الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا يجب ان يحصل ليتحرك الشعب اللبناني؟

سلوى أبو شقرا
ماذا يجب ان يحصل ليتحرك الشعب اللبناني؟
ماذا يجب ان يحصل ليتحرك الشعب اللبناني؟
A+ A-

أزمة جديدة أضيفت إلى سلسلة أزمات حياتية يومية يعيشها اللبناني هي أزمة النفايات، فإلى جانب الحرمان المستمرِّ من الطاقة الكهربائية والتقنين المنظَّم والعادل في منع كافة اللبنانيين من نعمة النور، أضيف إليه الحرمان من المياه حيث صدحت أصوات الصهاريج لساعات طوال مساءات الصيف المنصرم جراء انقطاع المياه بحجة أنَّ الشتاء لم يحمل معه كمية كافية من الأمطار. ناهيك، عن غياب الطرق المعبَّدة والمضاءة التي تخلِّف يومياً عدداً من ضحايا حوادث السير، ها هي أزمة "النفايات" تأتي لتزيد المآسي أمام العجز الحكومي والتعنُّت السياسي، ما جعل من شوارع لبنان مكباً ضخماً للنفايات حيث تكدَّست كجبال تفوح منها رائحة نتنة باعثة على الغثيان، عاكسةً تخاذلاً واستسلاماً في بناء وطن حقيقي لا كيانات طائفية مذهبية مناطقية عائلية.


التخاذل وغياب الانتماء يتصدران المشهد


النفايات المكدَّسة في الشوارع والطرقات اللبنانية شغلت رواد مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً "فايسبوك" و"تويتر"، الذين تناولوا الواقع المرير بعبارات لم تخلُ من الكاريكاتورية الساخرة والصادمة. هذا الامتعاض لم يتخطَّ حدود مواقع التواصل، إذ إنَّ اللبنانيين مصابون بخمول "وطني" يقف عائقاً أمام مواجهتهم الأزمات التي تطال وطنهم. فغياب الانتماء الوطني والتخاذل الشخصي يسودان المشهد اللبناني، حيث يعتبر كل مواطن أن ما بيده حيلة لتغيير هذا الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعانيه لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية. في هذا السياق، تعلِّق رئيسة قسم العلوم الاجتماعية في جامعة الروح القدس – الكسليك، الدكتورة ميرنا مزوَّق في حديث لـ "النهار" بأنَّ "المواطن اللبناني لا يمكنه أن يصبح مواطناً بين ليلة وضحاها، فالمواطنية لا تُبنى بين سنة أو اثنتين ولا تأتي بالفطرة، بل تحتاج إلى مسار تربوي يبدأ من المدارس والجامعات والعمل التطوعي بناءً إلى برامج تعليمية وجامعية، ولكن هل تتواجد هذه المسألة في صلب دروس التربية المدنية؟ اعتاد اللبناني تلبية حاجاته كفرد ولم يعتد على وجود تواصل بينه وبين المؤسسات الحكومية، أوَّلها البلديات، وأن يكون مستفيداً أكثر من أن يكون مشاركاً أو فاعلاً. لا نرى في لبنان متطوعين في العمل البلدي، خصوصاً وأنَّ العمل البلدي هو الأساس لبناء التنمية في المجتمعات المحلية. فكيف يُمكن أن نطلب من البلديات أن تقوم بأعمال عدَّة من دون أن نقدم لها يد المساعدة. وكيف يمكن أن نطلب من الناس أن يكونوا فاعلين في ظلّ غياب القدرة على الفعل".


وفي ما يتعلق بأزمة النفايات، تلفت مزوَّق إلى أنَّه "من الأساسي حصول البلديات على التقنيات الضرورية إضافةً إلى الأموال لإنجاز المهام، منها الفرز مثلاً، ومن ثمَّ نطلب من المواطن القيام بالفرز في المنزل مع إعلامه بكيفية اتباع الخطوات بطريقة علمية. وما لا يدركه كثيرون هو أنَّ صلب عمل البلديات يكمن في الثقافة والبيئة والصحة، ولا يقتصر فقط على إزالة النفايات وتزفيت الطرق. لا يمكن أن نكون فاعلين بمجرد النزول إلى الشارع، لا يمكن للناس أن تتظاهر بناءً إلى قرار فردي، بل تحتاج إلى أحزاب ومؤسسات غير حكومية وإحاطة. إذ إنَّ المواطنة بحاجة إلى عمل تحفيزي، وتربوي، ووسائل، ومال، وتغيير في العمل التربوي عبر السماح للناس بالمشاركة والانخراط في العمل البلدي لتتجلَّى النتائج على صعيد وطني. وإذا أردنا المشاركة في الحياة المدنية والخدمة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والصحية في المجتمعات واجب علينا تقوية العمل البلدي، كذلك تقوية الحس بالمواطنية والانتماء إلى العمل البلدي لا إلى السلطة البلدية فقط التي تُمثِّل عائلات أحياناً، أي عبر الانخراط في الخدمة والشأن العام لا الانخراط في السلطة فقط. إلى ذلك، من الضروري التخلّي عن الفردانية في العمل لأنَّ المشاركة الجماعية ضرورية، إذ إن البلدة والمدينة هي ملكٌ للمواطن وهو جزءٌ منها. في أوروبا يُشارك المواطن في العمل البلدي كمتطوع في تنمية مدينته وبلدته، ولكن في لبنان، لا تزال عقلية "التفرُّج والانتقاد" هي السائدة عوضاً من العمل على التغيير والتحسين جراء غياب الشعور بالمواطنة".


"طلعت ريحتكم" لم تحفِّزهم!


انتشار النفايات في شوارع العاصمة والمحافظات، دفعت بمجموعات شبابية إلى رفع الصوت عالياً، عبر تنظيم تحركات عدَّة، آخرها انطلقت بتوقيت متزامن، متجهةً نحو ساحة الشهداء: من قصقص، ومن كرم الزيتون، ومن شارع الحمرا. وفي هذا الصدد، يقول الناشط والإعلامي عماد بزّي في حديث لـ"النهار"، "اعتبرنا هذا الاعتصام الفرصة الأخيرة، وأنه في حال لم ينزل العدد الكافي إلى الساحة علينا التراجع والعودة إلى منازلنا، ولكن الناس المُشاركة أعطتنا الأمل في مواصلة خطواتنا. وأعلنا عن 3 مطالب لن نتراجع عنها: أوَّلاً استقالة وزير البيئة لأنه المسؤول الأول عن هذا الملف بالتكافل والتضامن مع الحكومة. ثانياً، إيجاد سياسة لإدارة الصفقات تُبنى على معايير بيئية صحية سليمة لا على صفقات شخصية ومحاصصة طائفية. ثالثاً، محاسبة المسؤولين عن هذه الأزمة من الذين هدروا المال العام. في حين أبقينا الخطوات المقبلة غير معلنة حفاظاً على عامل المفاجأة".


ولكن ماذا عن بقية اللبنانيين غير المشاركين في التظاهرة؟ ألم يبرز تخاذل من قِبلهم بالنسبة لهذا الملف خصوصاً أن المسألة تمسُّهم جميعاً؟ يجيب بزّي: "في المرة الأولى كان الصحافيون أكثر منا، ومن ثمَّ قمنا بتظاهرات أخرى وصولاً إلى تظاهرة يوم السبت، حيث وصل عدد المشاركين فيها إلى 6 آلاف شخص. لا يوجد خلفنا أحزاب سياسية ولا أموال لتمويل هذه التحركات. طلبنا من الناس على مدى 6 أيام التبرع بألفي دولار، ولكن تفاجأنا أنه خلال 4 ساعات من نشر الإعلان تمكنا من جمع 4 آلاف دولار. إذ إنَّ الأشخاص الذين لم يكن بمقدورهم النزول إلى الشارع، عوضوا عن ذلك بالتبرع بالمال. كل الناس ترغب في التغيير ولكن يجب إقناعها بصدق الهدف، وهذا الحراك سيتمُّ استكماله، وما من نظام يسقط فوراً، وما من حراك ينجح فوراً، بل بحاجة لخطوات تصاعدية للتمكُّن من التغيير".


الحكومة حاولت سحب فتيل الأزمة


بدوره، يشير الناشط أسعد ذبيان في حديث لـ "النهار" إلى أنَّ "التظاهر جاء رداً على الحلول التي تطرحها الحكومة، وهي حلول غير عملية، وغير منطقية وغير شاملة نابعة من مصالح شخصية ومن محاصصات طائفية اعتدنا عليها. يتكلمون عن محارق كلفتها تُثقل الاقتصاد المحلي، وخطرها البيئي والصحي مرتفع كذلك، وتحتاج سنوات ليتمَّ إنشاؤها، بالتالي، هناك تمديد للأزمة. أما التكلُّم عن إنشاء مطمر بدأ من الناعمة ولم يؤتِ بحلّ، فإذا وقع الاختيار على البحث عن مطمر آخر، تكون الحكومة بصدد رمي المشكلة من منطقة إلى أخرى، وتمديد هذه الأزمة لسنوات إضافية. ما نطالب به هو حلٌّ دائم وصحّي يعتمد على الفرز من المصدر أي من قبل المواطن اللبناني، وإعطاء البلديات حقوقها المنصوص عليها في القانون اللبناني والكامنة في جمع النفايات وتنظيف المنطقة الواقعة تحت إدارتها وفرز النفايات، إضافةً إلى إنشاء مركز للفرز في كل المناطق اللبنانية يعمل على التدوير، ما يتيح خلق فرص عمل إضافية. لكنَّ الحكومة اللبنانية حاولت سحب فتيل الأزمة بثلاثة طرق، الأولى كانت في سحب النفايات من الشوارع ورميها في الأحراج من دون أن يتنبَّه أحد لهذه الخطوة في ظل عدم متابعة المواطن للأماكن التي يتمُّ فيها رمي النفايات، فهو رأى فقط أنه تمت إزالة هذه النفايات من أمام منزله ما حدَّ من الاحتقان. المسألة الثانية عبر إلهاء الناس بالمناقصات، أي نشر أخبار عن وجود مناقصات وبمجرد انتهائها ستحلُّ الأزمة. لكنَّ هذا الأمر خاطىء خصوصاً وأنَّ أي شركة ستلتزم النفايات، لا يمكنها البدء فعلياً بالعمل قبل عام من مشاركتها في المناقصة. بالتالي، ما يحصل هو أن الحكومة تحاول سحب فتيل الأزمة بطرق ملتوية، وقد نجحت في ذلك لغاية الآن. المسألة الثالثة، إلتهاء الناس بمشاكل سياسية وتفتيتهم على أساس طائفي ومذهبي، ما يمنعهم من التفكير بالتغيير. في النهاية، كل خيار تختاره الحكومة اللبنانية لا يمثل إرادة الناس، الذي شبع من المحاصصة، سنتعامل معه بطريقة تصعيدية".


ستبقى مشكلة معالجة النفايات واحدة من الأزمات التي تدور حول نفسها من دون حل، تتقاذفها البلديات ككرة نار، ويدفع المواطن في كثير من الأحيان فاتورتها الصحية، وتتقاسم معه الطبيعة والبيئة نسبة منها أيضاً، فيما الدولة بوزاراتها ومؤسساتها المعنية تقف متفرجة عاجزة عن إيجاد حلول جذرية.


 


[email protected]
Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم