السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

شهداء لبنان في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى

جنكيز أراوغلوا
شهداء لبنان في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى
شهداء لبنان في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى
A+ A-

تهدف هذه الدراسة بشكل رئيسي الى تصحيح الأفكار الخاطئة السائدة عند بعض الرأي العام اللبناني عن حقبة من التاريخ التركي وذلك بالاستناد الى مستندات الأرشيف العثماني وخصوصاً تلك الحقائق المتعلقة بالمجندين اللبنانيين خلال الحرب العالمية الأولى.


للأسف، بعض المؤرخين اللبنانيين لا يرون في الدولة العثمانية والمجتمع العثماني دولة أو مجتمعاً مثالياً، ووظيفتنا كمؤرخين هي إظهار حالة مجتمع معين في فترة محددة بشكل موضوعي وتسليط الضوء على طباع هذا المجتمع. ويترتب علينا شرح أحوال المؤسسات وتبيان الأسباب التي شكلت حالها. فهناك خلافات في الرأي وصراع ديني وثقافي وسياسي بين الشرق والغرب استمر لقرون عديدة. وقد ظهرت في أوروبا وللمرة الأولى حركة تدعو الى تقبل الآخر ومحاولة تفهّمه بشكل علمي، ووضعت هذا المفهوم على جدول أعمالها، وهذا ما سأحاول فعله للمرة الأولى كمؤرخ لمقاربة الأخطاء السائدة لدى بعض اللبنانيين تجاه الأتراك والتاريخ التركي.
إن تقويمنا سوف يغطي الفترة الزمنية الممتدة من عامي 1877 – 1878 للحرب العثمانية الروسية مروراً بحرب التحرير التركية عام 1922 وما جرى خلالها من معارك وعدد الشهداء من الجنود اللبنانيين الذين قضوا خلالها. وتركيزنا سوف ينصب بشكل رئيسي على عدد الشهداء الذين استشهدوا خلال الحرب العالمية الأولى وأهمية ذلك في تاريخ تركيا أو في تاريخ العالم. بالاضافة الى ما ورد نود الاشارة الى أسماء هؤلاء الشهداء الشرفاء بالاستناد الى الوثائق التاريخية بهدف توريثها بشكل صحيح الى الأجيال المقبلة.
وكون الإشارة لمناطق خارج لبنان يتطلب وقتاً طويلاً، سوف نترك ذلك الى بحث خاص آخر.
إن أسماء الشهداء اللبنانيين، مجمعة من لوائح ضحايا الحرب العالمية الاولى، الموجودة حالياً في الارشيف العثماني.
وقبل البدء بذلك، لا بد لنا من ذكر شيء عن الحقبة المتعلقة بلبنان في تلك الفترة.
إن الدولة العثمانية في أواخر عهدها أبدت اهتماماً خاصاً بسكان ولاية بيروت وكانت تصدر تقارير سنوية (سالنامة) بهذا الصدد. وهذه التقارير ركزت على التكوين الديموغرافي لسكان الولاية والمواضيع الخلافية التي كانت عالقة بشكل واضح وصريح كما هي الحال في يومنا هذا، وقدمت معلومات دقيقة حول عدد السكان والتكوين العرقي لهذا الشعب.
وقدمت الدولة العثمانية أصول الإحصاء (نظام التحرير) الذي كان معتمداً فيها من القرن الخامس عشر الى القرن الثامن عشر لتبيان عدد السكان وكان الشعب آنذاك يصنف من الناحية الدينية بين مسلم وغير مسلم ومن الناحية القانونية بين خاضع للضريبة وغير خاضع للضريبة وبين العسكري والرعايا. وكانت هذه التقارير لا تهدف الى تبيان الطابع العرقي لأي منطقة لأن الدولة العثمانية لم تكن قلقة على المسائل العرقية ولا تحمل افكاراً ومخاوف للكشف عن التركيب العرقي الذي كان متواجدا على أراضيها.
أما التقارير السنوية (سالنامة) التي صدرت في أواخر القرن التاسع عشر، فكان يتم تحريرها من قبل المسؤولين في الولاية لمعرفة عدد السكان بشكل دقيق والقوميات المتواجدة فيها خاصة مع تنامي الشعور القومي والمطالبة بالاستقلال عن الدولة وبالاخص عند المسيحيين في المنطقة. وكانت لوائح الاحصاء السنوية للولاية تغطي بشكل دقيق العدد والتكوين العرقي للمنطقة.
وخلال فترة الحكم العثماني، كان التقسيم الاداري لولاية بيروت يتألف من سناجق بيروت (جبل لبنان)، طرابلس الشام، اللاذقية، نابلس وعكا. وكان عدد السكان في هذه السناجق يبلغ 560 ألف نسمة ومساحة ولاية بيروت حوالى 30500 كلم2 في حين تبلغ مساحة لبنان حالياً 10452 كلم2 أي حوالى ثلث المساحة المذكورة. وكان عدد السكان التقريبي (حتى لو لم يكن بالامكان تحديده بشكل دقيق) في كل من بيروت، طرابلس الشام، صور، صيدا، عكار ومرجعيون يراوح بين 250 الى 300 ألف نسمة وذلك بالاستناد الى معلومات اللوائح السنوية.
أما التنظيم الاداري في الدولة العثمانية فقد أخذ في الاعتبار في تقسيمات المنطقة من قبل الدولة المحتلة بعد خروج الدولة العثمانية من المنطقة (لبنان وسوريا وفلسطين) وذلك وفقاً لتقسيمات الملكية العقارية.
وبعد ما ذكرناه آنفاً، يمكننا الانتقال الى صلب بحثنا الذي نتناول فيه وبشكل رئيسي الجنود اللبنانيين الذين استشهدوا في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الاولى.
في هذا البحث تم توثيق 2615 لبنانياً استشهدوا في ساحات القتال خلال قتالهم في صفوف الجيش العثماني، منهم من استشهد على الفور ومنهم من أصيب واستشهد بعد فترة من الزمن في المستشفيات، ومنهم من استشهدوا بسبب الصقيع أو الإصابة بأمراض مختلفة، وآخرون فقدوا خلال فترة القتال.
2615 شهيداً من ولاية بيروت، قضوا على الجبهات، تم توثيق أسمائهم وأعمارهم ورتبهم حين الاستشهاد، والمعارك التي قضوا خلالها، والجبهات التي حاربوا فيها، وتوزيعهم وفقاً للمحافظات وأسباب وفاة كل واحد منهم.
أما بالنسبة لأعمارهم فهي تراوح بين 18 سنة و48 سنة. وتاريخ ولادتهم يراوح بين عام 1280 رومي (1864 ميلادي) و1315 رومي (899 ميلادي). هناك شيء تجدر الاشارة اليه هو ان هذه الشريحة متسعة جداً وتشمل كتلة سكانية كبيرة.


تقويم الشهداء
كانت الدولة العثمانية خلال فترة الحرب العالمية الاولى وبموجب القوانين الصادرة والجارية آنذاك وفي الحالات العادية تعتبر كل مواطن عثماني اتم العشرين من العمر جندياً وتستدعيه الى الخدمة العسكرية. ويشار هنا الى ان عدد الجنود خلال فترة السلم كان يقارب 200 الف جندي. وكان يستدعى الى الوحدات الجنود من مواليد الاعوام 1307 و1308 و1309 رومي (1307 رومي – 1891 ميلادي). [لتحويل السنة الرومية الى سنة ميلادية يضاف العدد 584 اي 1307+584=1891 ميلادي].
ولكن عند اعلان التعبئة العسكرية العامة للحرب او التجنيد (سفر برلك) بتاريخ 3 آب 1914 استدعي الى جانب مواليد الاعوام المذكورة اعلان المواليد بين عامي 1291 و1306 للخدمة العسكرية الاحتياطية في 16 فئة عسكرية والى جانب هؤلاء استدعى ايضاً مواليد عام 1284 – 1290 للخدمة ضمن فئة مستحفظ (حرس المدينة).
وبهذا الشكل كان يتألف الجيش النظامي من افراد تبلغ اعمارهم حتى سنة 45 عاما، وكان يُستدعى الجميع لحمل السلاح. وقد شدد على تنفيذ هذه الأوامر بسبب الاوضاع التي كانت سائدة في تلك الفترة الزمنية، حيث كانت جبهات الحرب تحتاج الى اعداد كبيرة من الجنود.
وفي هذه الجبهات، وبسبب الظروف الصحية، كانت تنتشر الامراض السارية، ما كان يسبب الوفاة لأعداد كبيرة من الجنود، قد يفوق عددهم عدد الجنود الذين يستشهدون في ساحات القتال الفعلي.


مدير المركز الثقافي التركي في بيروت


▪ ملاحظة من "قضايا النهار": حذفت الهوامش والرسوم
البيانية لضيق المساحة.
(حلقة اخيرة الخميس المقبل)

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم