الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"ما تتغيّري... خلّيكي هيك"

ألين موراني
"ما تتغيّري... خلّيكي هيك"
"ما تتغيّري... خلّيكي هيك"
A+ A-

5 آب 2004. وصلتُ وزميلتي مَيْ اليان إلى مبنى "النهار" الجديد في ساحة الشهداء لمعايدة "الإستاذ" في عيد "النهار". كان هناك بقامته الطويلة وأناقته المعهودة، يشرف على التحضيرات اللوجستية والتقنية حتى لا تؤثّر "النقلة" من الحمرا إلى وسط البلد، في 21 منه، على سير العمل. استقبلنا بابتسامة عريضة ومازح مَيْ التي كانت حامل بابنتها ياسمين.


انتبهت مَيْ لارتباكي الجَلِيّ فعرّفتني إليه... تلمع عيناه ويبتسم، وبعفوية محبّبة يقول لي: "إنتِ اللي بْتَعْمليلي مَشاكل؟". ارتحت لتعليقه لكن لم أستطع إخفاء احمرار وجهي... أضاف مربّتاً على كتفي: "خليكي هيك، ما تتغيّري".
أربع كلمات ما انفكّت تتردّد كرجع صدى في نفسي وتلازمني كالوصيّة في كل ما أفعل في حياتي المهنية والشخصية، طالما لم أتخطّ الحدود المهنية والأخلاقية. حينها، فهمت انه يقول لي "لا تخافي أنا إلى جانبك". في تلك اللحظة، شعرت بالدفء وان "إستاذ جبران" يحميني ويقدّرني ولمست لمس اليد هذا الإحترام وهذا الدعم الذي يقدّمه لصحافيي المؤسسة والذي طالما سمعت عنه.
كان فرحاً بالمبنى الجديد، ولم يتركنا، مَيْ وأنا، حتى عرّفنا الى طبقاته الثلاث، غرفة غرفة، شارحاً لنا فكرة التصميم والطموح المهني الذي يبغي تحقيقه من خلال التسهيلات والبرامج المتقدّمة الموضوعة في تصرّف الصحافيين. كان فرحاً وفخوراً بما أنجز وكنّا فخورين به وسعداء لسعادته. ليس هذا كل شيئ... في ذلك اليوم، وهي تجربتي المباشرة الأولى معه، ترك كل زوّاره وتكبّد عناء البحث عن مكتب كل واحدة منّا الذي اختاره بنفسه لها!... وودّعنا إلى الباب الخارجي.
كنت التقيت به بضع مرات قبل هذا التاريخ في المصعد، أيام "النهار" في الحمرا. يدخل، يلقي التحية، أجيب بصوت خفيض. كان حضوره طاغياً بهامته، وأناقته كذلك لافتة دوماً ويحمل هاتفه النقال المتطور. يقف المصعد عند الطبقة السادسة حيث القسم الثقافي الذي كنت أعمل فيه، يبتسم ويودعني ثمّ يتابع صعوده حتى الطبقة التاسعة حيث مكتبه.
أخرج ونَفَسي يكاد ينقطع من شدة التأثّر في المصعد. هو الرجل الذي أعرفه من زمان، كمثل شباب كُثُر شعرنا في زمن الغضب الشعبي على كل محتل ان هناك صحافياً شجاعاً وشاباً جريئاً يتحدّث باسمنا ويدافع عن قضيتنا ويثق بأنّنا قوة التغيير. كان ذلك قبل ان أختار الصحافة مهنة و"النهار" بيتاً وعائلة.
مع مرور الوقت واختلاطه المحبّب معنا في قاعة التحرير المفتوحة في المبنى الجديد، اكتشفت فيه ميزات مضافة الى تلك التي يتمتع بها المدير الجيّد عادة: يصل "أول واحد" إلى العمل ويخرج "آخر واحد"، فتعيش معه لذة العمل، خصوصاً إذا صدف وكلّفت بمهمة صحافية وكان هو حاضراً. يميّزك ويمرر ما لديه من معلومات ويسأل: "عايزة شي بعد؟"... "يا الله يا إستاذ".
ديموقراطي، عادل، يدافع عن حقوق الصحافيين داخل المؤسسة وخارجها، ويستميت دفاعاً عن الحرية الصحافية في التعبير قولاً وفعلاً. وبالنسبة إلي، منذ اليوم الأول لدخولي إلى "النهار" في 21 آب 2001، شعرت بأني "بنت النهار".
في 12 كانون الأول 2005، اغتالوكَ يا "إستاذ"... استمرّت "النهار" وتستمر... لكن صقيعاً، ما فتئ ينخر في العظم ويمتد ويتسع على مساحة القلب والجسد، يخنق الصوت... ومنذ رحيلك، غاب شعوري بالحماية والأمان والعدل!... إستاذ جبران "اشتقتلّك".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم