الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جوائزه وميدالياته زينت صدر الفتاة السبعينية

زكية النكت رحمة
جوائزه وميدالياته زينت صدر الفتاة السبعينية
جوائزه وميدالياته زينت صدر الفتاة السبعينية
A+ A-

لو لم يأت ذلك الإثنين. لو ان الساعة التاسعة إلا خمس دقائق لم تدق، لكان عمره اليوم 51 عاماً. ولكان عدد جوائز "النهار" ازداد. وبين أكوام الحزن والأوسمة التي استحقها وجع. والوجع الأكبر ان يطفىء الزملاء شموع جبران تويني، وان يتحلقوا حول شهادات التقدير التي حصدها، وأن يشربوا الكأس مرة.


كان يؤمن بأن القلم سلاح، والصحافة جيش، والكلمة درع. فكان يضع الرصاصة (التي اخترقت مكتب والده) بجانب القلم مؤكداً ان القلم أطول. ولأن قلمه لم يرتجف، ولم يصغر، ولم ينحل، تحولت ريشته جائزة تعود سنوياً مع غصة له، للصحافة، ولجبال الحزن!!!
مبنى "النهار" يغص بالجوائز والميداليات التي حصّلها الرجل الإستثنائي، فإلى أي فضاء استثنائي يمكن أن تقودنا؟
كانت "النهار" قد شارفت السبعين عندما احتضنها جبران. ناهزت السبعين وما زالت شابة حسناء، لم تنحنِ لها قامة، ولم يبح لها صوت، ولم تعرف التجاعيد إلى وجهها سبيلاً، فأهداها جبران أجمل الحلي وعطّرها بما لذ وطاب من حبر الأقلام. حوّل حبرها من فحم إلى ألماس، ودار بها في العواصم مطلاً من أعلى المنابر. فأغنى خزائنها بأحدث الأثواب، وازدادت جرأة وثقة بالنفس، متطاولة على كل المحرمات في أزمنة الممنوعات، تلك الأزمنة الصعبة الرديئة. فصدحت على يديه بجميل الكلام، شاهدة للحق، ومقاومة "المخرز" في أزمنة التزوير ونكران الذاكرة الوطنية الجماعية حتى الجحود، وحتى الكفر، معيداً للمصطلحات وهجها وبريقها، شابة حسناء وهي برفقته لا تقول إنها "سبعينية" فقد زيّن صدرها بأجمل الأوسمة حتى تكاثر الحساد والنمامون والخائفون من صياح ديكها، فأخذوا يلاحقون أهلها قلماً قلماً، حتى سقط جبران على عتبات بيتها شهيداً كي لا ينال أحد منها ويحول دون انبلاج الفجر.


خصوصية جبران
لم يكن سهلاً على جبران تويني، الذي شغل رئاسة مجلس إدارة "النهار" أن يحمل إسم مؤسسها الجد، وإسم والده غسان تويني عميد "النهار" ورئيس تحريرها منذ عقود. لذا كان لا يؤمن بالإرث إنما بقابليته للتطوير، فكان صادقاً مع نفسه وقرر أن يخوض نجاحات شخصية لا يمكن إلا أن يعترف بها الجميع. فكان منذ تسلمه رئاسة مجلس إدارة "النهار" عام 2000 صاحب خط تجديدي عصري، إنعكس على الصحيفة شكلاً ومضموناً. وتجرأ على كسر الحلقة المقفلة لكتّاب الصحيفة الأعرق في الشرق الأوسط، مدخلاً إليها جيلاً شاباً لم يزل على مقاعد الجامعة، مزاوجاً بذلك بين جريدة المثقفين التي أرادها والده، وبين الجريدة التي يحلم بها: جريدة مثقفة بأقلام شابة، أكثر إشراقاً. وكان بدل من أن ينخرط تحت جناح "النهار الأم" إرثه الشرعي، قرر أن يخوض غمار المهنة بشكل مستقل، أي من الصفر إذا جاز التعبير. فاصدر مجلة "النهار العربي والدولي" من باريس عام 1977 حتى أصبحت المجلة الأولى لبنانياً قبل إقفالها بسبب الحوادث الأهلية. ولما عاد من باريس أولى سنوات السلام خاض عملية تحديث "النهار" بعزم وثبات فنقلها من عصر السبعينات والثمانينات إلى التسعينات والألفين قبل حلول تلك الأيام، معتمداً على تجربته وسلوكه الزاخر بالثورة والإعتراض والرغبة في التغيير. كما حافظ منذ تسلمه القيادة على الديموقراطية، والتنوع في المنابر ظهر جلياً في الردود التي تنشر وتهاجمه.


الجوائز
طور جبران خطاً صحافياً فريداً، وكان سباقاً دائماً في ابتداع الأفكار، واعتماد الجرأة ومكننة الصحيفة، وجاهد في إثبات قدراته ولم يصبح مسؤولاً كبيراً في صحيفته إلا بعد 25 عاماً من العمل والمثابرة.
كما كان همه الوحيد التسويق لـ "النهار" منذ طفولته، "ففي أواسط السبعينات، وفيما كان لا يزال مراهقاً، جمع أصدقاءه وعائلته وأطلق حملة تنظيف لشوارع بيروت، ودفع الصحيفة إلى شراء المكانس وطبع شعار "النهار" على الشارات والقبعات، وتمكن من أن يصل إلى جمهور أكبر بفضل التنوع". وظل معتمداً هذا الخط، متمنياً أن ينتشر إسم "النهار" في كل مكان، حتى نجح في إيصاله إلى الخارج وخصوصاً الدول الأجنبية. ولم يكتف بذلك، بل استطاع أن يحصد لها جوائز وشهادات تقدير وإعجاب من جميع صحافيي العالم، وأن يجعلها منارة للشرق، نكتفي بتعداد الأبرز منها:
- فازت "النهار" بجائزة "أفضل الصحف الدولية لعام 1993" بعد "الفايننشال تايمس" البريطانية، متقدمة الإيطالية "كورييري دي لا سيرا" و"الغارديان" البريطانية، و"يو اس اس توداي أنترناشونال" الأميركية وغيرها. وتسلم جبران تويني ناشر "النهار" الجائزة في القاعة الذهبية في فندق "دورشستر" لندن، خلال عشاء خاص حضره ناشرون ومحررون وموزعون ومعلنون من قارات العالم الخمس والذي نظمته مجلة "ذي بيزنيس ماغازين" البريطانية ناشرة "دليل الصحافة العالمية" الذي يحوي أربعة آلاف صحيفة ومجلة بارزة ومنتشرة في العالم. وبعد توزيع الجوائز على 39 فائزاً اختيروا في التصفيات النهائية من أصل 300 مشترك من جميع أنحاء العالم، قال جبران تويني:"أهدي الجائزة إلى قراء "النهار" وإلى شعب لبنان الذي ناضل 17 عاماً ولا يزال من أجل تحقيق الديموقراطية والإستقلال والحرية"، مضيفاً أن "ما جرى في لندن اليوم هو تحية عالمية للمؤسس جبران تويني الجدّ، ولغسان تويني في عيد النهار الستين". والجائزة التي حصل عليها هي شهادة تذكارية تؤكد اختيار لجنة التحكيم، "النهار" في المرتبة الثانية، وفي فئة افضل صحيفة دولية تحريراً وإخراجاً وإنجازاً وتوزيعاً عام 1993 .
وأشارت لجنة التحكيم في تعليلها اختيار "النهار" إلى أن "هذه الصحيفة التي أسسها جبران تويني عام 1933 كجريدة يومية مستقلة في تعهدها القيم الديموقراطية، صارعت الحكومات والسلطات القائمة التي حاولت الحدّ من عزيمة استقلاليتها في زمن الإحتلال أيام قوات فيشي خلال الحرب العالمية الثانية، إلى الإضطراب السياسي والقمع في الخمسينات والستينات، فإلى 17 عاماً من الحرب في لبنان السبعينات والثمانينات بعدما تجاوزت صعوبات لا تصدق عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، وتمكنت من الحفاظ على استقلالية التغطية الإخبارية وحياديتها، والتغلب على جميع صنوف الرقابة والقمع الإعلامي". وشددت اللجنة في تقريرها على ان "النهار تفرح مع ناشرها جبران غسان تويني وحفيد جبران المؤسس، بالسلام في لبنان، وقد توسعت الصحيفة إعلامياً بسرعة لافتة في السنتين الماضيتين، ولعبت دوراً رئيسياً في الحفاظ على حرية التعبير والدفاع عنها"، مشيرة إلى أن "النهار" لم تحتجب رغم كل العراقيل، إلا بضعة أعداد.
وأضافت: "في منطقة يعتبر فيها الخطاب الحر والصحافة المستقلة عملة نادرة، لا تزال "النهار" تلعب دوراً أساسياً في المحافظة على حرية القول والدفاع عنها".
- في 4 تشرين الأول 1994 قدم الإتحاد الدولي لناشري الصحف FIEJ إلى المدير العام لـ "النهار" جبران تويني و"النهار" أرفع جائزة فخرية يمنحها، وذلك من أجل جهودهما في الدفاع عن الحريات، كما أوضح المدير العام للإتحاد تيموتي بالدينغ. والجائزة عبارة عن مجسم مصغر لمطبعة غوتنبرغ. ولم يسبق للإتحاد الدولي لناشري الصحف أن منحها إلا لشخصين في العالم هما رئيس جمهورية جنوب إفريقيا نلسون مانديلا وفاكلاف هافل رئيس الجمهورية التشيكية.
- في 1995، منح الإتحاد الدولي لناشري الصحف جائزة "الإنجاز الصحافي" مناصفة لصحيفتي "كلارين" الأرجنتينية و"النهار" اللبنانية، في احتفال أقيم في باريس حيث أشاد رئيس الإتحاد كنيث بريسكوت لو بعمل جبران تويني واصفاً "النهار" بأنها صحيفة يومية ذات نوعية عالية تضطلع بدور محوري في حياة لبنان، ويقرأها 77% من قراء الصحف في البلاد. أما جبران تويني فقال: "ان النهار التي أنشئت في الثلاثينات، كانت في طليعة الذين قاتلوا من أجل حرية الصحافة، وكانت الوحيدة التي ظل محرروها وعمالها يتنقلون عبر الحواجز في أخطر ساعات الحرب"، معتبراً ان "النهار" ليست شخصاً بل أسرة والجائزة يستحقها كل فرد فيها، مضيفاً "كانت مشكلتنا الوحيدة أن نثبت أن نور الحرية لا يمكن إطفاؤه... وقد نجحنا".
كانت "النهار" تحرص وحيدة ربما، بفضل جهود جبران تويني، على استضافة المؤتمرات والندوات والحملات الدولية لصون حرية الصحافة وتحذير الحكومات من التدخل في شؤونها.
كما كان لمبادراته الأثر الكبير في عبور "النهار" حدود الوطن عبر علاقات حرص أن تكون ندية ومميزة، وعن ذلك قال تيموتي بالدينغ (المدير العام للإتحاد العالمي للصحف) والذي عين جبران مستشاراً له في الشرق الوسط، "لم يكتف جبران بنضاله لحرية الصحافة في لبنان بل تعداها لتشمل حرية الصحافيين الأجانب لا سيما المسجونين منهم، ومضى في نضاله هذا إلى الصين، وروسيا، والجزائر، وكان أول من نظم مؤتمرين في لبنان للمؤسسات الإعلامية العالمية للصحف ثم في الخليج".
كما حصل على درع الرواد الذي منحته اياه "المؤسسة اللبنانية للإعلام" بعد استشهاده تقديراً لمجموع أعماله، ودرع "فتح آفاق" تقديراً له لاعتماد التنوّع في جريدة "النهار"، ومنحوتة تقديرية من لجنة جبران خليل جبران الوطنية، بالإضافة إلى دروع وميداليات وشهادات لا تحصى قدمت له، من طرابلس وصيدا والبقاع والجنوب ومناطق أخرى عديدة، كذلك من كل جامعات لبنان ومدارسه والجمعيات الكشفية تقديراً وامتناناً لدعمه وخطه ومشاركته، من دون أن ننسى الدروع التي نالها من إتحادات وصحف عربية وخليجية وغربية.
جوائز كثيرة لم يتسن الوقت لجبران تويني أن ينالها ويستحقها عن جدارة إنما نطقت بها عشرات الدروع والميداليات المنتشرة على رفوف مكتبه وقاعة إجتماعات التحرير في الطبقة السادسة من مبنى "النهار": جائزة لإطلاقه "نهار الشباب"، جائزة لرفضه الطائفية، جائزة لحبّ أعدائه، جائزة لخطاب القسم، جائزة صناعة الصحافيين، جائزة الغوص في التفاصيل، جائزة الجرأة والمجاهرة بالحقيقة، جائزة الطلة الكاريزماتية، جائزة الوفاء بالوعود، جائزة "أكبر قلب" مرهف، جائزة حب الوطن والهيام فيه، جائزة الولع بالتكنولوجيا، جائزة الإلمام بالهندسة المعمارية، جائزة الإتقان بكل شيء، وجائزة الشجاعة والموت والشهادة.
طوى الموت جبران تويني عن العديد من الإنجازات، وتخطى الزمن الوهمي ليصبح شهيداً مسمّراً على جائزة. عزاء وحيد، ان جبران تويني "حدث جميل" في ندرة الحوادث الجميلة في مهنتنا. وكان وساماً، رغم ندرة الأوسمة على صدورنا.
جوائزُ كثيرة حصدها من زَرَع في الأرض المآثر. وما إن زُرِع في الأرض من زَرَع فيها، وعاد إلى التراب من هو منه، حتى انحنت جوائز الأرض كلّها أمام قدسيّة الشهادة... فبات هو نفسه الجائزة... جائزة الشهيد جبران تويني.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم