الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تعليق - المرشح الأقوى

سناء الجاك
A+ A-

تستفز عبارة "المرشح الأقوى" كل من يمعن التفكير في ويلات لبنان، ذلك ان معايير القوة كانت ولا تزال سبب هذه الويلات. ولأن منظومة القيم أضحت مغشوشة ومشوهة، يجدر بنا رصد هذه المعايير ومراقبة مدى تأثيرها في الصحة النفسية للشعب اللبناني المنكوب بذاته وتركيبته وخياراته وتعنته وعنصريته وإصراره على رفض الآخر لمجرد انه آخر. فالقوة، ليست المقياس الذي يسمح لمن يحصل عليها، بأن يتحكم بالآخرين، ويفرض شرعية وحيدة يحق لها مصادرة باقي الشرعيات في هذه الرقعة التي تجمع اللبنانيين على ضيقها.


لا يحق للقوة ان تستولي على السلطة، حتى لو كانت قائمة على قضية لا غبار عليها. القضية الفلسطينية العادلة والمحقة، خير مثل على نكسة تاريخية عاشها لبنان بعدما اكتسبت هذه القضية قدرات عسكرية ومالية سوّلت لها ان تتحكم بحياتنا الوطنية، ما ساهم في حرب أهلية واجتياحات اسرائيلية وتقاتل ابناء الصف الصف الواحد سعياً الى تصفيات تُنتج غلبة قادرة على مصادرة السلطة.
للتذكير، كان "المرشح الأقوى" طرفاً في التقاتل داخل البيت الواحد، وقد سخّر الجيش، او نصفه الطائفي، لتحقيق مراده والقضاء على غريمه، حتى جاء مَن هو أقوى منه ومن هذا الغريم، ووضعهما في ثلاجة الانتظار مستخدماً من يخدم مصالحه أكثر عندما تضعف قوته ويفقد مواقعه في لبنان. وهذا ما حصل بعد عودة هذا "المرشح الأقوى" من منفاه الباريسي الأنيق.
معايير القوة تنطبق أيضاً على "حزب الله" وتنظيم "داعش". وربما اذا احتسبنا جغرافياً المساحة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، سواء في سوريا او العراق او ليبيا، تبيّن لنا انه يفوق "حزب الله" قوة. لكن هل يعني هذا ان من حق الداعشية ان تحكم المنطقة؟
مسألة القوة ومعاييرها تحتاج الى بحث وتشريح. وإلاّ يمكننا اعتبار مافيات المخدرات والدواء والفساد أصحاب حق مقدس في تولي زمام البلد.
بداية، علينا ان نتأكد من الزعم السائد بأن تسمية "المرشح الأقوى" تستوفي شروطها: هل يكفي ان يؤيده "حزب الله" ومعه إيران والنظام الأسدي ليصبح صاحب حق؟ هل يمكن ان يفوز في انتخابات نيابية لا يدعمه فيها الحزب وحلفاؤه ومعهم الكتلة الانتخابية الأرمنية؟
اذا رمينا أسباب الفشل والشك في تمثيله الكاسح لكل المسيحيين، على عدم وجود قانون انتخابي يسمح له وحده بالفوز مع من يرشح في كل المناطق حيث الصوت المسيحي، يبقى السؤال عن انجازاته التي لم تبصر النور عندما تولى فريقه السياسي حقائب حساسة وخدماتية في الحكومات المعاقبة منذ 2008. ام انه الأقوى في المطلق، والمنزّه من أي اتهام بالتقصير والفساد؟ واذا لم تتحقق انجازات، فذلك لأن الحق دائماً على غيره. وكل قوته كانت لتشع وتتلألأ لولا ان فريقاً يصر على اضطهاده والتصدي لتغيير القوانين التي تحول دون ترقية الصهر الثاني، حتى لا يغار من الاول ويخلخل موازين القوى في العائلة الواحدة.
حتى تاريخه، نحن لا نملك اي يقين عن استيفاء معايير "المرشح الأقوى" المواصفات وفق دفتر الشروط المطلوب في مناقصة من هذا النوع. اما الكلام عن انتخابات من الشعب، فدونه الخلل الجسيم في معايير القوة على الارض بين "حزب الله" الحاضر لتسليح كل من يخدم مقولة الأكثرية الشعبية، شرط ان تصب في صالح المحور الايراني، ولها الله باقي الشعوب اللبنانية المحدودة الامكانات.
ما نعرفه ان صهر "المرشح الأقوى" سقط مرتين وبجدارة حيث لا عونة من أصوات الشيعة والأرمن. تالياً، لا نعرف على أي شعب يتكل الجنرال بمعزل عن قوى الأمر الواقع التي لا تعترف بدولة وانتخابات وما الى ذلك من تفاهات يستنجد بها الضعفاء للاعتراض على استفراد هذه القوى بتخريب مستمر للبلاد على حسابها ولحسابها.
اما قوة العقل، التي تسعى الذرية الصالحة لتعميمها من خلال مؤسسة فكرية مستحدثة، فالقرائن والسوابق لا تبشر بها. الا اذا كان المطلوب تقديم جائزة ترضية في المحطة الأخيرة للقطار، على اعتبار ان الجمهورية كلها واجهة هشة لوطن مسلوب تم تجييره ليتباهى من خلاله المسؤولون الايرانيون بأن لهم موطئ قدم على المتوسط، ما يعني حكماً ان رئاسة الجمهورية لا تحتاج حتى إلى مرشح. تكفي تقنيات التعيين لإنجاز الفولكلور المطلوب. ولا حول ولا قوة الا بالله!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم