الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لتكن أقدامكم على أرضٍ أكثر تواضعاً وثباتاً

المصدر: "النهار"
رانا أبي جمعة- إعلامية
لتكن أقدامكم على أرضٍ أكثر تواضعاً وثباتاً
لتكن أقدامكم على أرضٍ أكثر تواضعاً وثباتاً
A+ A-

لا يختلف اثنان على أن تاريخ الثاني والعشرين من آب أدخل حيوية مطعّمة بتساؤلات كثيرة على المشهد السياسي في لبنان، أضف إلى هذا التاريخ التاسع والعشرين من الشهر نفسه الذي رسّخ بما لا يقبل الشك وجود شريحة لا يستهان بها، أصبحت تغرّد خارج السرب الطائفي رافعة مطالب تبدأ بمعالجة #ملف_النفايات لتنتهيَ برفع الصوت مجدداً لإسقاط نظام ضارب في التجذّر في الحياة السياسية اللبنانية.


 


الملفت هو إصرارُ هذه الشريحة بكل حملاتها وتبايناتها على مواصلة تحركاتها الاحتجاجية ما يستدعي تفنيد ما حقّقته حتى الآن، وما هو مطلوب منها لا سيما بعد مرور أكثر من أسبوعين على انطلاق هذه الحالة اللبنانية المستجدة.



نعم، لقد أدرك السياسيون في لبنان بأن ما يحصل في الشارع لا يمكن الاستهانة به، لذلك لم يكن مستغرباً أن نرى سيل التصريحات المربكة والمتناقضة أحياناً والمؤتمرات الصحافية المطوّلة واستعراضات التحشيد من قبل وجوه السلطة الحاكمة، منها ما أتى بهدف تبرئة أحزابهم وتياراتهم من تهمة الفساد وركوب موجة محاربته، ومنها للتأكد من حجم شارعهم الذي يقبضون على أنفاسه برضاه.


 


وبعكس ما يعتقده البعض، يُسجَّل للحراك الشعبي بأنه أخرج الى الضوء مبادرة للحوار أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري بصرف النظر عما قد يصل إليه هذا الحوار القديم الجديد، فالمبادرة بحد ذاتها وإن بدت محاولة التفافية على مطالب الشارع إلا أنها تعكس ضعف السلطة التي تحاول القول بأنه لا يزال في جعبتها الكثير من الخيارات والتسويات لتطرحها، وأنها ليست مفلسة تماماً. وليست جرعات الدعم العربي والدولي للحكومة إلا تأكيدًا اضافيا على ما نقول.


يُحسب للحراك أيضاً أنه سرّع من وتيرة العمل على معالجة ملف النفايات بعد ان أجهض مناقصات النفايات الأخيرة، ما دفع بوزير البيئة محمد المشنوق الى الاعتكاف والانسحاب من اللجنة الوزارية المكلّفة بالملف، وتسلّم وزير الزراعة أكرم شهيب الدفّة، وهناك وعود بإرساء معالجات قريباً.
نعم، لقد تمكن بعض اللبنانيين من ضخّ الحياة في شارع اعتقدناه فقد نبضه، ولكن ما تحقّق لا يرقى بعد الى مرتبة إلانجاز الوطني، لذا لا بدّ من التنبّه لأمور عدة، والعمل بروية ورؤية واضحة.



بدايةً، يجدر التنويه بالحملات التي أطلقت شرارة التظاهرات الاحتجاجية، ومنها حملة #طلعت_ريحتكم، وحملة #بدنا_نحاسب وغيرهما. ولكن لا بدّ من القول إنه من المبكر جداً أن تتظهّر انقسامات الحملات حول مطالب حياتية، هي التي أنزلت اللبناني الى الساحات، وأنتم دعيتم لملئها فقط.
من المهم القول أيضاً إن الحراك لا يملك ثقة الشارع بعد، رغم أنه ضاق ذرعاً بقواه السياسية في لبنان، لذلك يجدر بالحراكيين أن يكونوا أكثر تنظيماً وأكثر وضوحاً في مطالبهم وأولوياتهم، وألا يتأثروا بالاصطفافات السياسية الموجودة وإلا فقدوا الزخم الحالي والمطلوب.



كما يجدر بالحراكيين ايضًا أن يكونوا أكثر تواضعاً لناحية رفع سقف المطالب وقابلية الحوار، ولو كان مع بعض من هم في السلطة، إذ لا يمكنكم قلب الطاولة بين ليلة وضحاها والتنكر لوجود شوارع غيركم، وإلا سنكون فعلاً أمام فوضى تذكّرنا بما شُبّه لنا بأنه "ربيع عربي".



وعليه لا تلوموا السائل عن ساحاتكم المشتتة ومطالبكم المبعثرة وآليتكم التنفيذية غير الواضحة بعد، وعن اهتمام إقليمي ودولي مستجد يثير الريبة. فهي أسئلة مشروعة والاجابات عليها تستلزم خطوات مدروسة على الارض وانفتاحًا على البقية الباقية من الشعب اللبناني إن كنتم تريدون فعلا التحرّك تحت عنوان "الشعب يريد...".



تبقى اشارة الى أنّ حراككم الشعبي مطالب حقا بتوحيد شعاراتكم المطلبية بعيداً عن القيود السياسية التقليدية، ووضع خارطة طريق لتنفيذ مطالبكم بوصفها مطالب الشعب بكل فئاته وانتماءاته وتوجهاته، ولا تستخفّوا بخطر الإرهاب المحدق بلبنان المزنّر بالأزمات والحروب.
لتكن أقدامكم على أرض اكثر تواضعاً وثباتاً فطريق المحاسبة طويل طويل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم