الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

وقت لا نجد معلمين ناجحين!

سمير قسطنطين
A+ A-

في زمنٍ ليس ببعيد، لعلّه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ماذا كنّا نتوقّع من معلّم المدرسة؟
لم تكن المدارس تتطلّب من هذا المعلّم سوى أن يكون مرجعيّةً في مادته أي مصدر المعلومات الأساس في الصف، وأن يكون صوته جهورياً، وأن يتكلم طيلة الوقت، فيما التلامذة يدوّنون الملاحظات. وإذا أثار تلميذٌ الفوضى في الصف؟ كنا نتوقع من المعلم أن ينهرَه أو يطردَه من الصف أو يضربه مُنهياً بذلك كل حالات الفوضى. هذا ما كان مطلوباً ومتوقَّعاً.
في ذلك الزمن، كان في إمكان المدارس، وبسهولة، أن تجد معلّمين كفوئين بمقاييس ذلك الوقت. أمّا اليوم فقد تغيّر واقع الحال إذ باتت المدارس تطلب من المعلمين، وحسناً تفعل، أن يمتلكوا مهارات أكثر تنوّعاً ومجاراةً للزمن الحاضر. باتت المدارس تطلب من المعلّم أن يمتلك مهارات التواصل كلّها من الصوت المسموع إلى المخارج السليمة للحروف، إلى التواصل الإيجابي، وتحديداً مع التلميذ وأهله، حتى عندما يُستفزُّ هذا المعلّم.
ولأن صديقنا الــ Google بات حاضراً في حياتنا وبقوّة، وبالتالي لم يعُد المعلّم المصدر الأساس أو الوحيد للمعلومة، باتت المدارس تطلب من المعلّم أن يعزّز مهارات البحث لديه وذلك لكي يبقى مواكبا للتجديد أي Up To Date، وأن يساعد تلامذته على اكتساب هذه المهارات أيضاً لكي يهيّئهم للدراسة الجامعية لاحقاً.
وباتت المدارس أيضاً تطلب من المعلّم أن يمتلك مهارات إدارة العمل الفريقي لكي يكون قادراً على إدارة النقاش الجماعي للتلامذة في الصف وعلى تنظيم عمل المجموعات للتلامذة. فالمناهج الجديدة، التي لم تعُد جديدةً، تتطلّب من المربّين إدارة حلقات عملٍ فريقي بين التلامذة.
وكذلك باتت المدارس تطلب من المعلّم أن يتمتّع بمهارات الإدارة الصفيّة وأن يُسقط من حساباته أيّ احتمال لتعنيف أي تلميذ أثناء إدارته للصف، أكان التعنيف جسدياً أم كلاميّاً أم نفسيّاً. أي أن المدارس باتت تريد من المعلّم أن يكون جذّاباً ومتحرّكاً طيلة الوقت أي animator وكاريزماتياً لكي يجذب التلامذة ويأسر انتباههم ويريحهم، فالضرب ممنوعٌ والتخويف مرفوضٌ والإهانةُ غير مقبولة.
أين تكمن المشكلة إذاً؟ تكمن في أن الإنسان الذي يمتلك كل هذه المهارات، من مهارات التواصل إلى مهارات العمل الفريقي إلى مهارات الــ Animation، إلى مهارات التحفيز إلى مهارات البحث أي الــ Research، إلى مهارات إدارة الصف بِبُعدٍ علائقي جذّاب، بات "سعرُه" - إذا جاز التعبير - في سوق العمل المحلّية والعربية عالياً جداً، فلماذا يذهب إلى القطاع التربوي إذاً والأجور فيه متدّنيةٌ ؟
لذا أخشى أن تصل المدارس خلال عشر سنوات من الآن إلى مرحلة تُضطر فيها، وبسبب الأجور المتواضعة في حقل التعليم، إلى أن تقبل بمن هو دون المطلوب من المعلّمين، لأنّ الشخص الذي يتمتّع بالمطلوب سيجد لنفسه فرصَ عملٍ كثيرة في قطاعات أخرى غير التعليم والتي ستدرّ عليه مداخيل أعلى. أخاف أن تُضطر المدارس إلى القبول حينها بالصف الثاني والثالث وحتى الرابع من المرشحين لوظائف التعليم.
يقول أصدقاؤنا الأميركيون The Second Best is not Good أي أن ثاني أفضل شيء ليس جيّداً. فهل نصل إلى وقت لا نجد فيه معلمين ناجحين؟


مدير مؤسسة وزنات

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم