السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سياحة في المقبرة 6

إعداد كاظم خنجر
A+ A-

في ظل الطلقة والسكين، في ظل العبوة والهاون، في ظل السيارات المفخخة وصواريخ الطائرات، في ظل الكاتم والصائت، في ظل المثقب والتيزاب، في ظل الأحزمة الناسفة وعيون المخطوفين المعصوبة، في ظل الجثث المقطعة التي غالباً ما يحدث أن تُخلَط أجزاؤها من أجل جثة تامة المظهر تُسلَّمُ إلى الأهل الذين يدركون أن الرأس هو نفسه لكن الأجزاء ليست كذلك، نتبادل أعضاءنا حتى في الموت. مفردة "الموت" ضيقة، لا ترتقي إلى ما أتحدث عنه، بخلاف مفردة "القتل" التي تأخذ بأطراف القصد.
ندور منذ ولادتنا في مفرمة الدين والسياسة. الدورة التي لا تفرمني، تفرم أخي أو صديقي أو أيّ إنسان من هذه الأرض. ما عاد يعنيني هذا كلّه، فالتمرين المتواصل عمل على تدجين غريزة الجلال في القتل الذي تحوّل إلى خبر في تلفاز أو حكاية على الغداء. أخرج كل صباح ومعي يقين أن القتل لا بد منه، نعم، لا بد منه، لأن خراطيم الإطفاء لا تأتي في كل مرة لإطفاء شيء، وإنما لبعثرة بُرك الدماء وغسل الشارع. هذا يحدث من أجل خداعنا كي نمرّ على الأسفلت نفسه من جديد. الأمكنة التي نقطنها ليست مُدناً. إنها متاحف للقتل والخراب. ما يُنقَل للدفن وهمٌ وكفن. أقصد أن الذين يُدفَنون في المقابر الأساسية ذات التاريخ الطويل، هم غير الذين يودعون في مقابر جماعية. فلكل مجزرة مقبرة جماعية أود تسميتها بالمقبرة "الديلفري". غالباً ما تُنشأ بطُرُق غريبة وفق طلبات خاصة. وقتها تلقائي ومكانها عام، فقد تجدها في الساحة العامة أو في طريق العمل أو خلف منزلك، بخلاف المقابر الأساسية المتصلة الزمان والثابتة المكان. ما جاء سلفاً، يشمل رؤية كلٍّ من مازن المعموري، كاظم خنجر، علي تاج الدين، علي ذرب، أحمد عدنان، عباس حسين، أحمد ضياء، حسن تحسين، وسام علي، وقد قررنا الآتي:
إن ما نكتبه يُقرأ في المقابر حصراً.
عدم وجود أيّ متلقٍّ حيّ خلال القراءة. الموتى هم المغزى، والقصد أن نتوحد معهم، لا سوانا ولا سواهم.
هذا ليس رثاء لأحد، إنما فضٌّ للحواجز بين الحياة والموت.


ملاحظة: كانت القراءات شعرية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم