السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

علم الكونفيديرالية في أميركا يُلهب المشاعر ويُثير النقاشات رمز لعزّة الجنوب واستعصاء مظاهر التمييز والعنصرية

نيويورك – علي بردى
علم الكونفيديرالية في أميركا يُلهب المشاعر ويُثير النقاشات رمز لعزّة الجنوب واستعصاء مظاهر التمييز والعنصرية
علم الكونفيديرالية في أميركا يُلهب المشاعر ويُثير النقاشات رمز لعزّة الجنوب واستعصاء مظاهر التمييز والعنصرية
A+ A-

ثمة من يعتقد أن الفيديرالية انهزمت قبل 150 سنة في الولايات المتحدة، غير أنها لا تزال حية تدغدغ تطلعات كثيرين في ولايات الجنوب، وعين الحكومة الفيديرالية غير ساهرة.


خلال الأسبوع الماضي، تسلقت ناشطة أميركية سارية يبلغ ارتفاعها أكثر من عشرة أمتار لإنزال راية قديمة عن مبنى حكومي في عاصمة ولاية كارولينا الجنوبية. صفق لها كثيرون لأنها أزالت رمزاً صمد من أيام العبودية والحرب الأهلية في الولايات المتحدة: علم الكونفيديرالية.
أوقفت الشرطة هذه الناشطة بتهمة تشويه نصب، على رغم المطالبات الشعبية المتجددة بالتخلص من هذا الرمز بعدما دخل شاب أبيض كنيسة عريقة للسود في مدينة تشارلستون وقتل بالرصاص الكاهن وثمانية من المصلين. أظهرت التحقيقات مع الجاني ديلان روف أن دافعه منبثق من عنصرية البيض وكراهية الملونين. احتفظ بصور تضطرم فيها النار بالعلم الأميركي، ويرسم بأخرى رمزه علم الكونفيديرالية الذي باشر مشرعو الولاية اجراءات لإنزاله عن المباني الحكومية المحلية.
بقي هذا العلم مرفوعاً حتى عصرنا هذا على المؤسسات الحكومية الواقعة تحت ما يسمى "خط مايسون – ديكسون" الذي أنشأه المسّاحان الإنكليزيان تشارلز مايسون وجرمايا ديكسون بين عامي 1763 و1767 للفصل بين مستعمرتي ميريلاند وبنسلفانيا. هناك تقع "دولة ذوي الأعناق الحمر"، أو "الريد نيكس". غير أن الدعوات لإزالته تصطدم بقوانين الفيديرالية لعام 1861 التي لا تزال تؤثر بشكل أو بآخر على ممارسات التمييز في أميركا هذه الأيام.
يتسلح المهتمون المدنيون بطلبات الدفاع عن العلم بأسباب عدة، بعضها أنه يمثل شعوراً بالفخر الوطني والاعتزاز المناطقي، وبعضه الآخر أنه يثير ذكريات رومانسية من حقبة ماضية. بعد اعلان انتصار الإتحاد في نيسان 1865، سلم أحد الجنود المتمردين في فيرجينيا سلاحه، بيد أنه لفّ علم الكونفيديرالية على خصره رمزاً أخيراً لتمرده. بعد نحو قرن، بيع هذا الرمز النادر من الحرب الأهلية بمبلغ 82 ألف دولار في أحد المزادات. لم يبق من الأعلام الأصلية لتلك الحقبة سوى ما بين 20 و50 فقط، وهي تتميز بحرف "أكس" (X) أزرق كبير مرصع بنجوم بيض. تمّ التخلص من تلك الأعلام بعدما انتصر الشمال. وعلى رغم التصاقه بالكونفيديرالية، فإنه كان فقط علم القتال في تلك الحرب.
في المقابل، هناك فئة من الجنوبيين المدافعين عن العلم لأسباب تتعلق باعتقادهم أنهم ينتمون الى جماعات متفوقة. يجاهرون بذلك ويعتمدون هذا العلم رمزاً لتفوق العنصر الأبيض ولمطلبهم انفصال الجنوب عن الشمال. لهذه الإعتقادات سياق متجذر في حياة الأميركيين. تأسست الكونفيديرالية وعلمها الذائع الصيت على مبدأ حق الأسياد البيض في الحصول على العبيد. غير أن خطط ابراهام لينكولن عام 1861 ضد الإستعباد دفعت بعض ولايات الجنوب الأميركي الى الإنفصال وتشكيل كونفيديرالية. تغير عدد هذه الولايات مع الحرب الأهلية، لكنها آلت في النتيجة الى هزيمة نكراء والى اعلان لينكولن نهاية العبودية في الولايات المتحدة.
يقول أحد جامعي المقتنيات من تلك الحقبة إن نظرة الناس الى علم الكونفيديرالية تتغير "بسبب التغير السياسي، وخصوصاً بعد الذي حصل في تشارلستون"، معتبراً أن هذا العلم "تاريخ ولكن ينبغي ألا يرفع فوق المؤسسات الحكومية في الولايات. هو علم الحرب، يوجه رسالة بأن رافعه ضد الإتحاد".
ليس في تاريخ أميركا وحاضرها رمز أكثر إثارة للإنقسام بين الجنوب والشمال من علم الكونفيديرالية. أبقته بعض الولايات الجنوبية يرفرف على مبانيها الحكومية والتشريعية شاهداً بصرياً وتاريخياً على سيادتها. غير أن النقاشات المستمرة منذ سنوات حول ابقاء العلم أو ازالته احتدمت أخيراً بعدما اندفع ديلان روف الى ارتكاب جريمة كراهية في كنيسة تشارلستون.
يعتقد البعض أن هذه الحادثة تسلط الأضواء على أن الولايات المتحدة لم تصل بعد الى ما بعد عهد الكونفيديرالية. يعزى وجود هذا العلم في غرفة نوم ديلان روف وعلى مبنى حكومة كارولينا الجنوبية الى أن "التفوق الأبيض" لا يزال محمياً بالقانون. يواجه المتحدرون من أجداد السود كل العناء بسبب استمرار قوانين التمييز وانحياز النظام القضائي ضدهم. وتواجه الحكومات الجنوبية اتهامات بأنها أنشأت أنظمة تعليمية وصحية تمييزية بينما تتخذ جماعات الكراهية اجراءات عنيفة أكثر علنية للحفاظ على تفوق البيض.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم