السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سوريو الطبقة الوسطى يرضخون للمستحيل... العيش في خيمة

المصدر: زحلة – "النهار":
دانييل خياط
سوريو الطبقة الوسطى يرضخون للمستحيل... العيش في خيمة
سوريو الطبقة الوسطى يرضخون للمستحيل... العيش في خيمة
A+ A-

"نرى انفسنا ذليلين" قال ابو عدي عندما سألناه وافراد عائلته ان كانوا يرون انفسهم كلاجئين، بعد سنتين ونصف من لجوئهم الى لبنان، فقدوا خلالها كل مقومات الطبقة الاجتماعية التي كانوا ينتمون اليها في سوريا. يخاف ابو عدي "ان يحلّ بنا ما حلّ بالفلسطينيين، ان يخلص عمرنا ونحن ننتظر العودة" الى سوريا، لذا لا ينفك يردد لازمة بانهم يعيشون وضعا مؤقتا، ليُطمئن نفسه كما قال، تغلبه الدموع وهو يعترف "اخاف من بكرا، اخشى على مستقبل اولادي. وماذا لو حصلت مشكلات امنية في لبنان الى اين عسانا نذهب".


لدى ابو عدي، كل الاسباب "ليخاف من بكرا". فالرجل الذي كان موظفا حكوميا في سوريا، ابنته تدرس الهندسة الزراعية في الجامعة، وابناؤه الثلاثة بين المدارس وتعلم صنعة، يسكن مع زوجته واولاده في حارة من حارات الشام، ويملك في بلدته في القلمون الشرقي منزلا في مبناه المؤلف من طبقتين ومحال تجارية، اضحى لاجئا معدما في لبنان، بعد سنتين ونصف السنة لا حيلة له على هذه الدنيا التي يأمل ألا تجور عليه اكثر، فتبقيه بمأمن من "الحكام والحكما" اي الاطباء.


عندما جاء ابو عدي مع عائلته الى لبنان، سكنوا بداية في شقّة في المدينة الصناعية لزحلة، ببدل ايجار 300 دولار شهريا، ومن ثم انتقلوا للسكن بشقة في مبنى في السهل ما بين زحلة والدلهمية لقاء 250 دولار في الشهر، وعندما استهلكت العائلة ما احضرته معها من مدخرات، راح يراسل من بقي في بلدته ليبيعوا له اثاث منزله ومقتنيات العائلة، الى ان لم يعد لديهم ما يبيعونه. حينها حصل اكثر ما تخشاه تلك العائلات التي كانت تنتمي الى الطبقة الوسطى في سوريا، طبقة الموظفين سكان المدن، فقد اضطر ابو عدي وعائلته للانتقال والعيش في خيمة.


وفي خيمته التقيناه، خلال جولة نظمتها منظمة Medair السويسرية للصحافيين، لمناسبة اليوم العالمي للاجئين. وتعمل الجمعية منذ 2012 في لبنان الى جانب اللاجئين السوريين، في تحسين ارضية المخيمات، وتوزيع حصص الايواء من اخشاب وشوادر وعدّة بناء للخيم، الى متعلقات النظافة العامة من حمامات وخزانات مياه وفلاتر للماء، وتساهم المنظمة في توفير الخدمات الصحية، كما انها تعدّ خرائط رقمية للمخيمات تستعين بها كل الجمعيات العاملة في مجال الاغاثة، على ما اوضحت المسؤولة الاعلامية في المنظمة هبة فارس، مشيرة الى ان Medair تعمل في اكثر من 900 مخيم من اصل 2178 مخيما في البقاع الغربي وفي البقاع الاوسط وفي البقاع الشمالي باستثناء عرسال. وقد كان لافتا ما اوضحته فارس بان عدد المخيمات في البقاع ليس نهائيا، فهو يتزايد بشكل يومين على ما تظهره جولات فريق المنظمة. وقد لاحظت فارس تزايدا في اعداد العائلات السورية التي تضطرها ظروفها الى ان تنتقل من العيش في شقق او غرف مستأجرة الى الخيم. وتقول بأن "ما كان مستحيلا بالنسبة لتلك العائلات، اصبح واقعا لا مفر منه. بعد مضي 4 سنوات على الازمة في سوريا، صرفت هذه العاائلات كل مدخراتها وهي تفتقر الى مداخيل تسعفها على دفع بدلات الايجار ونفقات الحياة اليومية".


لقد امنت Medair لابي عدي الاخشاب والشوادر مجانا، ما سمح له ببناء خيمة وسط مخيم جنب الليطاني بعد استئجاره فسحة لخيمته لقاء مليون ليرة شهريا. في الليالي الاولى لتحولهم الى سكان الخيم، كانت ام عدي تستيقظ مرتعبة كلما سمعت صوتا من الخارج الذي لا يحول بينها وبينه سوى شادر.
اكتظاظ المخيمات، وتلاصق خيمها يفقد ساكنيها كل خصوصية، والتشارك بمساحة محدودة مع عائلات اخرى آتية من بيئات مختلفة، ومجاورة نهر "الليطاني" بروائحه الكريهة، كلها هانت عند ابو عدي عندما وجد ان السكن في المخيم يعني ان تضطر زوجته وابنته للعمل في الارض مع شاويش المخيم. كان ابو عدي يسلب آخر القيم التي يعرّف نفسه بها. لذا عندما سقطت الخيمة تحت وطأة الثلج "جاءت شحمة على فطيرة"، فانتقلت العائلة الى جوار المبنى التي كانت تستأجر فيه شقة، ولقاء 500 الف ليرة بالسنة استأجرت فسحة، وبنت لنفسها خيمة بما وفرته لها Medair مجددا من اخشاب وشوادر.


في هذا المبنى كانت تسكن 5 عائلات لاجئة سورية الى جانب عائلة ابو عدي، واحدة انتقلت الى محلة الفاعور في البقاع، واخرى الى بيروت، و3 عائلات عادت الى سوريا. ومثلهم عاد ابو عدي مع عائلته الى سوريا، بالطريقة نفسها التي كان قد اتى بها الى لبنان، خلسة عبر عرسال. في سوريا وجدت العائلة ان بيتها مدمر بالكامل، فاستضافها خال ابو عدي، واحتفلت العائلتان بعقد قران الابنة عفراء التي كانت تدرس لتصبح مهندسة زراعية على ابن خال والدها مهندس الميكانيك.


لكن البقاء في سوريا كان مستحيلا، فأبو عدي كان قد هرب بأبنائه حتى لا يحملوا السلاح عنوة في صفوف الجيش السوري، ولا اختياريا في صفوف الجيش الحر. وهكذا عادت العائلة ادراجها الى لبنان، انما بطريقة نظامية، باستثناء الابنين اللذين باتا راشدين بما يعقّد دخولهما الى لبنان. وبعد ان رشت العائلة كل الحواجز الامنية التي عبروها في سوريا حتى لا يتم توقيف ابنيها، دفعت مبلغ 500 دولار لتاكسي ادخل الشابين خلسة الى لبنان عبر الالتفاف بطريق جبلية خلف نقطة المصنع الحدودية. عالم الشابين، (21 و 19 سنة) ضيق جدا في لبنان، غريبين لا اصدقاء لهما ولا اقارب، لا يتعاطيان مع احد وينتقلان بحذر لان اقامتهما غير قانوية، في كل حال تقتصر رحلاتهما الى مستديرة زحلة حيث ينتظران من يستخدمهما بالاجرة لعمل ما. فالعائلة جرى شطبها، بعد شهر واحد من تسجيلها لدى مفوضية الامم المتحدة للاجئين التي لا تنفك تقلص خدماتها. فلا تستفيد العائلة سوى من الطبابة على نفقة الامم المتحدة، وهكذا ولدت عفراء ابنتها شام، التي لم يرها والدها بعد رغم بلوغها 3 اشهر لانه غير قادر على دخول لبنان بشكل نظامي.


على الارض يا حكم اضحت عائلة ابو عدي، التي يعيش افرادها السبعة اليوم في خيمة هي عبارة عن غرفة وحيدة، دفتّها العائلة بصناديق من الكرتون ليعزلوها من الحر والبرد والحشرات، وفرشت سجادا وحصائر فوق التراب ارضية للخيمة بدل الباطون الذي لا تملك ثمنه.
يقول ابو عدي بان كل جمعيات الاغاثة، ومن بينها منظمات الامم المتحدة، لا تقبل سوى بمساعدة من يعيشون في المخيمات، وتنسى من هم الاكثر حاجة للمساعدة هؤلاء الذين يخفون عسرهم وراء جدران باطون الغرف التي يستأجرونها. وكأنه على السوري ان يفضح حتى يستر بمعونة او مساعدة.
اما المسؤولة الاعلامية في Medair هبة فارس فانها توجه نداء الى المجتمع الدولي، في اليوم العالمي للاجئ "إن وضع اللاجئين السوريين يتدهور من سيئ الى اسوأ بعد مضي اربع سنوات، والازمة مستمرة وتتفاقم، فلا تنسوهم".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم