الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المهرجان اللبناني الكبير

المصدر: "النهار"
رلى راشد
المهرجان اللبناني الكبير
المهرجان اللبناني الكبير
A+ A-

لا يسع المرء القاطن في #لبنان أو المقيم فيه لفترة وجيزة فحسب، أن يتفادى غزوة المهرجانات الموزّعة في أرجائه في هذه الأيام، شمالاً وجنوبا وشرقاً وغرباً.


كنّا في ما مضى نتمهّل عند صيف المناسبات هذا، لنقف على جدواه الثقافية وارتداده الفكري على عجلة الإبتكار وعلى إمكانات أن يكون مُطلقا للمواهب وحاضنة للأفكار ومحرّضا ضد التكلّس الفكري أيضا. غير اننا صرنا اليوم في مطرح آخر. كأن واقعنا المجبول بالمرارة أملى علينا شيئاً من التعاطف التلقائي إزاء أي حدث ثقافي يقام في ظل صنوف الحوادث المريرة، لنتأمّل الحدث الثقافي صانعا لأحلامنا المتخيّلة خصوصا. أما القيّمين على هذه المهرجانات فيستحيلون مغامرين يواجهون طواحين الهواء الأصفر المُنتشر من حولنا وهم يرفعون سيوفاً من ورق.


جونية و #جبيل و #بعلبك وبيت الدين و #إهدن وبيروت وسواها من المدن والبلدات الصغيرة والكبيرة التي تحتضن المهرجانات، باتت في واقع الحال كأنها أسماء جُزُر. إنها بهذا المعنى قطع من الأرض اللبنانية المُتنصّلة من موقعها الجغرافي خلال بعض الليالي الاحتفالية وفي سياق تصوّر - مبالغ فيه ربما- يقول انها قادرة على الإنفصال عن واقعها. أما الجمهور الوافد إليها ليشارك بطقس الفرار الجماعي والمبرمج هذا، فكأنه يضمّ شخوصا سرديّة يشبهون الفارين من انتشار وباء الطاعون في نص "ديكاميرون" رائعة بوكاتشيو الإيطالية أو من اندلاع حرب العراق، كما في تنويع الأميركية جاين سمايلي على هذا العمل الأدبي المرجعي والذي عنونته "عشرة أيام في التلال".


في هذين المؤلفين هناك ناس يهربون من خطر داهم ويبتعدون عن المدينة مصدر القلق، إنها فلورنسا في "ديكاميرون" وولاية كاليفورنيا في "عشرة أيام في التلال"، أما المدينة التي ينبغي الابتعاد عنها، في الحكاية اللبنانية، فمدن في الجَمع، وعلى امتداد الوطن.


يقول سبينوزا أن الخوف لا يسعه التخلّي عن الأمل مثلما لا يستطيع الأمل التخلي عن الخوف. ها نحن في هذا العام، كما اعتدنا، مُستدرجين إلى الأمْرَين الأمَرَّين، أي إلى الخوف والأمل معاً، ونحن على اقتناع بأن لا مفرّ من استدعاء الإثنين.


هناك ما يدفعنا في صيف 2015 لنقارب المهرجانات، على اختلاف مشاربها واهتماماتها وأهميتها، من زاوية التمسّك بالخشية المتأمّلة بعدما استشرى بيننا شعور بأن البلاد ضاقت على أهلها وأنهم يختنقون. ليست المسألة مسألة نفايات وحَرّ وفراغ سياسي واشتباك أمني فقط، انها هذا كله وأكثر. ونحن لم نعد نملك ترف الوقت لنكون شيئا آخر سوى أنفسنا.


الشيخوخة لعنة ربما، أمّا شيخوخة البُلدان المُبكرة فلعنة أكبر. تُنهكنا الأخبار الطالعة من وسائل الإعلام وتطوي أذرعتنا عنوةً، فنهرب إلى الثقافة. نتَمسّك بما تيّسر منها ونطارد الأفضل. وإذا كانت الثقافة مقاومة فهي شفاء أيضا. نأتي إلى مهرجانات الصيف ومن خلالها إلى المهرجان اللبناني الكبير، كالباحثين عن إكسير الحياة. نطمع بأن نحبّ إلى الأبد ونعيش إلى الأبد أيضا.



[email protected]


Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم