الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صرخة - ماڤيا الظلام السوداء

جواد الساعدي
A+ A-

خمسون مسلحاً "مجهولاً"، بلباسٍ أسود وسياراتٍ مدنية، طوّقوا مساء الأربعاء، في 18 حزيران 2015، مقر الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، الكائن في ساحة الأندلس في بغداد، وجردوا عناصر الحماية الرسمية التابعين لوزارة الداخلية مع ضابطهم من السلاح والهواتف واعتدوا على عمال التنظيفات الأجانب وسلبوهم أموالهم وهواتفهم أيضاً ثم عبثوا بمحتويات المقر وكسّروها. لا تعنيني متابعة من أدان ومن شجب ومن استنكر ومن صمت أو من "عبس وتولّى" من المسؤولين الرسميين وغير الرسميين، فالحادث يُعد كارثة وطنية تكشف أن "داعش" آخر يحتل الوطن ويتصرف من دون حسيبٍ أو رقيب، ومن دون وجلٍ أو تردد، مطمئناً إلى سلاحه القوي وغطاءاته الأقوى في محاربة مؤسسات الدولة الجديدة ممثلةً بعناصر وزارة الداخلية ومحاربة رموز الثقافة والمجتمع المدني التي هي أهم ركائز المجتمعات الديموقراطية، وتثبت أن هذه القوى، التي تنفذ أو التي تغطي، قد قضت سنيّ ما بعد سقوط النظام على مضض وهي تنظر إلى مظاهر الحرية والتعددية التي صاحبت ذلك، كما تبين أنها في مرحلة "التمكين"، وتسعى إلى بلوغ مرحلة "التمكن" كي تنقض على ما تعتبره خصومها وتسدَّ كل فتق ينبعث منه بعض الضوء في الجدار العراقي المسدود، وهي لا تختلف بذلك عن الكثير من القوى الظلامية الأخرى، مهما سايرت وابتسمت وادعت اختلافها واعتدالها وقناعتها بالنظام التعددي الديموقراطي.
هذه القضية لا تعني الكتاب والأدباء والمثقفين وحدهم. يحق لكل مواطن عراقي، لا بل من واجب كل مواطن عراقي أن يسأل المسؤولين والنافذين، يسألهم عن أمنه الشخصي والمجتمعي وعن أمن المكونات الأخرى واطمئنانها، طوائف وأحزاباً ومنظمات مدنية، يسألهم عن آفاق عيشه وحقوقه الأساسية، وفي المقدمة حريته المباحة أمام هذه القوى العابثة بحاضر بلاده ومستقبلها وهي تدوس القانون وتهين المؤسسات المنبثقة عن خياراته الوطنية. على كل مواطن أن يسأل نفسه أيضاً إذا كان قد أخطأ في جعل هؤلاء المسؤولين "أمناء" على تلك الخيارات التي دفع ثمنها دماً وفقداناً للأهل والأبناء. على كل مواطنٍ أن يعيد النظر في الخطوط الفكرية للأحزاب والقوى النافذة، الخطوط التي تمثل طموحاتها العقائدية غير المتصالحة، لا بل المتناقضة تناقضاً وجودياً مع الديموقراطية والحرية وكل حقوق الإنسان، وأن لا يأبه ولا يصدّق برامجها وشعاراتها الانتخابية المرحلية التي تريد الاستيلاء فقط على صوته الانتخابي.
السيادة لك أيها المواطن العراقي، والشرعية لك، لا لسلاح الميليشيات السوداء. الوطن لك، الأرض لك، السماء لك، الهواء لك، والصوت لك. أنت من يصنع الإلفة، أنت من يشق ويعبّد طريق المحبة ويجترح دروب الحرية، أنت من يملأ صناديق الاقتراع ويقذفها في وجه المتسلطين والفاسدين والانتهازيين. لم تنقصك الشجاعة في مواجهة قوة النظام السابق وجبروته، ولن تنقصك اليوم في مواجهة الزيف والتدليس والأنانية والاستغلال ونهب الوطن وتدميره. لا طريق ولا منقذ لنا غير صوتك، غير شجاعتك وتضحياتك، غير محبتك ورغبتك وإيمانك بالسلام. لا منقذ لنا غير احتضانك لفكرة التغيير والحرية، لا منقذ لنا غير احساسك بالمظالم التي تصيب الجميع، لا منقذ لنا غير مبدأ المساواة في الحقوق الأساسية القائم على المواطنة النابذة لكل أشكال الطائفية والمذهبية والعرقية وأنظمة المحاصصة والاقتسام الميليشيوي.
وأنتِ أيتها المواطنة العراقية، لك بالطبع كل هذا وأكثر، فأنت المدرسة التي تصنع "شعباً طيّبَ الأعراق"ِ، وأنت التي وضع الله جنان الخلد تحت أقدامها، فلك أن يكون الفاسدون والمتاجرون والمتسلطون ومدمرو الحرية تحت أقدامك. لكن لا تدوسي عليهم بها، اتركيها طاهرةً وافقأي عيونهم بسبّابتك البنفسجية. كوني خلاصاً، كوني ثأراً لثُكلكِ، وكوني لترمّلكِ انتقاماً. كفاكِ أن تلبسي سواداً، كفاكِ تجاعيد مبكرة، كفاكِ شظَفاً وفقدان أحبة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم