الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سامي أفندي الشوّا أمير الكمنجة

محمود الزيباوي
سامي أفندي الشوّا أمير الكمنجة
سامي أفندي الشوّا أمير الكمنجة
A+ A-

عرف سامي الشوّا في النصف الأول من القرن العشرين شهرة لم يبلغها أي عازف من قبله ومن بعده. لُقّب بـ"أمير الكمان" وهو في مقتبل العمر، ورافقه هذا اللقب طوال حياته، ولم يرثه أحد بعد رحيله. في الذكرى الخمسين لغيابه، تعيد اليوم "مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية" اكتشاف تاريخ هذا الموسيقي الاستثنائي في كتاب صدر عن "دار الساقي" عنوانه "أمير الكمان"، ويترافق هذا الإصدار مع إطلاق مختارات من أعماله في مصنّف مؤلف من أربعة أقراص مدمجة.


في الأسبوع الأخير من العام 1965، توفى سامي الشوا في القاهرة، وبعد أسابيع، رثاه الموسيقي اللبناني سليم الحلو في مقالة مؤثرة، فقال: "مات في الشهر الماضي إمام العازفين في الشرق على آلة الكمان الساحرة عن عمر يناهز الثمانين عاماً. كان والده مثله عازف كمان، ولكنه لم يصل إلى ما وصل إليه ولده، ولم ينل ما ناله من مجد وشهرة وصيت بعيد، لأن هذا الموهوب العبقري سامي استطاع أن يقف على قدميه مع ابرهيم سهلون، ملك الكمان في ذلك الزمان، بل استطاع أكثر من هذا بكثير، استطاع أن يزاحمه ويتغلب عليه وينتزع منه ومن سواه الصدارة في المحافل ويبسط سلطانه في مصر على مختلف أنواعهم ويستولي على عقولهم. قوة فنية ضخمة سارت بسرعة ولم تلبث أن تربّعت على عرش المجد وإيوان الشهرة ونالت من دنياها ما تشتهي من جدارة واستحقاق، لأن هذه القوة العجيبة أظهرت فعلها واقتدارها في عملها المتواصل وفعلت المعجزات في عزف عجيب مليء بالجمال والكمال. إن يدَي سامي العبقريتَين هما أقوى مَن تحكّم في آلة الكمان في الشرق قاطبة، وقدرتهما لم تعتمد يوماً على ثقافة واطلاع، لكنهما تعتمدان على تلك الموهبة التي أضفى عليهما الخالق نوعاً من الرشاقة في العزف ولوناً عبقرياً في جمال التصرّف، لن يستطيع العلم والاجتهاد الوصول إليه مهما تسلّحا بالسرعة والمران".
واصل سليم الحلو مديحه، وأبرز إحدى أشهر الخصائص التي تميّز بها الشاوي، وهي محاكاة الطبيعة وإبراز أصواتها في شكل "يحمل السامع على تكذيب سمعه وعينيه"، مضيفاً: "ان سامي أول فنان شرقي أسمع الدنيا صوت العصفور، وأصوات مختلف أنواع الطيور المتباينة التغريد، وكذلك صوت العاصفة، وأبرز كله بأنامله على كمانه بصورة جلية واضحة، حتى أنه غنّى على كمانه الدور المصوري المعروف بصعوبة عزفه، وتركيب نبراته وآهاته ومدّاته". ثم نقل عن أحد الشعراء قوله في هذا العازف: "إني سمعته مرةً في حشد زاخر يشدو بمحاكاة المؤذن عند الفجر، فيخرج بكمانه للناس آذاناً شرعياً جعلهم يلتفتون يمنة ويسرة وهم يبحثون عن صوت المؤذن، وإذا بهم يعرفون أخيراً أنه كمان سامي وأنامل سامي التي تؤذن بصوت انساني سليم يفهمه أثقل الناس أذنا". بعد هذا الوصف، اختزل سليم الحلو مسيرة الشوا ببضعة أسطر، فقال: "كان سامي رحمه الله أنشط الموسيقيين المحترفين وأكثرهم سفراً شرقاً وغرباً وأرفعهم منزلةً وأوفرهم انتاجاً، ومن أعظمهم خبرة ودراية بصناعته. يمتاز فنه بالقوة الخارقة وبالقدرة الراسخة التي تجيد التعبير عن أصدق العواطف لتصل إلى شغاف القلوب، مما رفع اسمه وجعل من فنّه اسطورة وتاريخاً مليئاً بالعجب والاكبار، جديراً بالدرس والفحص والتحليل، ولعله أكثر الموسيقيين كسباً لتقدير مختلف الحكومات التي أنعمت عليه بالأوسمة الرفيعة التي كان يفخر بها ويعلّقها على صدره في كل حفل رسمي".
ختم الكاتب كلامه بالحديث عن كبار الشعراء الذين تغنّوا بفنّ الشوّا، ونقل ثلاث قصائد، أولاها "القصيدة العصماء المشهورة" التي خلّد بها أمير الشعراء أحمد شوقي أمير الكمان، وثانيتها تلك التي وصف بها الأخطل الصغير بشارة الخوري أنامل سامي، وثالثتها من نظم "شاعر القطرين" خليل مطران.


أمير الكمنجة
عرف سامي الشوّا خلال مسيرته شهرة لم يعرفها أي عازف عربي آخر، لا في الماضي، ولا في الحاضر. من العشرينات، حتى رحيله في منتصف الستينات، احتلت صوره صفحات المجلات السياسية والفنية، ووجدت طريقها إلى الصفحات الاجتماعية بشكل يثير العجب والتساؤل. كان قصير القامة، ولم يحمل وجهه أياً من سمات الحسن التقليدية، غير أنه كان نجماً بامتياز، واللافت أنه نافس بنجوميته كبار المطربين والمطربات. تطلعنا صورته منذ منتصف العشرينات مرفقةً باسمه ولقبه الذي لم يفارقه يوماً: "سامي أفندي الشوا أمير الكمنجة في مصر". في العام 1927، وصفته الصحافة المصرية بـ"رسول الفن الشرقي إلى الغرب"، ونقلت تباعاً أخبار رحلته إلى أميركا. في العام التالي، نقلت وقائع الحفل الذي أقامته جماعة من الأدباء والفنانين لتكريمه في نيسان، احتفالاً بعودته من رحلته، وأخبرتنا مجلة "الستار" أن هذه الحفلة الزاهرة كانت "أقل ما يستحقه ذلك الموسيقار النابغ، الذي أدّى رسالة الموسيقى الشرقية بأمانة وإخلاص ورفع علماً خافقاً في البلدان التي زارها، وفي المعاهد والمجتمعات التي عزف فيها أنغام الشرق الخالدة على قيثارته الملهمة"، وشاركت في هذا الحفل طائفة من الفنانين، منهم المسرحي جورج أبيض الذي قدّم قصيدة تمثيلية، والشاعر بديع خيري الذي ألقى شعراً زجلياً استعاد الجمهور كل بيت منه "بين هتاف الاعجاب والاستحسان"، ومطربة القطرين خيرية أحمد التي "أبدعت ما شاء لها من الإبداع"، وتبعها شاعر القطرين خليل مطران الذي ألقى كلمة صغيرة "أعقبها بنشيد وضعه خصيصاً لمناسبة هذه الحفلة". كذلك، حضرت بديعة مصابني الحفل، وتبرعت بإلقاء مونولوغها الذائع "أنا بديعة يا واد انت"، "ووقف بعد ذلك سامي الشوا يشكر المحتفلين به لكنه أجرى الشكر على الكمان فكان أبلغ مما يعبر به اللسان".
في نهاية أيار 1929، أحيت مجلة "الدنيا المصورة" لقاء مطرب الأمراء بأمير الكمان، فكتبت: "الأستاذ سامي الشوا أمير الكمان دون منازع فهو أبرع من عزف على القيثار لا في مصر وحدها بل في الشرق أجمع، لهذا كان من توفيق الله أن يشترك ومطرب الأمراء الأستاذ محمد عبد الوهاب فقد رأيناه في بضع الليالي الأخيرة يجلس إلى جانبه في تخت الغناء فيسمع الجمهور رنّات الرباب مصحوبة بتأوهات عبد الوهاب وناهيك بما يُسكر من غير راح". بعد فترة وجيزة، نشرت المجلة صورة تاريخية التقطت في ستوديو "شركة بيضافون" ظهر فيها مطرب الأمراء وأمير الكمان مع عازف القانون علي الرشيدي وضارب الرق سيد أفندي، وظهر معهم جبران وبطرس بيضا. تواصل مسلسل النجاح في الثلاثينات، حيث رصدت الصحافة أخبار الشوا في رحلة أخرى إلى أميركا في ربيع 1933، ونشرت صورة ظهر فيها أمير الكمنجة وسط جمع من "فتيات الطبقة السورية الراقية" في الحفل الذي أقامته "جمعية الكاثوليك الخيرية" في كولومبيا لتكريمه. في 1936، نشرت "المصوّر" صورة للمرحوم أنطون الشوا، "والد الأستاذ سامي الشوا أمير الكمان"، وكتبت في تعليقها أنه "كان يشتغل أحياناً على تخت عبده الحامولي، وفي الأغلب على تخت محمد عثمان". في تلك الحقبة، ذكرت مجلة "الراديو المصري" مساهمات سامي الشوا في الإذاعة، كما ذكرت مساهمات شقيقه فاضل الذي لم يحظ بشهرة تماثل شهرة أخيه كما يبدو.
في الأربعينات، تكررت الصور التي نقلت نشاط سامي الشوا الفني وظهوره في المناسبات الاجتماعية المختلفة، في مصر والعالم العربي. عاش أمير الكمان وعرف المجد في زمن مصر الملكية، وبقي اسمه حياً في زمن الجمهورية، بعد سقوط الملك فاروق، وصعود الجيش إلى الحكم. في 1953، سافر من جديد إلى أميركا في رحلة فنية مثمرة، وعاد إلى مصر. في آب 1955، أعلن أمير الكمان اعتزاله الفن "نهائياً"، غير أن ظهوره تواصل في الصحف والمجلات. وبدا أن هذا الاعتزال جاء نتيجة لإهمال الإذاعة الرسمية المتعمد له وعزوفها عن التعامل معه. في العام 1957، قيل أن غياب سامي الشوا سببه عدم تقدّمه للإذاعة "ليطلب الإشتراك في برامجها"، وردّ صالح جودت على هذا الكلام بتعليق في مجلة "الكواكب" قال فيه: "إن سامي كبير في فنه، مثله مثل طه حسين والعقاد في الأدب، وعزيز أباظه وأحمد رامي في الشعر. فهل يتصور أحد أن واحداً من هؤلاء الأعلام يطيق أن يسعى إلى الإذاعة لتذيع له شيئا؟". في العام التالي، عاد المعلّق إلى هذه المسألة، وقال: "إن الإذاعة هي التي يجب أن تسعى إلى الأعلام، فالأعلام لا يبذلون ماء الوجوه وإن هلكوا من الجوع، واليوم الذي يفكرون فيه في بذل ماء وجوههم على عتبات الإذاعة، هو اليوم الذي لا يصح فيه أن نسمّيهم أعلاماً". في المقابل، صرّح الشوا في مطلع الستينات بعدما تجاوز الخامسة والسبعين أنه يمتلك طاقة موسيقية تفوق ما كان يمتلكه، وأنّه يعمل على إنشاء معهد موسيقي شرقي يكون مقرّه حلب، غير أنه رحل بعد سنوات من دون أن يحقق هذا المشروع الكبير.
سجل سامي الشوا خلال مسيرته الطويلة مجموعة كبيرة من الأسطوانات، غير أن هذه التسجيلات دخلت النسيان، ولم تعد الإذاعة تبثّها. على رغم ذلك، بقي اسم امير الكمان حياً، وعادت الروح إليه مع اعادة اكتشاف ميراث الموسيقى العربية في العقود الأخيرة. في العام 1966، نشر فؤاد القصاص "مذكرات سامي الشوا"، وغلب على هذا الكتاب الطابع الصحافي السريع. بعد أربعة عقود، خصصت مجلة "الضاد" عددا خاصا لسامي الشوا، وتضمن هذا الاصدار عددا من المقالات حصرا لبعض إنتاجه من الإسطوانات الحجرية، إضافة إلى عدد كبير من القصائد التي قيلت في مدح أمير الكمنجة، ومجموعها ثلاث وخمسون قصيدة، منها ما كُتب بالفصحى، ومنها ما كُتب بالعامية. من جهة أخرى، أصدر "نادي الاسطوانة العربية" في باريس ألبوماً موسيقياً مخصصاً لتسجيلات سامي الشوا على الإسطوانات في العام 1999. وفي أواخر 2003، صدرت في اميركا اسطوانة حوت مجموعة من المقطوعات سجّلها سامي في العام 1953 لصالح إذاعة نيويورك.


الكمان الشرقي
تعيد اليوم "مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية" اكتشاف تاريخ سامي الشوا وعطائه المميز في كتاب مشترك صدر عن "دار الساقي" عنوانه "أمير الكمان"، ويترافق هذا الإصدار مع إطلاق مختارات من أعماله في مصنّف مؤلف من أربعة أقراص مدمجة. يمكن القول ان هذا الإصدار المزدوج يشكّل أول عمل توثيقي يرصد سيرة هذا الفنان الكبير في الذكرى الخمسين على غيابه. يتألف الكتاب من قسمين منفصلين متكاملين. يتناول الأول حياة الشوا الجتماعية والفنية، وأسلوبه وثقافته في جوانبها المتعددة، وهو من تأليف العازف والباحث أحمد الصاحي، معلّم آلة الكمان الشرقي في المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت. في المقابل، يقدم القسم الثاني نماذج تحليلية لتقاسيم الشوا وأنغامه في بحث علمي نخبوي أكاديمي، من توقيع مصطفى سعيد، مدير "مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية".
يعيد أحمد الصالحي كتابة تاريخ الشوا، مدقّقاً في ما وصلنا من المعلومات المتضاربة، ومصحِّحاً إياها. يستعرض الكاتب الجوانب الموسيقية والاجتماعية التي سبقت ولادة الشوا وظهوره فنيا، مبرزاً "المؤثرات التي ساهمت في تشكيل شخصية سامي الموسيقية". ينتمي سامي الشوا إلى عائلة كبيرة لها علاقة تاريخية بالموسيقى العربية، وقد تأثر بشكل أساسي بوالده أنطون الشوا الذي ترك بصماته على الكمان العربي بشكل عام وعلى موسيقى ابنه سامي بشكل خاص. في مدينة حلب، ظهرت عائلة الشوا، وهي "واحدة من أعرق وأهم العوائل الموسيقية الحلبية بل والعربية أيضا"، وكان لها نشاط كبير في مجالَي الغناء والعزف على مختلف الآلات الموسيقية. مؤسس هذه العائلة هو يوسف أنطون إلياس الشوا، و"كان عازفا على الكمان منذ نهاية الربع الأول في القرن التاسع عشر، واشتهر بعزفه المتقن للموشحات الحلبية"، "وقد كوّن فرقته الخاصة به التي كان جميع أعضائها من أبنائه، وهم إلياس عازف القانون وله مخطوط في الموشحات، وأنطون على الكمان، وعبود على العود، وحبيب ضارب الطبلة، وآخرهم جورج ضارب النقرزان". عُرفت هذه الفرقة العائلية باسم "نوبة الشوا"، والمعروف أنها شاركت في الاحتفالات التي تلت دخول الجيش المصري بقيادة إبرهيم باشا إلى مدينة حلب في يوم 26 يوليو 1832.
وُلد أنطون إلياس الشوا في حلب في نحو العام 1851، وتعلّم الكمنجة صغيرا، وبرع فيها. ذاع صيته بين أهل بلاده، واشتهر بلقب أمير الكمان، وورث إبنه سامي هذا اللقب من بعده. سافر إلى مصر للمرة الأولى في العام 1872، وحصد النجاح بسرعة، وكان له دور كبير في انتشار الكمنجة هناك. عاش أنطون في القاهرة لمدة عامين، وكان أحد العازفين الأساسيين في تخت محمد عثمان، كما صاحب تخت عبده الحمولي، وذلك قبل أن يظهر إبرهيم سهلون لاحقاً ليحتل مكان الصدارة في هذا التخت. في العام 1975، طاف أنطون في مصر والشام واسطنبول، ثم استقر في حلب لبضع سنوات، وفي العام 1883, تزوج من لويزا شلحت، وانتقل معها إلى القاهرة واتخذ له مسكنا في حارة النصارى المعروفة باسم باب الشعرية، وهناك وُلد له ثلاثة أبناء، سامي وجميلة وتوفيق. في العام 1889، عاد إلى حلب مع عائلته بعد وفاة أخيه عبود، وبعد عام، انتقل من جديد إلى القاهرة، وكوّن فيها فرقة موسيقية جديدة. عاد إلى حلب في العام 1892 ليستقر فيها نهائياً، لكن صلته بمصر لم تنقطع، "وفي إحدى زياراته السنوية إلى مصر، ولد لأنطون أصغر أبنائه، فاضل، الذي يعتبر آخر عازف كمنجة وموسيقي في عائلة الشوا العريقة، وكان ذلك بتاريخ 21 يوليو 1904". هكذا عاش أنطون الشوا بين حلب والقاهرة، وتوفى في العام 1914 في منزله في حلب عن عمر يناهز الثالثة والستين، وكان ابنه سامي يومها في القاهرة.
في العام 1885، أبصر سامي في باب الشعرية حيث أمضى السنوات السبع الأولى من حياته، وبدأ هناك محاولاته الأولى لتعلم الكمان. بعدها، انتقل مع عائلته إلى حلب، و"استمر في محاولاته للعزف يوميا، وأخذ بتقليد ما يسمعه من والده أثناء عزفه وتدريباته في البيت، وكان أول معلم لسامي هو جده إلياس عازف القانون، الذي أخذ بتعليمه بعض الموشحات الشهيرة في حلب". أرسل أنطون ابنه إلى الإسكافي يوسف فرّا ليتعلم حرفة يعتاش منها، وكان يوسف يهوى الموسيقى، فراح يعلّم سامي الموشحات والتقاسيم والقصائد، فاصبح ثاني معلم في حياة سامي الموسيقية. واصل سامي العزف على الكمان، وسعى إلى ترجمة لحن الأذان على كمنجته وهو في العاشرة من عمره. وفي يوم ما من العام 1895، سمعته أمه وهو يعزف هذا اللحن فقامت بتعنيفه بذريعة "أن هذا حرام". شعر الأب أنطون "أن إبنه سامي الصغير موسيقي موهوب وأنه ينبئ بولادة جيل جديد من أبناء عائلة الشوا"، وشرع بإعطائه دروساً منتظمة على الكمنجة.
في نحو العام 1897، بدأ سامي بالعزف في الأماكن العامة، وصاحب المغنية فريدة العمية وهو في الثانية عشرة من عمره، وذاع صيته في حلب ومحيطها. في خريف 1903، سافر سامي الشوا إلى مصر، وأقام لمدة سنوات في منزل خاله يوسف بك شلحت الواقع في باب الشعرية حيث رأى النور. عزف سامي في صالون ساويرس بك ميخائيل في حضور عدد كبير من رجال السياسة والأدب والموسيقى، وأثار العازف الشاب إعجاب الحضور، وانطلق بعدها ليعمل مع فرقة خاصة بمطرب مصري ناشئ يدعى حسن حويحي. ثم شقّ طريقه بسرعة، وصاحب بكمانه يوسف المنيلاوي، أكبر مطربي مصر في ذلك العصر. واصل الشوا هذه المسيرة بثقة وثبات، ورافق وهو في مقتبل عمره جميع الفنانين والموسيقيين الكبار في مصر. واستدعته "شركة جرامافون" لمصاحبة بعض المطربين في تسجيلاتهم، وكان أول من صاحبهم المطرب أحمد صابر.
يروي أحمد صالحي فصول هذه المسيرة الاستثنائية محللاً ومبرزاً اسلوب الشول في العزف وخصائصه الشرقية. من مصر، انطلق الشوا إلى العالم وأصبح "رسول الفن الشرقي إلى الغرب" كما قيل عنه في العام 1927. "رسّخ آلة الكمان في التخت الموسيقي العربي وأعطى هذه الآلة كل إمكاناتها"، "وجعلها تتكلم اللغة العربية الفصحى". "جاب العالم بكمانه وسَحَر محبّي الموسيقى من ملوك وسلاطين ورؤساء وسواد بشر، فأُغدقت عليه الأوسمة التي أثقلت كاهله الصغير". "عزف كأفضل عازف عراقي مع الموسيقيين العراقيين، وكأفضل عازف كويتي مع الكويتيين، وحاكى المزمار الصعيدي بلهجته"، "ولم يجد بابا في الموسيقى الشرقية إلا وطرقه عبر كمنجته وبنجاح"، تلك الكمنجة السحرية التي قال فيها ايليا أبو ماضي:
كمنجة الشوّا عليك السلام/ بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى/ نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها/ وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى/ في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى/ فإنّنا نشقى بدنيا الحطام

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم