الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أقرعُ رأسي بوسائد الحجر

خوناف أيوب
A+ A-

أتذكرُ قبل أن تحبّني
وقبل أن أحبّكَ
كم كنا نحبّ أحدنا الآخر؟
ومضت قوافل الشتاء،
أتيتَ سلاماً تراقصني على خاصرة الحروب
وتحبني
وأُسعد بك جداً،
وأركض أسابق الأيام السلحفية
لأجدكَ هناك حيث ميلادي بقدومك
لتمسحَ عني البكاء
وتحتضنني بشدة
أجل بشدة حتى تكسر عظام الحزن بين ذراعيك
ونرسم أحلامنا على جناح الفراشة
نتواعد في أمكنةٍ لا نعرفها
ونسير في شوارع لا نعرفها
وتغازلني في مقاهٍ لا نعرفها
ونستأجر بيتاً ونسكنه
وننجب طفلةً جميلةً مثلي كما تقول
وأيضاً دون أن نعرف عنوان بيتنا
وقد كبرت طفلتنا ولم نعرف بعد ما هو اسمها
وتعمل أنتَ كلَّ يوم وتتعب كلَّ يوم
وأعمل أنا كلَّ يوم وأتعب كلَّ يوم
ونمضي نهاية الأسبوع في رحلة
إلى طرف المدينة التي لم نعرفها أيضاً
ونضحك بصوت عالٍ كجبلٍ أطلّت عليه نافذتنا
التي لم نعرفها أيضاً وعشنا فيها ألف عام،
ونسينا الحرب وذاك الوطن الذي فرح بدمائنا
ونسينا الحرب وذلك التراب الذي اغتصبنا
وملأتنا تجاعيد حزنه
ويمد لي باب بيتي الخشبي القديم يده
لا... لن ألملمكَ من الحطام
فمنذ ولادتي وأنا أقرع رأسي بوسائد الحجر وأنام
أنام نخب الخيبات
ومنذ ولادتي تقرع السنون رأسها بقلبي
وتشرب الماء قبل النوم وتقول نخب نفاقي عليك
فليمت الجميع
وليمت قيد نفوسي
ولتمت شهادتي الجامعية
وليمت جاري العجوز
ولتمت السنابل التي كنت أتغزل بها شتاءً
ويبيعونها لي صيفاً بأرفع الأسعار
وليمت ذاك النهر الذي كنتُ أحميه من الصقيع طيلة كانون
وكان لا يصبّ إلا الدود في بئر بيتي
وليمت طريق قريتي
ذاك الطريق الذي كنتُ أتعب لأصلَ إليه وأشتاق إليه
المليء بالحفر لي
هو نفسه ذاك الطريق الذي كان يتمدّد بذلٍّ لسيارة ابن الآغا
الذي كان يحفره أكثر وأكثر بعجلات سيارته الحديثة
وليمت قبر جدي
جدي الذي بقيتُ كل يوم خميس
أقرأ له سورة يس بعد موته
وبقي الغرباء ينتفخون بخيراته ذاك المغفل
وليمت الجميع ولتمت الأشياء
ولتبق أنت لي...


* شاعرة كُرديّة سوريّة من القامشلي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم