الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مصر المحجّبة

محمود الزيباوي
مصر المحجّبة
مصر المحجّبة
A+ A-

في الشهر الماضي، دعا الإعلامي المصري شريف الشوباشي السيدات والفتيات إلى خلع الحجاب خلال تظاهرة عامة بميدان التحرير في يوم من الأسبوع الأول من شهر أيار. فشلت هذه الدعوة فشلاً ذريعاً، ولم تلق أذناً صاغية، غير أنها أثارت عاصفة من الردود المتواصلة، وأعادت إلى الواجهة تحوّل المجتمع المصري في العقود الأخيرة، وانتقاله من السفور إلى الحجاب بشكل شبه كامل.


في العام 1928، تحت عنوان "السفور والحجاب"، كتبت مجلة "المصور" المصرية: "أهدت إلينا حضرة السيدة الفاضلة نظيرة زين الدين، من أديبات سوريا الناهضات، كتاباً وضعته أخيراً واختارت له اسم "السفور والحجاب"، وهو مجموعة محاضرات ونظرات مرماها تحرير المرأة والتجدد الاجتماعي في العالم الإسلامي، والكتاب يدل على مقدرة المؤلفة التي ترى هنا صورتها". صاحبة الصورة هي في الواقع آنسة لبنانية من قرية عين قني الشوفية، ابنة سعيد علم الدين، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في الجمهورية اللبنانية. ولدت في العام 1907، تلقت علومها في مدرسة راهبات مار يوسف في بيروت، ثم في مدرسة راهبات الناصرة التي تخرجت فيها العام 1926، والتحقت بالجامعة الأميركية في العام التالي، وواصلت دراستها في الكلية العلمانية الفرنسية في العام نفسه، وحازت شهادة البكالوريا الفرع العلمي في العام 1928. بعد ذلك، حاضرت نظيرة زين الدين حول تفضيل السفور على الحجاب في الجمعية الأدبية العربية التي كان يرأسها تقي الدين الصلح، واشترطت يومها دخول السيدات والآنسات الى القاعة سافرات، ثم شاركت في نشاطات عدة في هذا المجال، ووضعت كتابأ ضخما من أربعة أقسام حمل عنوان "السفور والحجاب".
جاء هذا الكتاب بعدما تظاهرت مجموعة من النساء الدمشقيات في ساحة المرجة رفعن فيها الأغطية عن وجوههن، صيف 1927. إثر هذه التظاهرة، حُرمت النساء من الخروج من دون نقاب الوجه، مما دفع نظيرة زين الدين إلى تأليف كتابها، وهذا ما تشير إليه صراحة في مقدمته حيث تقول إن "ما حدث في دمشق من ضغط لحرية المسلمات ومنع لهنَّ من السفور والتمتّع بالهواء والنور"، حملها لتناول القلم لتُظهر ما في نفسها من ألم.
أثار هذا الكتاب سجالاً واسعاً، وانقسم الناس في تقييمه. شنّ المتشددون حملة على المؤلفة في المساجد، وهدّدوها بالقتل، ونشروا سلسلة من المقالات والكتب والقصائد اتهموها فيها بالتعامل مع الارساليات والاستعمار، والسعي إلى إفساد العائلة وتفكيكها. وضع الشيخ مصطفى الغلاييني كتاباً عنوانه "نظرات في كتاب السفور والحجاب المنسوب إلى الآنسة نظيرة زين الدين"، وقال في المقدّمة: "ما كنتُ جاهلاً أمر هذا الكتاب، ولا من كان يكتب فصوله، ويُصحّح أمثلته في المطبعة. فقد كنتُ أعلم أنه اجتمع على تأليفه المسلم السني، والمسلم الشيعي، والنصراني، واللاديني". ردّت المؤلفة الشابة على هذه التهمة بتأليف كتاب ثانٍ حمل عنوان "الفتاة والشيوخ". في الجهة المعاكسة، حظي "السفور والحجاب" بردود ترحيبية من كتّاب وأدباء وشعراء عرب كبار، منهم رشيد سليم الخوري الذي وصفه بـ"كتاب الجيل"، واسماعيل مظهر الذي رأى فيه "أقوم كتاب أصدرته امرأة شرقية". في مراجعة مميّزة نُشرت في مجلة "الهلال"، رأى الشيخ علي عبد الرازق أن مصر "اجتازت، بحمد الله، البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ"، أما السوريون، "فيلوح أن للسفور والحجاب عندهم تاريخًا غير تاريخه في مصر، فهم لم يتجاوزوا بعد الطور النظري الذي بدأه بيننا المرحوم قاسم أمين منذ أكثر من عشرين سنة. ولكنهم على ذلك يسيرون معنا جنبًا إلى جنب في الطور الجديد الذي نسير فيه، طور السفور الفعليّ الكامل الشامل".
يشير الشيخ علي عبد الرازق هنا إلى دخول مصر المبكر في معركة الحجاب في مطلع القرن العشرين، وتبنّيها السفور قبل الدول العربية الأخرى. أصدر عبد الحميد حمدي في القاهرة صحيفة حملت اسم "السفور" في العام 1915، وتحولت هذه الصحيفة إلى منبر لأعلام النهضة المصرية على مدى ثلاث سنوات، وكان أبرز هؤلاء الشيخ مصطفى عبد الرازق وشقيقه علي عبد الرازق وطه السباعي. صدم اسم هذه الصحيفة الذوق العام وأثار حفيظة الكثيرين، واستهدف صاحبها بكثير من المطاعن. ردّ الشيخ مصطفى عبد الرازق على هؤلاء في مقالة عنوانها "نقد السفور"، وقال: "لا يريد أنصار هذه الصحيفة أن ينكروا أنهم جميعاً من أعوان الدعوة إلى حرية المرأة، ولكنهم يريدون أن يفهم الناس أن للسفور معنى أشمل مما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الكلمة التي جرت بها أقلام الباحثين في مسألة المرأة المصرية. وإن هذه الصحيفة تريد أن تكون مظهر التقدم الفكري في هذه البلد ومضمارا لكل دعوة حرة صالحة".


انتصار السفور
جسّد عنوان هذه الصحيفة تحولاً كبيراً في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ظهرت معالمه الأولى في ثورة 1919. في العام 1920، عادت هدى شعراوي من فرنسا بصحبة ابنتها وزوجها على متن الباخرة التي ركبها سعد زغلول، وعند وصولها إلى المرفأ، نزلت الأم وابنتها سافرتي الوجه أمام الجموع التي احتشدت لاستقبال الزعيم سعد، ورفعت من يومها الحجاب، وسارت على مثالها الكثيرات من سيدات ذلك الزمن. في العام 1923، تجاوزت "أم المصريين" صفية زغلول التقاليد وظهرت في مجلة "اللطائف المصورة" مكشوفة الوجه، مما دفع صحيفة "أبو الهول" إلى انتقادها بشدة. في آذار 1925، شهدت القاهرة ولادة "اللجنة السعدية للسيدات"، وكان هدفها انتزاع حقوق المرأة بالسلم. انتصر السفور في الثلاثينات، ومع انتصاره بدأت المرأة تخوض سلسلة من المعارك "لتشترك في توجيه الحياة الحديثة، وبناء العالم من جديد" كما كتبت بنت الشاطئ في مجلة "الهلال". كشفت المرأة المصرية عن وجهها، ثم كشفت عن شعرها، بعدها لبست المايوه، ونزلت إلى البحر، وخصصت المجلات المصرية ركناً خاصاً لتتبع أخبار "عرائس الصيف".
في العام 1936، انشأ مدير بلدية الإسكندرية "بلاج السيدات" بسيدي بشر. فشل هذا البلاج، ولم يلق ما كان يؤمل له من نجاح. نقلت مجلة "المصور" اعتراضات بعض السابحات على هذا المشروع، وقالت في الختام: "هناك آراء أخرى متطرفة جاهرت بها بعض الفتيات ومنهنّ كريمات أصحاب معالي وطالبات في الجامعة أمسك عن ذكرها، وإن كانت كلّها تدور حول التقدم والتطور ووجوب الاختلاط". بالتزامن مع إنشاء مدير بلدية الإسكندرية "مسبحاً السيدات"، تقدم احد النواب بمشروع قانون يلزم المرأة أزياء معينة على البحر، وأثار هذا المشروع حفيظة البعض، منهم إيريس حبيب المصري التي كتبت مقالة طالبت فيها بالمساواة بين حقوق الرجل وحقوق المرأة، ودعت إلى "التخلص من التقاليد الضيّقة"، وأردفت في الخلاصة: "أصبح طبيعيا أن يتنزه الشباب، ذكوراً وإناثاً على الشواطئ وهم في ثياب أقرب إلى العري منها إلى التستر، دون أن يطرأ على بال أحد فكرة الشر، ولا تطرأ فكرة الشر على الأذهان إلاّ حين ينبري مثل هذا العضو المحترم ويندب الأخلاق الضائعة ويتنبّأ بالفساد والشر، لأن الشاب والشابة على شاطئ البحر لا همّ لهم إلا اللهو والمرح والتمتّع بالبحر".
واصلت المرأة المصرية معركتها في الأربعينات. في العام 1944، وُلد "الحزب النسائي الوطني المصري" على يد مجموعة من النساء، وكان هدفه الأول المطالبة بحق المرأة في الانتخابات وفي تمثيلها في البرلمان، غير أن البرلمان المصري رفض الاعتراف بهذا الحق. بعد عامين، عقدت "رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية" مؤتمراً طالبت فيه بحقوق المرأة السياسية. تحدثت لطيفة الزيات في هذا المؤتمر وقالت: "لقد قمنا بحركتنا في اكتوبر عام 1945، وانضمت إلينا الفتيات المثقفات. وفي غدنا سنضم النساء المصريات، فلاّحات وعاملات. إننا نودّ أن نردّ على أولئك الذين يزعمون أن المرأة لا تستطيع أن تجمع بين واجب بيتها وواجبها كمواطنة. سنعمل على أن يكون للمرأة حق الانتخاب والنيابة والمساواة مع الرجل في الأجور والأعمال. سنمكّن المرأة من أن تلعب دورها في الإنتاج القومي".
بعد سنوات، ترأست درية شفيق "اتحاد بنت النيل" وقادت في العام 1951 تظاهرة في شوارع القاهرة توقفت أمام البرلمان المصري للمطالبة بحق المرأة في الدخول إليه. انبثقت "كتيبة بنت النيل" من هذا الاتحاد وحاصرت "بنك باركليز" البريطاني لمنع الناس من التعامل معه. انتهى العهد الملكي مع ثورة يوليو، وواصلت المرأة المصرية معركتها، فدخلت البرلمان بالانتخاب في الستينات، واقتحمت سريعاً كل الميادين.


عودة الحجاب
على مدى هذه السنوات، كانت مصر تراقب أحوال "المرأة العصرية" في تركيا وايران وسائر البلاد العربية، وتفاخر بتفوقها الحضاري في هذا المجال. تلبّدت هذه الصورة منذ الثمانينات، وانقلبت تماماً في زمننا الحاضر. في حديث نشرته "الهلال" في تشرين الأول 1925، رأت منيرة ثابت أنه "ليس فى مصر حجاب الآن، بل المصريات كلهن سافرات". في بحث ميداني شيق أُجري في العام 2010 وصدر تحت عنوان "مصر التي في خاطري"، تؤكد الباحثة دلال البزري أن المنقّبات بتن يشكلن نسبة 15 في المئة من نساء مصر، والمحجبات ثمانين في المئة، مما يعني أن السافرات قد لا تتجاوز نسبتهن خمسة في المئة. في رصدها لهذا التحولّ، تضيف الباحثة: "النساء كنّ منقّبات في أوائل القرن الماضي، ثم خلعن النقاب في ثلاثيناته وأربعيناته، ثم خلعن الحجاب في خمسيناته وستيناته. بعد ذلك مضين في السفور والبنطلون والتنورة والأكمام القصيرة. ثم عدن ثانية إلى الحجاب من السبعينات حتى الآن، وقد بدأ ينافسه النقاب. نقاب وحجاب جديدان، لا يشبهان نقاب وحجاب أوائل القرن الماضي أو ثلاثيناته". هكذا دخلت مصر في عصر "طغيان الحجاب"، وهذا الحجاب "ليس مفروضاً بالقانون بعد"، وهو "أقوى منه"، و"هو مثل الإرادة الجماعية المنجرفة بحرية نحو هدف واحد".
تؤكد المعركة التي أشعلتها حديثاً دعوة الإعلامي المصري شريف الشوباشي السيدات والفتيات إلى خلع الحجاب هذا التشخيص بشكل لا لبس فيه. تعرضت هذه الدعوة إلى هجمات ساخرة وعنيفة ومستهجنة، ولم تناصرها إلا قلة من الأصوات الخجولة. كتب عبد النبي الشحات في "الجمهورية": "عشنا وشفنا من يخرج علينا بأفكاره المريضة لإفساد المجتمع، ويتحدث إلينا بلغة العهر الفكري والسياسي، ويدعو علانية إلى مليونية خلع الحجاب في ميدان التحرير، من دون أن يدرك هؤلاء خطورة الكلام الذي يردده، ومن دون أي سند علمي أو قانوني أو حتى أخلاقي، من أن تسعين في المئة من العاهرات محجبات، وهو كلام أثار بل استفز مشاعر الملايين في البيوت، لا سيما أن الأخ شريف الشوباشي وأمثاله ممن يعتقدون أنهم يحملون راية التحضر والتمدن يرتدون للأسف أقنعة الأخوان نفسها، الذين يتاجرون بشعارات التمدن، ولا فارق بين التطرف والغلو في الفكر فكلاهما إرهاب وفتنة. لذلك فإنني أعتقد أن ما وقع فيه تنظيم الشوباشي لا يقل مطلقاً عما وقع فيه تنظيم "داعش" والأخوان، بل أشد خطورة منهما، لأنه يتحدث بلغة الحداثة والمعاصرة ويدسّ السم في العسل، غير أنها دعوات مخربة ومدمرة ممن يدعون أنفسهم النخبة المثقفة في هذا البلد".
في المعنى نفسه، كتبت أميمة تمام في "الوطن": "مع كامل احترامي لآراء الجميع ممن يهاجمون أو يؤيدون ارتداء الحجاب، فإن للدين رأياً يحترم وهو المرجعية الحقيقية، كما أنني أرى من خلال وجهة نظري المتواضعة الآتي: أولا: أنه لا داعي مطلقاً لإثارة أي نعرات عنصرية في هذه الفترة، خاصة ما يتعلق بالدين لحساسيته الشديدة وقدسيته بالطبع، وهنا مكمن المسؤولية الحقيقية للمثقفين، وهي العمل على جمع شتات المجتمع بدلاً من تعريضه لمثل هذه الهزات والقنابل الموقوتة التي تزيده انشقاقاً وتفسخاً. ثانيا: أتصور أن كل مدعي الليبيرالية الحقيقية عليهم ألا يهاجموا الحجاب إيماناً منهم بالحرية الشخصية لكل فرد بشكل عام، وبحرية المرأة بشكل خاص في ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، خاصة أننا لا نستمع لأحدهم وهو ينتقد ارتداء الملابس العارية، بل تندرج تحت بند الحرية الشخصية. ثالثاً: أعتقد أيضاً أن الحجاب قد حسم من قبل غالبية علماء الدين الإسلامي بأنه فريضة وأن إثارة هذه الموضوع على نحو يجعل منه قضية رأي عام والحشد ضده لهو أحد أنواع التجاهل والإهانة والضغط على الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية وكذلك الضرب في صحيح الدين".
في ردّ غير مباشر، قال مفتي الديار المصرية السابق الدكتور علي جمعة في حديث تلفزيوني: "حجاب المرأة لله رب العالمين وهو فرض عليها وليس رمزاً. الحجاب فرض على المرأة في كل أحوالها، يجب على كل العالم أن يستصدر القوانين التي تحمي المرأة حال ارتدائها الحجاب، الحجاب فرض داخل الصلاة وخارجها باتفاق المسلمين".
من جهة أخرى، رأى المتحدّث، أن منكر فرضية الحجاب "كافر"، وأن كفره لا يأتي إلا من خلال القاضي، وأضاف متهكّما: "واحد قال إن الحجاب مش فرض ولا أراه فرضاً وأراه تخلفاً وعادة عربية جاهلية، هذا نكر على أمر معلوم من الدين بالضرورة والمجمع عليه، وهو عند علماء المسلمين كافر خرج عن الملة، ولكن كفره لا يأتي إلا عند القاضي، لا بد حكم من القاضي". وقال في الختام: "إن العلة في تكفير القاضي لمنكر الحجاب كون المسلم لا يكفر إلا إذا أتى بكفر قاصداً عالماً مختاراً، والقاضي هو من يتحقق من هذه الشروط الثلاثة".


تدمير العقول
فشلت دعوة شريف الشوباشي، غير أنها أعادت إلى الذاكرة تاريخ انهيار الحجاب وصعوده بين مطلع القرن العشرين ونهايته. تحت عنوان "موسم خلع الحجاب"، نشرت سارة علام في "اليوم السابع" تحقيقاً رصدت فيه دخول الحجاب بشكله الحديث مع نهاية سبعينات القرن الماضي، "وتسلله ببطء شديد بين المصريات اللواتي ذهبن مع أزواجهن إلى بلدان مجاورة وعُدن بالمال وغطاء الرأس والتسجيلات الدينية الغريبة". "في مرحلة تراجع الأفكار المستنيرة وازدياد الفقر وتنامي الإحباط العام، وجد الأخوان وأنصارهم أن الفرصة سانحة ليروّجوا لآرائهم السياسية بعد أن يغلفوها بسوليفان من التدين الشكلي، فبات الحجاب إشارة إلى انتماء صاحبته، بمعنى ما، إلى التيارات المتأسلمة". في هذه المرحلة، "كان قطب الأخوان عصام العريان يفرح عندما يقف على باب مدرسة بنات، ويرى ازدياد أعداد المحجبات ويعلن: نحن نتزايد". ساهمت الدولة بشكل كبير "في السماح لهذه الجماعات بالتمدد والانتشار، وتدمير العقول، حيث بات ارتداء الحجاب مشكلة مصر القومية، وأصبحت الفتاة التي لا تغطي شعرها خارجة عن الملة، ولم يفكر، لا الأخوان ولا دولة مبارك، في أن العالم يتقدم، يخترع، يبتكر، بينما نحن نعيش في غياهب الماضي نجتر أفكارًا رددها أجداد أجدادنا منذ ألف عام. لم يناقش جميع المروجين للحجاب المسألة الكبرى: لماذا نحن متخلفون؟".
انتقلت مصر الحديثة من السفور إلى الحجاب، وباتت المعركة بين "الحجاب الشرعي" و"الحجاب العصري"، أو "الحجاب الشيك"، وتحفل الصحافة المصرية بالرسوم التي تسخر من هذا الصراع، ويأتي ذلك في زمن تصاعد الأزمة الحالية التي تشهدها العلاقات المصرية السعودية، عقب الهجوم الإعلامي المصري على المملكة. يختصر هذا الصراع رسم كاريكاتوري من توقيع السعودي عبد الله جابر نُشر حديثاً في صحيفة "مكة"، وفيه يظهر عبد الفتاح السيسي في هيئة شحاذ يحرِّض كلبه على نهش الجسد الخليجي، مدعيًا أنه في حاجة إلى أموال لإطعام هذا الكلب الجائع. هذه هي حال "أم الدنيا" اليوم، بعدما فقدت "الأمل والوثبة، وفقدت معها زعامتها التاريخية للعالم العربي"، كما تقول دلال البزري في بحثها، وهذه الزعامة "تعود إلى قرنين، عندما كانت مصر، بقيادة محمد علي باشا، ترسل البعثات التعليميّة وتشيّد الطرقات والجسور وتقيم المؤسسات وترسي لحالة طليعية وسط تأخّر يحيط بها ويتطلّع إلى التمثّل بها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم