السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

يومٌ فاتن يومٌ مرّ!

المصدر: "النهار"
يومٌ فاتن يومٌ مرّ!
يومٌ فاتن يومٌ مرّ!
A+ A-

"وجه فاتن حمامة هو الشعر، هو الموسيقى، لا مثيل له، ولا بديل منه للتعبير عن معانٍ أبغيها". هكذا كان يصفها هنري بركات، المخرج الذي جعل من هذه السيدة التي فاجأتنا بخبر رحيلها عن 83 عاماً، ممثلته الحبيبة، الأثيرة، المدللة. انجز لها ومعها (وعنها؟) عدداً مهماً من الافلام التي صمدت أمام تجاعيد الزمن: "دعاء الكروان"، "الحرام"، "الخيط الرفيع"، "حبيبتي"، "أفواه وأرانب"، "لا عزاء للسيدات" و"شيء في حياتي". أفلام لا ينساها بسهولة المصريون والعرب. تعاون بركات مع ممثلات أخريات من مثل نجلاء فتحي وناديا لطفي وسعاد حسني، الا أن اسمه ارتبط باسم تلك التي عُرفت بـ"سيدة الشاشة العربية" (أطلقت عليها هذه التسمية بعد فيلم "موعد مع الحياة") وهي ظلت تبادله الرغبة ذاتها في التعاون معه.


فاتن حمامة أصبحت منذ ساعات قليلة ذاكرة سينيفيلية. سكتة قلبية حملتها الى عالم آخر. الا انها لا تزال حية في قلوب الكثيرين ممن رافقوا مسيرتها التي بدأت في أربعينات القرن الماضي. لا شك في ان السينما المصرية تذرف برحيلها دمعة لم تذرفها الا في لحظات قليلة، كيوم رحيل سعاد حسني أو أحمد ذكي. فهي كانت الارفع شأناً في الوسط السينمائي المصري، والأعلى أجراً حتى تاريخ ابتعادها عن الشاشات، والممثلة الأكثر حضوراً في الذاكرة السينمائية.
هي ابنة موظف في وزارة التعليم المصري، اكتشفت السينما في سنّ مبكرة. رؤيتها آسيا داغر على الشاشة عندما كانت في السادسة، جعلتها ترغب في التمثيل. يوم رأت المشاهدين يصفقون لداغر شعرت بأنها هي المعنية بهذا التصفيق. بدأت طفلة في "يوم سعيد" لمحمد كريم، ووقفت الى جانب محمد عبد الوهاب في "رصاصة في القلب". بعد أفلام عدة، وكانت لا تزال فتاة قاصراً، التحقت حمامة بالمعهد العالي للتمثيل. لفت تمثيلها يوسف وهبي، فأسند اليها دور ابنته في "ملاك الرحمة"، تألقت فيه وهي لا تزال في الخامسة عشرة، وعاودت الكرة مرةً أخرى مع وهبي في "كرسي الاعتراف". اشتغلت مع صلاح أبو سيف في "لك يومٌ يا ظالم"، وهو من الأفلام التي أسست للتيار الواقعي في السينما المصرية. في العام 1950، شاركت في باكورة مخرج شاب اسمه يوسف شاهين، "بابا أمين"، والتقته بعدها بأربع سنوات عندما أنجز المعلم الراحل فيلمه الشهير "صراعٌ في الوادي". نالت العديد من الجوائز، وشاركت في مهرجان كانّ أكثر من مرة. عن احدى مشاركاتها، تتذكر: "اليوم الذي تلا عرض فيلم "ابن النيل" لشاهين، خرجت الصحف تتحدث طويلاً عن الفيلم، وأسعدني أن تتحدث الصحف عن بلادنا وعن صناعة السينما عندنا حديثاً طويلاً طيباً. ولم يعد يهمني أن ينال الفيلم بعد ذلك جائزة ام لا".
بعد طلاقها من عز الدين ذو الفقار في العام 1954، تزوجت حمامة من عمر الشريف. التقيا اثناء تصوير "صراع في الوادي" لشاهين. تتمة الحكاية معروفة جداً. حمامة التي كانت ترفض التقبيل، قبّلت عمر الشريف في هذا الفيلم ووقعت في غرامه، وعاشت حلماً لم ترد له أن ينتهي! ومع ذلك، انتهى في العام 1974 بطلاق جديد. في مقابلة مع عمر الشريف في مجلة "باري ماتش" الفرنسية، قال: "منذ انفصالي عن فاتن حمامة، لم أعش مع امرأة، حتى لأسبوع واحد. لم أحبّ سوى مرة واحدة في حياتي. ليس لأني لم أكن مهيّأ للوقوع في الحب ثانية، بل لأن ذلك لم يحصل. تزوجت في عمر الحادية والعشرين، وبقيت مع زوجتي أربعة عشر عاماً. كنت في عمر شاب جداً. طلّقت لأني غدوت مشهوراً وكنت أعيش في الخارج وألتقي نساء رائعات. علمت أني سأتألم إن لم أستسلم للإغواء. فكرت أنه من الأفضل أن أترك زوجتي في ذاك الحين طالما انها كانت لا تزال شابة ويسعها اعادة بناء حياتها".
في العام 1993، اضطلعت حمامة بدور البطولة في فيلم داود عبد السيد، "أرض الأحلام". قصة نرجس التي تستعد للهجرة الى أميركا لتلتحق بأولادها، لكنها تفقد جواز سفرها قبل السفر بساعات، وعليها أن تعثر عليه في الأماكن التي ذهبت إليها. يقول عبد السيد إن دافعه كان انجاز فيلم لفاتن حمامة. "العمل معها يعني التعامل مع جزء من تاريخ السينما المصرية. أشعرني ذلك بشرف ما. كنّا اتفقنا على مشروع معاً وحاولتُ أن أعثر لها على موضوع يلائمها، وفي ذلك صعوبة سواء لطبيعة السنّ والشخصية أو لذوقها وقبولها بالموضوع. الى أن عثرت على الفكرة وأعجبتها وبدأنا العمل على السيناريو مع كاتبه هاني فوزي، وهو أول عمل يكتبه للسينما. وتغيّر الموضوع كثيراً بين أول نسخة قرأتها السيدة فاتن والسيناريو الذي تم تصويره. صحيح اني كنت ابغي فيلماً لفاتن حمامة، انما لي ايضاً، ان تظهر فيه شخصيتي".
من أهم الأفلام التي مثلت فيها أيضاً: "يومٌ حلو يومٌ مرّ" لخيري بشارة. في إحدى المرات، كتب عنها صالح جودت: "استطاعت فاتن، منذ اليوم الأول لظهورها وهي شابة، أن تحقق أجمل الأحلام. لقد شهدنا عشرات الفتيات يلمعن ثم ينطفئن، وعشرات ينطفئن ثم يلمعن، ولكن فاتن بقيت في وسط هذا الزحام لامعة دائماً، براقة بريقاً يأخذ بالقلوب والألباب، حتى يُخيّل إليّ أنها لا تستطيع السقوط".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم