار بنفايات أو من دونها.
لكأن لبنان هو البلد الوحيد الذي يشكل المطر فيه، كل شتاء، مفاجأة غير مرتقبة. ولكأن لبنان مرمي في مجرّة خارج التطور والعصرنة، بحيث يستحيل فيها تنفيذ الخطط البديهية لتزويد السكان الكهرباء والمياه أو معالجة النفايات، كما يحصل في أيّ مكان على كوكب الأرض. ولكأن لبنان هو البلد الوحيد المستباح الذي لا يمكن أن يحكمه قانون أو قضاء أو أي شكل من أشكال المحاسبة. ففي حين تُضبط مخدّرات محلية الصنع، ويُلقى القبض على مَن يهرّبها الى الخارج، لا نجد في المقابل سلطات تتخذ الاجراءات اللازمة في حق مَن يصنع المخدرات ويبيعها الى المهربين، وهو معروف بالاسم الثلاثي ومكان الإقامة. التخلي عن مسؤولية مثل هذه الامور يجعل المسؤولين الأمنيين ومَن يحميهم من النفايات السياسية ويحول دون سوقهم الى العدالة، من أرذل القوم.
المسؤولون الذين يغضّون النظر عن الموانئ الصغيرة والكبيرة، طبعاً ليس من دون مقابل، ليصار الى تهريب مبرمج وممنهج للبشر الذين يواجهون الموت المجاني خلال بحثهم عن حياة كريمة تليق بالانسان، هم أيضاً من أرذل القوم وتنطبق عليهم مواصفات النفاية. لكن يبدو أن تحميل المسؤوليات للمتسببين بالأزمات اللبنانية الحياتية منها، كما المصيرية، لا يقلق أهل الحل والربط عندنا، فهم لا يرهقون أنفسهم أو يشغلون بالهم بالالتفات اليها، لأن همومهم محصورة بمصالحهم الضيقة والمكاسب التي يؤمّنها لهم مَن يربطهم به على اعتبار انهم تابعون ومنفذون لمشاريع مرابطهم مهما ادّعوا غير ذلك.
أيّ سموم أفتك من تلك التي تتسرب الى الحياة اللبنانية وتهدد نسيجها مع مشاريع انتقال الشيطان الأكبر من الضفة الأميركية والإسرائيلية الى الضفة السنّية العربية في عصر ما بعد الاتفاق النووي الايراني، ما يهدد بانفجار الصيغة اللبنانية من أساسها ويجعل النفايات المتروكة على امتداد الوطن وما تنتجه من سلامونيا أو كوليرا أو تلوث أقل ضررا من احتمالات الفتنة والتطرف الناتجة من التحريض المباشر الحالي.
هل المطوب ردود فعل تؤدي الى طرد الشيعة من الدول التي يرتزقون فيها، ليعودوا ويشكّلوا قنابل حقد موقوتة تساهم بدورها في مزيد من السموم السياسية والاقتصادية التي تلوّث كلّ احتمال للحياة في لبنان، مقابل تخاذل باقي القوى السياسية التي تكتفي بالشجب وانتظار أخطاء الخصوم لتشمت وتدين، ثم تجلس مع شركاء الفساد وتجارة السموم السياسية وغيرها إلى طاولات حوار في انتظار كلمات سرّ من مرابطها؟ هي أنهار الارتهان التي تعبر بلاداً وأصقاعاً وصولاً الينا حتى يكتمل فعل التلوث بالطول والعرض، بحيث لا يبقى أمام مَن يريد خلاص لبنان إلا البحث عن مركبة فضائية تحمل كل النفايات السياسية وتؤسس لها مطامر صحية... في المريخ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم