السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

المثقفون أكلوا الموز!

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
المثقفون أكلوا الموز!
المثقفون أكلوا الموز!
A+ A-

فجأة، تحوّل الشتَّام مدّاحاً، والرافضُ بشتّى العبارات استضافة "هيدا حكي" ("أم تي في") ما يُعرَف بالمغنية "زيزي إم"، مُهلِّلاً لما ظهر كأنّه بطولة. صدّقت الجماهير أنّ خلف الابتذال الذي كسح مواقع التواصل، وتجنّد من أجله بعض الأقلام، غاية "ثقافية"، وراحت تُصفِّق للفكرة وصنّاعها. لكنّ شيئاً لم يتغيّر على رغم الثقافة الطارئة. غداً، إن هبَّت الى السوشيال ميديا مغنّيةٌ رديئة، لن تتوانى الجماهير عن التهييص والزحف. مشكورةٌ حملة محاربة السخافة بالثقافة، لكنّ التركيبة ركيكة. لا يتحقق النجاح، في أحيان، باتقان الدور. كلارا الهوا التي أدّت شخصية "زيزي"، ممثلة جيّدة. وإنما المسألة ضوضاء في رمّتها. لا شأن لما جرى بأي أبعاد ثقافية. الفيديو انتشر والجماهير تشرّبت المزيد من الاهتراء. أما الكشف بأنّ المسألة تمثيلية، فبدا كالأوان الذي فات. ما تحقق انقلابٌ في آراء المغرّدين. مَن ذمّ عادل كرم راح يمدحه. مشكورةٌ كلارا الهوا أيضاً. لا بدّ أنّ المهمة دقيقة، والموز لا يصنع المجد. عافاها الله، فكم تحمّلت وصبرت. نحبّذ المفاجآت والتقلّبات النفسية حين تسيطر على المتحمّس. ونحبّذ النجاح بعد جذبٍ مُتعمَّد نحو الفكرة. فخضُّ الجمهور ذكاء (بصرف النظر عن مستواه).


أما حين ترتبط أغنية الموز بالثقافة، فالرجاء التمهُّل. الموز شيء والثقافة شيء، "دونت مكس" لو سمحت. ستكون الدعاية أقلّ وطأة إن ضَمَن لنا غيارى الثقافة عدم اندفاع الجماهير نحو الرخص. هل سنقول مثلاً إنّ ما قبل الكشف عن "زيزي" محطّة، وما بعده محطّة أخرى، وإننا منذ هذه اللحظة مواطنون مثقفون؟ فاتت الحملة وضع تعريف أوضح للثقافة. هل هي الترويج لفيديو "الموز" ثم إنكاره، والقول على الملأ "أكلتوا الضرب"؟ ليست الطريق الى الثقافة قتل القتيل والسير في جنازته. رُوِّج للقذارة على مدى اسبوع واستنفرت العيون الجائعة، وبدّدت الصحافة الوقت، وها فجأة، تمسي الغاية ثقافية! أراني لا أجد تبريراً لعدم مواكبة الصفحات الثقافية الحدث الجلل. تتراءى الثقافة، هي الأخرى، فاقدة الهيبة. أبت الغاية هذه المرّة أن تُبرر الوسيلة. ظهرت بينهما فروق جمّة. "زيزي" (بقيت، وإن جرى اسقاط زيفها) وشبيهاتها لسن سبيلاً الى شيء، فما الحال حين تُزجّ "الثقافة" شمّاعةً في اللعبة؟ راقت الحملة الجماهير، فبدَّلت سريعاً مواقفها. نجحت كونها تسلية آنية زائلة. ولأنها تغيير جوّ. و"همروجة" من دون أفق. ستنسفها مغنّية تقفز من حضيضٍ ما. وتنسف الثقافة برمّتها. يُبهَج المتحمّسون بالشعارات الجديدة: "ثقافة لا سخافة"، فيصدّقون الانجازات ويصفونها بالعظمى. إننا الآن أمام أزمة: ماذا لو نبتت فنانةٌ متوجّهةً الى الجمهور (الذي يُفتَرض إنه بات مثقفاً!) بأغنية من الموز ومشتقاته، كيف نتلقّفها؟ مشاهدة الكليب وانتشاره بالسرعة القصوى، واقعان لا بدّ منهما. نخشى أنّ يُقابَل بالتصفيق الحار والمديح على الجهد، ظناً بأنّه أيضاً ضرورة من أجل الثقافة!


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم