الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

معاذ الخطيب... هل تشرق الشمس من موسكو؟

المصدر: "فايسبوك"
A+ A-

كتب رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق معاذ الخطيب مقالاً مطولّاً على صفحته في موقع "فايسبوك"، عرض فيه لزيارته الى موسكو. وقال انه ذهب الى روسيا ضمن وفد شارك فيه ضابطان في صفوف الثورة، وهما لواءان : أحدهما رئيس هيئة الإمداد والتموين، والآخر رئيس الأكاديمة العسكرية الوطنية، وسفير للمعارضة، ودبلوماسي سابق مختص بالقانون الدولي.


واجتمع الوفد مع مسؤولين روس على مدى يومين، وترأس أحدَ الاجتماعات مبعوث الرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بغدانوف، كما اجتمع الوفد مع وزير الخارجية الاتحادي سيرغي لافروف.
ووصف الخطيب الاجتماعين بالـ"ناجحين إلى درجة كبيرة"، مؤكداً انه "لم يكن معنا أحد من غير السوريين أو من النظام...".
وأكد الخطيب ان الروس يفكرون في "عقد مؤتمر يضم بعض الشخصيات من المعارضة السورية، ويهمهم أن يكون هناك توافق على خطوط أساسية"، مضيفاً: "طلبْنا منهم أن يسعَوا بالتفاهم مع الأميركيين ويتوافقوا على صيغة - وليسموها جنيف 3 إن شاؤوا – لفتح نوافذ حل سياسي تفاوضي".


وفي الآتي ننشر أجزاء من مقال الخطيب الطويل:


"أعترفُ أني ارتكبتُ خطأ سياسياً فيما مضى، وهو ظني أن هناك دولة ما ستنقذ بلدنا! ليس لأننا محرومون من الأصدقاء، بل لأن الأنظمة الكبرى في السياسات الدولية لديها فقط مصالح وخطوط حمراء، وهذا ما يهمها! وتتحرك الأنظمة الصغيرة ضمن هوامش قد تضيق أو تتسع ولكنها لا تستطيع تجاوز مسارات الدول الكبرى.
(...)
ما تزال هناك معطيات كثيرة، ولكن نعود إلى موسكو .. فهل ستشرق منها الشمس؟
دُعيتُ مرات لزيارة موسكو واعتذرت، وتمنيتُ أن يكون من استلموا المِقودَ قد انتبهوا للأخطاء السابقة، وجعلتْهم مأساةُ شعبنا يُحسون بضرورة التغيير السياسي والفكري.
أشهرٌ مضت، والحال ليس كما هو بل يزداد تفاقماً، وكان كثيرون من الإخوة من كل التوجهات السياسية يدفعون باتجاه البحث عن نافذة لإنقاذ بلدِنا من نهاية مريرة يتداعى إليها.
كنا نحاول العمل الهادىء، بالتواصل مع إخوة في الداخل وتيارات مختلفة، والتناصح، والاتصال مع بعض الأطراف الدولية، ثم محاولة إيجاد قواسم وطنية تَلُمُّ الشعب السوري كله، وكانت كلمة عيد الفطر السابق، وفيها طُرِحَ أن هناك مجموعةً يمكن أن تتحرك وتعمل للحل السياسي ... وانتظرنا ... ثم جاء نداء إيقاف إطلاق النار في عيد الأضحى، ولكن كل الأمور كانت أضعف مما هو مطلوب، وصحيح أنها أعطت أملاً اجتماعياً، ولكنها لم تكن كافية لأي إقلاع جذري نحو الإنقاذ.
هناك أمر مهم جداً في السياسة : اِحذر أن تموتَ قضيتُك، وإن لم تحركها أنت فلن يحركها أحد .. وتكررت الدعوة لزيارة موسكو وغيرها، ومع مجموعة من الإخوة قررْنا كسر الجمود، ومخطئ من ظن أنها نزوة فردية، فلنا أشهر نتشاور حولها، ونفكر في أبعادها ومآلاتها ومحاذيرها وفوائدها وأضرارها، وقد أخبرْنا بها قبلاً بعض الفصائل العسكرية من الثوار، وبعد ذلك كله قررنا أن نذهب، واخترنا وفداً نوعياً فيه أكبر ضابطين في صفوف الثورة، وهما لواءان : أحدهما رئيس هيئة الإمداد والتموين، والآخر رئيس الأكاديمة العسكرية الوطنية، ومعنا سفير للمعارضة، ودبلوماسي سابق مختص بالقانون الدولي.
اجتمعنا يومين وترأس أحدَ الاجتماعات من قبل الروس المفوضُ بغدانوف مبعوث الرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية، وهو دبلوماسي بارع ويتقن العربية بطلاقة، وفي اليوم التالي اجتمعنا بوزير الخارجية الاتحادي سيرغي لافروف.
الاجتماعان كانا ناجحين إلى درجة كبيرة، ولم يكن معنا أحد من غير السوريين أو من النظام، وقد كنا واضحين تماماً معهم من أننا نُصر على استقلال القرار السياسي السوري، واستقلال سورية ورفض تقسيمها، ووحدة الأراضي والشعب السوري، ورفض التدخلات الإقليمية والدولية، ونحن ضد الانجرار إلى أي حرب طائفية، ونحن حريصون على ترابط النسيج الاجتماعي السوري، وأننا نريد علاقات نِدية متوازنة مع كافة الدول، وقد كان للروس دور في بناء بعض مؤسساتنا الاقتصادية والعسكرية والتي هي ملك للشعب السوري، ونرحب بمساعدة أي طرف في مهمتنا لإنقاذ سورية.
ذكرنا للوزير لافروف أن الحرية ليست هي من يصنع الإرهاب، بل الظلم هو من يُولِّدُه، وأنَّ المسار السياسي لحل الأزمة يجب أن يسير بالتوازي مع موضوع مقاومة الإرهاب الذي تُدندن عليه الدول، ونحن نرفُضه من الأطراف كافة ، وقلنا له صراحة وبكل موضوعية : قد يكون قسمٌ من الشعب السوري مع بشار الأسد، وقسم ضده (ولكنه المسؤول الأول عما جرى) وبالتالي فإنه لا يمكن بأية طريقة قبول أن يكون جزءاً من مستقبل سورية السياسي، وصحيح أن هذا لا يتم خلال يوم وليلة، ويحتاج إلى ترتيبات ما، ولكنه أمر أساسي بالنسبة لمصلحة سورية.
لم يعترض الروس على كل ما قلناه، وأخبرونا أنهم يفكرون في عقد مؤتمر يضم بعض الشخصيات من المعارضة السورية، ويهمهم أن يكون هناك توافق على خطوط أساسية، وطلبْنا منهم أن يسعَوا بالتفاهم مع الأميركان ويتوافقوا على صيغة - وليسموها جنيف 3 إن شاؤوا – لفتح نوافذ حل سياسي تفاوضي. ووعد الوزير لافروف بطرح الأمر مع وزير الخارجية كيري الذي كان سيلتقي به يومها ساعاتٍ في الصين، ولم يصلنا بشكل رسمي ما اتفقا عليه بخصوص هذا المؤتمر.
يحق للسوريين أن يسألوا : من أنتم ؟ وجوابنا: أننا مواطنون سوريون نعيش الألم كل لحظة ومن حقنا أن نبحث عن مخرج إنقاذي لبلدنا، بعد أن استوفت كل الأطراف وقتاً في محاور لم نرَ من ورائها أي نجاحات حاسمة، فالوضع العسكري معلَّق (بسبب إرادات دولية وإقليمية، تغلغلت في صفوف الثوار وأرجعت العديد من قواتهم من بعض المناطق الاستراتيجية) واستمراره هو المزيد من النزيف لسورية كلها، والأهم من ذلك كله نزيف شعب يُدفع إلى الموت.
كما أن المعارضة السياسية قد أُعطيتْ فرصتها، وكل ما صنعته حصل تحت أنظار الناس، وذهبت مع وفد النظام إلى جنيف 2 بالقوة القاهرة لكليهما، وللأمانة فقد كان أداؤها أفضل من أداء النظام، ولكن الصلَف سيطر على الوضع، ولم يكن هناك من نتيجة وراء ذلك.
يسألنا البعض: ولماذا لا تشكِّلون تياراً سياسياً لعملِكم ؟ وجوابنا هو أن التيار موجود، ولكنه بلا اسم لأن ما يهمنا هو النتائج، وقد يكون هناك ضرورة خلال وقت قريب إلى وجود اسم معلن ووقتها سيحصل ذلك.


سأل إخوة آخرون : وماذا إن كان الروس يتلاعبون بكم؟ ونقول : إننا ننطلق من محددات واضحة، ولدينا إصرار عنيد عليها، وسورية شعباً وأرضاً ومدنية وحضارة هي الهدف الذي سنبذل حياتنا بل دمنا من أجل إنقاذه، وكل ما نراه تفريطاً ببلدنا أو محاولة لإعادة إنتاج النظام المتوحش فلن نكون جزءاً منه بل سنتصدى له قدر ما نطيق ونطالب جميع السوريين بأن يكونوا معنا في ذلك.


آخرون قالوا : إن الروس قد انتهت قوتهم وليس لديهم أية فعالية الآن! وهذا الظن غير صحيح، فبعدما خرجت روسية من حوض المتوسط وليبية والعراق، فإنها أكثر تمسكاً ببقائها في سورية وستكون شرسة جداً في الخروج منها، وهذا ما تفهمه القوى الدولية، ولا تريد الآن إثارة نزاعات قاتلة، وإن حصل، فالشعب السوري وحدَه هو من سيدفع ثمن صراعات دولية متجددة في سورية.


سؤال آخر: وماذا معكم من القوة كي تتفاعل معكم الدول؟ والجواب : يوجد معنا قوتان : ناعمة ولكنها فعالة، وخشنة وهي قوية، أما الناعمة فهي الرأي العام السوري بكل ألوانه، من الموالي للثورة إلى الموالي للنظام، ومن الإسلامي إلى العلماني، وبكل ألوان الشعب السوري الدينية والثقافية والقومية، فقد صار واضحاً للجميع ما بُيّتَ لسورية، وأن النظام بسوء تصرفه قد جرّنا إلى ما نحن فيه، وأن السوريين لم يبقَ فيهم بيت لم يدخله تابوت أويجرِ فيه عزاء، وأنه لم تبق أسرة في كل سورية نجت من اليتم أو الثكل أو التشريد، وإننا ما لم نجد صيغة نتعايش فيها فستنهار سورية ونهوي جميعاً بلا عودة.
(...)
نعم نحن السوريين لا يمكننا التحرك من دون حلفاء وأصدقاء، ومن دون تشاور وتواصل، ولكن الكل لديهم مشاغلهم ومشاكلهم، وفي السياسة مصالحهم، ولن تنزل علينا مائدة من السماء، ولن يقتلع أحدٌ شوكنا إلا إذا اقتلعناه بأيدينا، محتفظين باستقلالنا، واضعين في قلوبنا وأعيننا شيئاً واحداً: إنقاذ بلدنا.
نحن نبحث عن التقاطعات بين مصالح الدول، والعمل عليها سيوجد مساحة تؤمِّن حداً أدنى للإقلاع الوطني، وكما أنه لم يُنزل الله داء إلا وجعل له دواء، فكذلك ليس هناك دولة إلا وهناك إلى عقلها وسياستها مفتاح يجب أن نبحث عنه.
التفاوض السياسي أمر طرحناهُ منذ سنتين وحوربْنا من أطراف عديدة لم تعِ الموضوع وقتها، وسكِرت بالوعود، واليوم صارت مأساة السوريين فوق التصور والاحتمال، ومأساة السجناء والأسيرات والمشردين في دول العالم والمخيمات الإقليمية لم يسبق أن كتب مثلها التاريخ الحديث، أما انهيار القطاع الصحي والتعليمي والحكومي، فشَيء فوق الوصف، وكذلك خراب المؤسسات (التي هي ملك للشعب)، وما تمكن الإحاطة به المآسي الاجتماعية الشاملة، وضياع الهوية، والأفدح من كل ذلك الكوادر البشرية الفائقة التي استُشهدت كلها من أجل حريتنا واستقلالنا، أوتشردت في العالم كله، ولا يعلم أحد كيف ستعود.


"سيُكتب الكثير"


ستكتب الكثير من المواقع والصحف افتراضاتٍ ما، بعضها صحيح، وبعضها ليس كذلك، وأريد أن أقول للجميع : إننا لن نكون مطيةً لأية دولة، وفي نفس الوقت سنتواصل مع الجميع، ونعتقد أن التفاوض السياسي هو الأنجح والأقل خسائر، ونمد الأيدي إلى كل أبناء سورية الذين يبحثون عن العدل والحرية، ونعتقد أن الكثيرين منهم ما زالوا لا يستطيعون أن يتخذوا الموقف المناسب، ولكن ستتغير المعطيات، ويسد كل منا ثغرة في جسم تتناوشه الرماح.
لا نبحث عن مواقع سياسية، ونرفض الأدوار التجميلية، وليس الحل بمشاركة صورية في حكومة انتقالية وهْمية كما تُشيع بعض الجهات الإعلامية كل فترة، بل بحل توافقي حقيقي، ترافقه عدالة انتقالية، وأريد أن أذكر أمراً خاصاً، ذكرته مراراً وأكرره: لستُ أمانع من اللقاء مع أي مسؤولٍ من النظام، وسبَق أني دعوت حتى بشار الأسد عندما تقلدت منصب رئيس المعارضة السورية إلى مناظرة تلفزيونية علنية عبر الفضائيات، لنجد حلاً لمأساة سورية فتم التعالي على ذلك. ودعَونا مسؤولين آخرين على وسائل الإعلام ولا أعلم مم يخافون.
النظام اليوم ليس نظام الأمس، وربما يستطيع أن يتابع قليلاً ولكنه خاسر في النهاية، وستخسر سورية المزيد من زهَرات شبابها؛ لذا فالتفاوض هو خير الطرق، ولست أشترط أي شرط سياسي، ولا أطلب أي شيء خاص، بل سأكرر ما ذكرته منذ سنتين : من أجل إيجاد أرضية تلم كل أبناء سورية، وتمهد للحل السياسي، ورفعاً للعناء عن شعبنا وأهلنا، فقد بادرنا مرات رغم كل الحرب علينا وكبادرة حسن نية إلى طرح التفاوض مَخرجاً للإنقاذ، ونريد خطوةَ حُسنِ نية من النظام ستكون بوابة تفاعلنا في التفاوض السياسي، وهي خطوة إنسانية محضة، تتمثل في تمديد جوازات السفر للمواطنين السوريين بدل تركهم لعصابات البحر وأمواج الظلام ومافيات التهريب والتزوير، والأهم من كل ذلك إطلاق سراح النساء والأطفال من سجون النظام، وعلى رأسهم الدكتورة رانية عباسي وأطفالها الستة، وكل الحالات المشابهة.
أيام الضباب في موسكو ممتدة في هذه الأوقات، ولكننا لم نكن نبحث عن الشمس بل عن التقاطعات السياسية، أما فجرُنا القادم فلستُ أجد له أصدقَ من قولة القاضي الزبيري ليوم الاستقلال:
يومٌ من الدهرِ لم تصنعْ أشعتَهُ شمسُ الضحى.. بل صنعناهُ بأيدينا
وبعزيمتكم أيها السوريون وتمسككم باستقلال بلدكم وحريته وكرامته، سنصنع شمس استقلال سورية العظيمة في مستقبلها الجديد".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم