الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كي لا تضيع الفرصة

جمال القرى - طبيبة وناشطة
كي لا تضيع الفرصة
كي لا تضيع الفرصة
A+ A-

تبيّن بأن السلطة السياسية ليست بحاجة لبذل جهدٍ كبير لإجهاض التحركّات، يكفيها الترقّب وحماية نفسها ببناء #جدار يعزلها عن تناقضات المحتّجين. إذ أثبتت الأيام الثلاثة الماضية بأن الشارع اللبناني هو شوارع تُطلق فيه كل مجموعة أمثولتها، وتكرّرها غير آبهة بمرور السنين والأيام، وهي لا تسمع الشارع الآخر إلا بكونه نشازاً عليه، فتسعى لإسكاته وإلغائه، وسحب حقّه في التعبير. لقد بادرت حملة طلعت ريحتكم بنجاحٍ كبير الى استقطاب الناس بالتدريج، والتحقت بها مجموعات كبيرة من الناس المقهورة نزلت هي وأطفالها الى الساحات لتعبّر عن سخطها من الأمر الواقع الذي أصبح بالفعل لا يُطاق، ومجموعات سياسية تحمل كل منها شعاراتها المتناقضة من حيث الأولويات ومتصرّفة كأن الساحة هي ملك لها، ومتهمةً الحملة الأساسية للتحرّك ولمطلقيها شتّى أنواع الاتهامات التخوينية، كما التواطؤ مع القوى الأمنية، مستغلّةً لذلك، الخروقات التي حصلت في اليومين الأولين للحراك والتصادم مع القوى الأمنية، وتغيير الشعار الأساسي الذي منه انطلقت الحملة. فاتحين لذلك قواميسهم المهترئة، غير آبهين بكل فشلهم السابق، وبسقوط شعاراتهم. يبقى أن يُسجّل أن في هؤلاء، ومع مرور الوقت، شيء كثير من الفكر العنيد ومن ترسّبات أسلوب السلطة تمكنّت منهم دون أن يدروا. فالفكر الإلغائي، والتخويني، والإقصائي، وأنا أو لا أحد والطائفي المبطّن لا يمكنه أن ينجح أو يكون بديلاً في الشارع..فالشارع بدأ يسقط من أيدي محرّكيه، ليس بفعل غباء السلطة، بل بفعل ذكائها، حيث أنها سوّرت نفسها تاركةّ الحراك يأكل بعضه...ولكن لا، فها هي السلطة المضعضعة تنفض يدها بسرعة وبرشاقة من قبول العروض، وترفع السور الذي حبست فيه نفسها بعد أن حوّله المعتصمون الى مساحة فرحٍ وحرية.


أما عن أن كل أعمال #الشغب التي ترافق الاعتصامات، والتي تبدّت عن شغبٍ مفتعل، إنما ينفذّها أشخاص غالب الظن أنهم فقراء، ومأخوذون بحالة الفوضى، وهي الحال الوحيدة التي يمكنهم فيها التعبير عن أنفسهم، وليس بعيداً عن ان يكونوا مُشجّعين من قِبل أي فئة أو فئاتٍ لها مصلحة في تنفيس الاعتصامات لتفشيلها، وهنا تتوسّع المروحة كثيراً، على أنها تبقى في مجال التخطيط لعقلٍ أمني، مما يستوجب من المعتصمين التنبّه لهذا الأمر كون إمكانية تفشّيه باتت أكبر وأوسع. وهذا ما يبيّنه ما حصل بالأمس ليلاً عندما اعتدت القوى الأمنية على عددٍ كبير من شباب الإعتصام الذين لم يكن لديهم سوى حنجرتهم، فأدمتهم وسلخت جلودهم ودعستهم، ومن ثمّ حوّلت أكثر من 90 شاباً منهم الى الثكنات العسكرية وكأنهم مجرمون فعليون. فلمصلحة من تقوم القوى الأمنية المفترض فيها حماية المعتصمين بذلك، ومن يأمرها بانتقاء هؤلاء من بين حاملي ادوات الشغب الحارقة؟ لماذا تسهّل هروب مثيري الشغب الحقيقيين لتعتدي على من ليس له علاقة بالشغب؟ ومن له مصلحة بإفراغ الساحات إلا من المشبوهين الأشباح؟ انه العقل الأمني الخبيث الساهر على اشاعة الفوضى، انه الأداة العنفية لكل من له مصلحة في خراب البلاد.


فلتفرج السلطة عن كل المعتقلين، ولتلاحق من رمى المولوتوف وأشعل الحرائق..


من ناحيةٍ أخرى، لقد ظنّ من يحاول فرض هيمنته على الحراك بشعاراته أنه امتلك الشارع وأن الأمر بات له. سريعاً ما سيتم اقصاء هؤلاء من قبل من هم أدهى منهم. آن الأوان لفهم أن ما من أحد او فريق يمتلك وحده الحقيقة والصواب، فقط النقد اليومي لليوم الذي سبقه كفيل بتصحيح مسار التحرك كي يكبر ولا يموت. ومع أن مقولة أن قوة النظام اللبناني غير مسبوقة، وهي صحيحة، ولكنها سيف ذو حدين. فقد أثبتت كل التجارب السابقة استحالة كسره عن طريق ثورة، فهو يتراصف بقوة عند شعوره بالخطر، أما إن حصل وكسرت حلقة من حلقاته المافيوية، كحلقة مافيا #النفايات، فسرعان ما سيأتي حل الملفات الحياتية الأخرى أسهل بكثير، إذ سينهار النظام كحجارة الدومينو. إن النجاح في كسر الملف الأول هو ما سيعطي الناس زخما أكبر للتحرك، وستترك فئات كثيرة حينها طوائفها وتلتحق بالتغيير.


ولكن توسيع بيكار الشعارات هو مقتل للتحركات. فالتركيز على شعار أزمة النفايات هو ما يضمن نجاح التحركات. فمنه، وبالعمل على كشف أسبابه ومسببّيه وسبل حلوله ومحاسبة المتورطين يمكن هزّ عرش السلطة بكل مكوّناتها. على ان يُفتح ملف حياتي حيوي آخرعند تحقيق النتيجة..
ولكن الأمل سيتلاشى يوماً بعد يوم ان لم يبادر كل الناشطين والمبادرين الى تشكيل خلية قيادية شبابية تتمثل فيها كل المجموعات المشاركة، أو الى إنشاء تكتل سياسي ديموقراطي على صورة تيار واسع يحمل رؤى واضحة ومحددّة:
1- كسر حلقات النظام المافيوي واحدة بعد أخرى
2- الاتفاق على عدم استثناء أي قوى موجودة في السلطة مهما بلغ شأنها وقوتها وموقعها من التحركّات.
3- توزيع المهام التقنية والسياسية والتحريضية والإعلامية
4- اصدار يومي لبيان تقويمي لنشاطات اليوم السابق لتصحيح الخلل وتغيير الخطط بناءً على المعطيات المستجدّة
5- .الاستفادة قدر المستطاع من خبرات من سبقهم وأجرى نقداً لكل نضالات المراحل السابقة
6- محاولة تصويب الأداء الإعلامي وفضحه إن أثبت ارتهانه لأحدى قوى السلطة..
7- ولا ضير من الخطأ، فمن الأخطاء يولد المنهج السليم، المهم ان لا يكون هناك مكابرة من أي مجموعة على طريقة الرفض او الإلغاء أو الإنسحاب، وخصوصاً في ظل غيابٍ تام للأحزاب الوطنية المعارضة واليسارية منها المعنيّة الأولى بعملية التغيير. وحيث أن غالبية اليسار اللبناني تصرّ بكل مكوناتها واختلافاتها وتفرعاتها، على تكرار كل ماضيها دون انتقاده والاستفادة من تجاربه الكثبرة.


حينها فقط يمكن وضع حدٍ لإمكانية استغلال الاعتصامات والتحركات لصالح فئة او قوى معين، وبالتالي يمنع فشلها.


تثبت الساحة اللبنانية أنها ولّادة لعناصر شبابية مسؤولة تحمل همّ الوطن خارج كل الاستقطابات الموجودة، هي فرصة كبيرة اليوم في الشارع ابتدأتها حملة #طلعت_ريحتكم التي أصابت، وأخطأت، فلتكمل كل المجموعات الطريق سوياً من أجل تحقسق مستقبلٍ لا تختلف أي مجموعة عليه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم