الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا بقي من بيت سلام الراسي؟

فرحان صالح
A+ A-

كان سلام الراسي واحدا من رعيل مزروع في سهول الجنوب وممتد في حواضر المزارعين، وهو كما غيره من المثقفين والادباء الذين تخرجوا في مدارس ومعاهد قراهم، اكتسب مضامين آدابه "آداب الناس" من العقول والايدي التي تزرع السنابل، مثلما تزرع أشجار الزيتون والفاكهة. كذلك من الريحان ومن أفواه الحوامل اللواتي ينجبن أطفالهن ليبذروهم في الحقول التي يعيشون عليها ويقتاتون منها.
كان الراسي امتدادا لبيئة غنية حمل من مخزون حكاياها وتراثها أمثلة وحكما وتجارب هي حصيلة مؤلفاته التي تجاوز عددها الثمانية عشر كتابا.
ورث الراسي، التراث الادبي، بخاصة الموشي منه، التراث الريفي الذ كان يدفع الناس للتلاقي والتعاون والحوار، وانتقد ما حل بهذا التراث وبالاقوام التي حملته. لم يرث الراسي تراث الجوامع والكنائس التي تفرق ولا تجمع، كما لم يرث ايمان الحكام "وتعاليمهم الدينية"، بل رأى في هذه وتلك الكفر ذاته. ثقافة الراسي خلاصة ثقافة أجيال تركت بصماتها بين حقول القمح والعنب وفي الوديان والسواقي وتحت ظلال الاشجار المروية بالعرق، كان يدافع عن ثقافة آبائه وأجداده ويسعى للأخذ بما هو نافع منها وتطويره.
عالم الريف، كان عالمه الأجمل، وهو الذي انتقد من يهملون هذا العالم، ويسعون لإبدال ما تنتجه سواعد أبنائه بما هو مستورد ومستعار. قال متهكما على هؤلاء الحكام:
ألم تر أني أزور الوزير
وأمدحه ثم أستغفر
ويثني علي وأثني عليه
وكل بصاحبه يسخر.
كان الراسي واحدا من نخب قلقة، لكنها في قلقها تسعى لحياة مرجعيتها المجتمع الريفي وتراثه وترابه.
كان هاجس الراسي خلال العشرية الاخيرة من حياته، وهو الامين العام لحلقة الحوار الثقافي، أن يدعو الى مؤتمر يبحث فيه المشاركون في اعادة النظر في تاريخ لبنان.
لقد زرع بذورا في هذا الحقل، وما زالت مكتبته مرجعية لمن سيشاركون. لقد رأى ان استعادة التاريخ الشعبي استعادة تصويب لموقع اطمئنان ولحالات انتماء ودعم عند الحاجة الى هذا الاطمئنان وذاك الانتماء. هو من يعلن بما يدعو اليه حربا طبقية أورثتنا الفقر والجهل والفرقة.
اليوم، ونحن نتذكر الراسي ندعو الى استكمال ما بدأه "أبو علي" ودعا اليه. نعلن ان حلقة الحوار الثقافي قد بدأت التحضير لهذا المؤتمر وسيكون تحت عنوان "تحية الى سلام الراسي في غيابه". ان الحلقة بهذه التحية وبذاك التبني تكون قد حققت رغبة دفينة مات شيخ الادب الشعبي وهو يناضل لتحقيقها.
الراسي الذي كان جارا وصديقا للرئيس الحريري، بادره ممازحا حين دعاه الى عشاء في قصر قريطم المواجه لبيت الراسي قائلا: هنا مقر الحكومة وهنا بيت الشعب. لم يقل الراسي قصر الشعب، بل قال بيت الشعب.
لقد استعمال الراسي في أدبياته الكثير من التعابير التي تصلح أن تكون محاور للمؤتمر، وهو بما استعمله سعى لتأصيل وعي شعبي يقوم على الربط بين "الذات والهوية والانتماء"، أي على تأكيد التلازم بين التراث والتراب، ورأى أن من "لا تراث لهم لا وطن لهم"، و"الويل لأمة لا جذور لها". وبهذا المعنى فالفلاحون والعمال المنتجون هم الجذور المنغرسة في التربة، هم جذور الخير ودونهم لا جذور ولا ثمر.
وأكد "أن التراث من مقومات وحدة الشعب، وهو يجمع ولا يفرّق".
تكلم الراسي بلغة الشعب، اللغة الجامعة والمعبرة عن تراث حياة اللبنانيين، لم يكتب الراسي تراث طوائف تتنازع على تراث حياة مشتركة، تراث تتنازعه هذه القبيلة او تلك، وهذا الدين مع ذاك سواء كان هذا التنازع باسم هذا الرب المسيحي او هذا الرب المسلم او اليهودي، وهو من رأى ان لغة الحكام لا جذور لها، فلغتهم سماوية مقدسة تمنع الشيعي من ان يصلي في جامع السني، وتمنع الكاثوليكي من ان يصلي في كنيسة أرثوذكسية والعكس بالعكس، فأي كفر وإلحاد هذا؟ اللغة هذه تعكس خواء الارض لا ثراءها.


فرحان صالح
الأمين العام لحلقة الحوار الثقافي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم