السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

جهاز للخلاص من النفايات

محمد أبي سمرا
جهاز للخلاص من النفايات
جهاز للخلاص من النفايات
A+ A-

توصل الدكتور جميل ريمه بعد اختبارات وتجارب عملية في مختبر كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، إلى تصنيع جهاز لمعالجة النفايات يتخلص من مضار معالجتها بالطمر والحرق والتخمير. بلدية عين إبل بدأت تستعمل الجهاز منذ سنة، ودولة أنغولا، بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي، تبنت المشروع الجديد، وسجل ريمه اختراعه في 150 دولة حول العالم.


عاد جميل ريمه الى لبنان في العام 1984، بعد حصوله على شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من احدى جامعات فرنسا، فعمل مدرساً في كلية العلوم – الجامعة اللبنانية – الفرع الثاني. جذبته الأعمال التطبيقية في المختبر، اكثر من التدريس النظري، جرياً على تقاليد الجامعات الغربية في مجال اختصاصه. لذا عمل على تجهيز المختبر في كلية الجامعة لإنجاز الممكن من أبحاث تطبيقية مع طلابه وطالباته. منذ العام 2000 تكاثرت زياراته البحثية لجامعات اوروبية وأميركية ومختبراتها، منكباً على الاهتمام بطرق معالجة النفايات الصلبة التي تعتبر معضلة عالمية، لأن الطرق التقليدية السائدة في معالجتها، تنطوي دائماً على آثار بيئية وصحية سلبية وسيئة وخطيرة.
فطمر النفايات ينجم عنه سائل ملوّث ومضرّ، يتسرب الى المياه الجوفية ومياه البحار، ويلوّثها. أما الحرق المستعمل على نطاق واسع في أوروبا وأميركا، فينجم عنه غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يؤدي الى أمراض سرطانية خطيرة. الطريقة الثالثة المعروفة في معالجة النفايات، هي التخمير الذي تترتّب عليه أيضاً أضرار بيئية وصحية، مصدرها الروائح الكريهة المنبعثة من مراكز التخمير.


اكتشاف معالجة سليمة للنفايات
في مختبرات الفرع الثاني لكلية العلوم بالجامعة اللبنانية، تركزت أبحاث ريمه التطبيقية على ايجاد طريقة جديدة صديقة للبيئة، لا تترتب عليها آثار صحية سيئة، في معالجة النفايات الصلبة. من طلابه استمرت في العمل معه، كارن عساكر، بعد تحصيلها شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من فرنسا.
شرح ريمه العمل الاختباري الذي اتبعه، انطلاقاً من ان النفايات الصلبة تحوي نوعين اثنين من المواد: مواد عضوية وماء. بدأ في البحث عن طريقة لفصل المواد العضوية عن الماء، فتوصل الى ذلك في أبحاث واختبارات، اتبعها بأخرى غايتها إعادة المواد العضوية الى اصلها، وهو الفحم. فـ90 في المئة من المواد العضوية تتكوّن من الكربون والأزوت، وهما مادتان اساسيتان في نمو الحياة على الارض.
للوصول الى عملية الفصل، صنع ريمه مع طلابه مفاعلاً اختبارياً صغيرا في المختبر الجامعي، سعته 10 ليرات، تمكّنه مواصفاته المعدنية من تحمّل درجة حرارة عالية تفوق 1500 درجة مئوية، ومن تحمّل ضغط كبير جداً. وُضعت في المفاعل كمية معينة ومدروسة من النفايات الصلبة، وشُغّل على درجة حرارة بلغت 450 درجة وقوة ضغط بلغت 15 كيلوبات، اضافة الى تزويده مادة محفّزة (كاتاليزير). ادت العملية الى تحويل ما تحويه النفايات من ماء الى بخار يمكن تحويله مياهاً مقطرة غير ملوثة. اما المواد العضوية فحوّلها الجهاز او المفاعل الى فحم، وذلك عبر عملية تحطيم الذرات (الأتوم) المكوِّنة للمواد العضوية والمؤلَّفة من ذرات الكربون المترابطة بواسطة الأوكسيجين او الهيدروجين. عملية تحطيم الذرات هذه، بواسطة الحرارة والضغط والمادة الغازية المحفزّة والصديقة للبيئة، هي التي تؤدي الى تحويل المواد العضوية في النفايات الى فحم مفيد، يمكن استعماله للوقود وتوليد الطاقة. العملية هذه لا تحتاج الى فرز النفايات وتعريبها، وكل 10 كلغ منها (بحجم 10 ليترات) ينجم عن معالجتها في المفاعل 3 كلغ من الفحم الذي لا تنجم عن احتراقه مادة الرماد، ويمكن استعماله للتدفئة وتشغيل معامل توليد الطاقة الكهربائية ومصانع الترابة والاسمنت والحديد، كما في تشغيل مفاعل معالجة النفايات.
صنّع ريمه، بمساعدة مؤسسات بحثية ومختبرات خارجية، جهازاً أكبر حجماً في مختبر كلية العلوم بالجامعة اللبنانية، يستوعب طناً واحداً من النفايات الصلبة ويعالجها بالطريقة المكتشفة والمختبرة في مدة 15 دقيقة فقط.
ولأن هذا الإكتشاف يعتبر ثورة في مجال التقنيات ومعالجة النفايات، سجّل الدكتور جميل ريمه اكتشافه هذا في مكتب بلجيكي دولي يعنى بتسجيل براءات الاختراع لحمايتها، فسجل المكتب هذا اختراعه في 150 دولة حول العالم.


عين إبل – أنغولا
عرف متعهد معالجة النفايات في بلدة عين إبل الجنوبية، فارس غسطين، عبر وسائل الإعلام، بالاكتشاف الجديد، فاتصل بجميل ريمه واتفق معه على تصنيع جهاز سعته 3,5 طن لمعالجة نفايات عين إبل التي كانت تعالج بطريقة الطمر المضرة والملوثة. أُنجز تصنيع الجهاز، ومنذ سنة بدأ تشغيله ليعالج كل 3,5 من أطنان نفايات البلدة في ساعة واحدة، أي ما يعادل 70 طناً في اليوم.
نجحت التجربة في عين إبل، وهي اليوم في طريقها الى أنغولا عبر هيئات في الإتحاد الأوروبي. ذلك أن ريمه أسّس مع قريب له مهاجر في أنغولا، شركة لتصنيع أجهزة معالجة النفايات حسب الطلب. مقر الشركة الجديدة المعروفة باسم "ريمه للتصنيع" هو لبنان، ولها فرع في بلجيكا، حيث يجرى تصنيع جهاز ضخم بمواصفات اوروبية مدروسة، لمعالجة 400 طن من نفايات أنغولا في اليوم الواحد.


الخلاص من مطمر الناعمة
ماذا في لبنان؟ نسأل جميل ريمه، فيجيب بعملية حسابية بسيطة: شركة "سوكلين" تتقاضى 150 دولاراً لمعالجة طن واحد من نفايات بيروت الكبرى بطريقة الطمر المضرة في الناعمة. في الجهاز الجديد المكتشف والمجرّب، تكلف معالجة الطن من النفايات وبطريقة صديقة للبيئة ومفيدة اقتصادياً، ما بين 4 و6 دولارات فقط. لكن هذه الكلفة تنخفض وتتلاشى مع الوقت، إذ إن الفحم الناتج من عملية المعالجة الجديدة يباع ويغطي كلفة تصنيع الجهاز وتشغيله في مدة معينة، لتصير عملية بيع الفحم مربحة اقتصادياً.
بعملية حسابية اجمالية لما تتحمله خزينة الدولة اللبنانية لقاء قيام "سوكلين" بمعالجة نفايات بيروت الكبرى، يفيد جميل ريمه أن الـ2500 طن التي تطمرها "سوكلين" في الناعمة يومياً، تكلّف: 2500 طن × 150 دولاراً للطن الواحد × 365 يوماً = 136 مليون دولار تتكبدها خزينة الدولة في السنة الواحدة. بأقل بكثير من كلفة معالجة نفايات بيروت الكبرى في سنة واحدة، يمكن تصنيع جهاز ضخم لمعالجة هذه النفايات بطريقة صديقة للبيئة والصحة العامة ومربحة اقتصادياً. ذلك أن كلفة تصنيع الجهاز وتشغيله على نحو دائم، سرعان ما تغطّى، وتدرّ أرباحاً اضافية دائمة من عملية بيع الفحم الناجم عن عملية المعالجة الرشيدة.
يختم جميل ريمه كلامه بالحديث عن لا مركزية معالجة النفايات التي يتيحها الجهاز الجديد. إذ يمكن بلديات المناطق بالتعاون مع جهات مانحة، أن تستخدم أجهزة لمعالجة نفاياتها بطريقة سليمة ومربحة، وتنتهي بذلك مأساة المطامر والتلوث البيئي والمضارّ الصحية الناجمة عن معالجة النفايات في لبنان.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم