السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رأس تدمُر المَقطوع

المصدر: "النهار"
رلى راشد
رأس تدمُر المَقطوع
رأس تدمُر المَقطوع
A+ A-

لم يتصوّر خالد الأسعد أن يصير هو وموضوعه واحداً. لم يتخيّل الرجل الذي أفنى حياته ليسرُد تدمُر في جميع حالاتها العظيمة، أن يتحوّل إلى شخصيّتها الرمزية وأن يدخل موسوعَتها، في باب الشُهداء.


في الحادية والثمانين موتٌ بقطع الرأس، بترٌ لشيخوخة تَقدّمت في وسط مؤلّفات قيّمة وبالعشرات كُتبت بألسنة كثيرة وأطلّت على العالم حاملةً إرثاً نفيساً لتقول اننا موجودون اليوم لأنّنا كُنّا في الأمس.



في الحادية والثمانين، ها إن عملية تصفية همجيّة تستهدف وبدم بارد حياةً فرديّة إختَزلت قسطاً من تاريخ جماعي وحضاري على السواء. فما الذي يعنيه أن يُقتل خالد الأسعد، مدير آثار تدمر السابق وأحد الأسماء المرجعية في علم الآثار؟ ما الذي يُخبره الإجهاز الوحشي على أحد الناطقين باللغة التدمرية الآرامية؟ وماذا وماذا...؟ استفهامات متشعبة تنبثق من هول الموت المجاني الذي جاءنا ورآنا وغزانا.



بيد ان هناك حقيقة لا يمكن الفرار منها. يقول الفعل الممرغ بالدمّ أن ثمة تصميما على القضاء على مُتقني لغة المكان لكي يحلّ محلهم وافدون هجائن لا يمتّون للمطرح ولا يأبهون بالجذور أو التاريخ، مجموعة لا تتردد في شطب #الجغرافيا حتى.



كثيرة هي المحطّات الكتابية في منجز الأسعد، "تدمر أثرياً وتاريخياً وسياحياً" مع الدكتور عدنان البني المنشور بست لغات (1984)، و"المدفن رقم 36"، بالتعاون مع أندرياس شميدت كولينيه من البعثة الألمانية في تدمر وجامعة فيينا، باللغة الألمانية (1994)، و"المنحوتات التدمرية" بمشاركة آنا سادورسكا وعدنان البني بالتعاون مع البعثة البولونية، باللغة الفرنسية (1994) و"الكتابات التدمرية واليونانية واللاتينية في متحف #تدمر"، بمشاركة ميشيل غافليكوفسكي وباللغة الإنكليزية (1997) وغيرها.
إنها بعض الوقفات التي تختصر مسار الرجل، مسار العِلم في مواجهة الغوغائية والظلامية، مسار ضوء ينير الروح عوضاً من أن يتحول إلى وزر لا يُحتمل.
انها لمفارقة موسومة بالحسرة أن تجري العودة إلى مؤلّفات الأسعد اليوم، بعد ساعات قليلة فحسب على اغتياله. لكن ها هي نصوصه تتراءى على نحو ما، كوصية تُفصح بأن التاريخ فينا وبأننا نحن فيه كذلك، وبأن اعادة كتابته ليست هيّنة أو مُباحة.



يرِد في أحد الأمكنة المخصصة للأسعد على الشبكة الافتراضية ان عالم #الآثار تأثّر بمقولة المُفكّر الروماني شيشرون في ان "مَن جَهل التاريخ بقي طفلاً إلى الأبد". فهل يرغب قاتلوه في منعنا جميعا من بلوغ سن الرشد؟ وهل هي مصادفة أو هل هو قدر أن يَلقى الأسعد، أحد مريدي شيشرون، مصير الفيلسوف؟ قُطع رأس شيشرون وجرى عرضه كغنيمة إلى جانب يديه قبالة مجلس الشيوخ، وها إن الأسعد يقتل على ما تردّد، على عتبة المتحف حيث عمل لأكثر من خمسة عقود، وها إنه يجثم في المدينة التي أحبّ، جثةً محرومة من الرأس.



كتَب الشاعر صلاح #ستيتية على صفحته على موقع "فايسبوك" وبالفرنسية في أعقاب إنتشار خبر القتل: "(...) ليَستمرّ المسؤولون الغربيون في سباتهم العميق: في اللحظة المؤاتية، سيجري إيقاظهم فازعين وهم لا يزالون في أَسرّتهم، سيوقظهم داعش في اليوم التالي، بعدما يكون الأوان قد فات. وداعاً خالد الأسعد، العزيز والجدير بالإعجاب".
يحمل أحد كتب الأسعد الذي أنجزه مع عبيد طه عنوان "مرحباً بكم في تدمر: الدليل السياحي الأول عن تدمر". حَسبي ان المدينة راهنا ليست تلك التي رغب في الدعوة إلى زيارتها.



[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم