الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كريم الذي فقد بصره تفوّق عالمياً في ظلّ غياب الدعم

المصدر: "النهار"
إيلده الغصين
كريم الذي فقد بصره تفوّق عالمياً في ظلّ غياب الدعم
كريم الذي فقد بصره تفوّق عالمياً في ظلّ غياب الدعم
A+ A-


لن تكون ذاكرة بيروت ازدواجيةً بعد الآن. ستحظى العاصمة المنفلشة في ظاهرها على الأبيض المتوسط والمنكمشة في باطنها على حكايا شوارعها بفرصة الارتباط الوثيق بواقعها. سيحلو للعاصمة الثقافية - في كتب الجغرافيا والتاريخ- أن تخلِّد في ذاكرتها صوراً تشبهها وتليق بيومياتها. لن تبقى لصخرة الروشة وحدها، مثلاً، أفضلية التعريف عن بيروت بتلك الكلاسيكية المفرطة. أصبح لأهل بيروت الحقّ في تجسيد فرح مدينتهم وعذابها وهم يظهرون أبطالاً في أرشيف صورها. أرشيف جديد وغير تقليدي سيساهم فيه من يؤمنون بضرورات الإبداع خارج إطار الكادر الموروث. هوذا المصوّر الشاب كريم صقر واحداً من أولئك، معتمداً أسلوب الـ"ستريت فوتوغرافي" أو تصوير الشارع، يصنع من الناس والمارّة مشاهد المدينة. فاز كريم بجائزة "فوتوميد بيروت" 2015 التي توزع في فرنسا حيث يُحتفى بصور آتية من الشرق الأوسط.


يصمّم كريم الذي فقد عمله قبل أشهر أن يهب بيروت جمالاً خاصاً بها. هو الذي فقد بصره لأكثر من شهرين في سنّ الثامنة عشرة ثم استعاده ليرى العالم بعيون جديدة. لم يترك الشاب الموهوب، الذي يبلغ حالياً السابعة والعشرين، مجالاً للإحباط والخمول. جعل الولد الوحيد في عائلته من الصور سلواه في وحدته، فبدأ قبل خمس سنين يلتقط الصور من حوله، خصوصاً عندما انتقل لمتابعة اختصاصه في الهندسة الغذائية الصناعية في البقاع. طوّر هوايته بنفسه وسعى إلى تثقيف ذاته بمفرده، فراح يقرأ الكتب المتعلقة بـأسلوب تصوير الشارع. ثم ما لبث أن اشترك مطلع هذا العام في مسابقة "فوتوميد" حيث فاز بالجائزة، وذهب إلى نيس في فرنسا للمشاركة بالمعرض الخاص بفائزي المسابقة (بين 28 أيار و21 حزيران)، مبرزاً 20 صورة من توقيعه. ينبغي أن تُعرض مجموعة الصور مطلع السنة المقبلة في نسخة المعرض في بيروت.


ثلاث سنين مفصليّة
ينتمي كريم منذ عام 2011 إلى تجمّع "مصوّرو شوارع بيروت" الذي يضمّ مصورين شباب لبنانيين وغير لبنانيين يتّبعون أسلوب تصوير الشارع. هذه الموضة في التصوير بدأت منذ أكثر من خمسين عاماً لتصبح أسلوباً له تقنياته في تصوير الأماكن العامة حيث تجسد كلّ لقطة الحياة اليومية بصخبها وهدوئها، ومن روّادها هنري كارتييه بريسون وغاري وينوغراند. ما يميّز هذه الصور أنها تمثل الواقع إذ ينتظر المصور اللحظة الحاسمة ليتخذ قراره في التصوير من دون أن يدري من جمعهم الكادر أنهم أبطال الصورة. يقتضي هذا الأسلوب في التصوير ألا يخبرهم المصور بذلك حتى بعد التقاط الصور ولو فازت بجائزة مثلما حدث مع كريم، الذي يعتبر أن ما يقوم به مشروع لا تنتهي فصوله ولن يتوقف شغفه عند الجائزة التي نالها.


في 2012 بدأ كريم بجمع صوره التي قدّمها إلى المسابقة مطلع هذا العام. ثلاث سنوات استطاع أن يجمع فيها عدداً من الصور التي تجسد جماليّة أهل بيروت التي أحبّها بعيداً من المألوف. وعن قيمة الجائزة بالنسبة إليه "لا قيمة مادية للجائزة، تكمن أهميتها في الوجود في فرنسا والتعرف إلى مصورين من بلدان مختلفة". ويضيف: "إنه لبنان الحقيقي"، هذا هو الطابع العام للصور التي اختارت معظمها اللجنة المنظمة للمسابقة من بين صور كثيرة التقطها كريم.
يفضّل كريم أن يلوّن صوره بالأسود والأبيض. لا يصوّر في بيروت وحدها بل في صيدا وطرابلس والبترون وسواها. يقول: "أريد أن أظهّر في صوري ما لا يراه الناس عادة والسائح خصوصاً الذي يذهب إلى أرقى الأماكن، أما إذا أردت أن أكون دليلاً سياحياً له فسأصطحبه إلى مطاعم صغيرة وزوايا فريدة تمثل لبنان بأصالته، هذا الأمر نفسه أقوم به من خلال التصوير فأريه هذه المواضيع من خلال عدستي حيث أحاول التقاط كل التناقضات".


يسعى كريم إلى وظيفة ثابتة تؤمن له حاجياته والضمان الصحي، "أود متابعة التصوير إلا أنني أسعى إلى العمل في اختصاصي الهندسة الغذائية لكوني أحتاج إلى أدوية وعلاج. فقد أُجريت لي عمليتان في الرأس إذ فقدت النظر لأكثر من شهرين وكنت حينذاك في سنّ الثامنة عشرة فخضعت لعلاج لكون مناعتي ما دون المعدل المطلوب".


الغصّة لا تفارقه
لا يملك كريم ستوديواً خاصاً -ولا يريد- بل كاميرا ومعدات يتنقل بها. كيف سيستقر لاحقاً؟ لا مشكلة في أن يفتتح ستوديواً لكنه لا يتماشى مع حبه للابتكار عبر صور غير تقليدية، "ربما "غاليري غريب" غير موجود في لبنان". أعد كريم تقارير مصورة في السابق، يعمل في مشاريع خاصة وأعراس تتماشى وأسلوبه كما أنه يستطيع إعطاء دروس خاصة ودورات تدريبية.


بالنسبة إلى كريم تتطلب مهنة التصوير وقتاً كافياً للاطلاع على أعمال الآخرين والتعلم منها والإفادة، ومالاً للحصول على التجهيزات الضرورية. ويقول: "لم تعد الكاميرات كما كانت في السابق، إذ انخفضت أسعارها. في فترة ماضية أصبحت الكاميرا كالأكسسوار ترافق جميع اللبنانيين، غير أن التصوير يفتقد إلى الابتكار إذ يعمد عدد كبير من المصورين إلى تقليد صور تعود لآخرين".


الغصة واضحة في صوت كريم الذي لم يلق دعماً حكومياً من الوزارات المعنية، حظي فقط برعاية رئيس مكتب وزارة السياحة اللبناني في باريس ومنظم "فوتوميد" بالشراكة سيرج عقل، حين حضر إلى فرنسا لتسلّم جائزته. أما الصورة الأكثر تأثيراً فيه فقد التقطها في سوق الأحد لرجل يبيع الكعك تحت المطر إذ تحمل مشاعر كثيرة بالنسبة إليه. بين المشاعر وتعابير الوجه وحال الطقس وكثير من المتغيرات في الشوارع يحاول كريم أن يُبقي بطل الصورة بداخلها، يحاول أن يعبُر بصوره حدودَ بلده لأن "الصورة عالمية وعابرة للحدود، لا تحتاح إلى كلمات لترجمتها" كما يعرّفها الفيلسوف الفرنسي ريجيس ديبريه و"من هنا شعبيتها".


[email protected]


Twitter: @ildaghssain


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم