الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عدَّاد الموت يجتاح الطرق اللبنانية

المصدر: النهار
سلوى أبو شقرا
A+ A-

"عدَّاد الموت" على الطرق اللبنانية يسير على ‪‬الإيقاع نفسه، إذ سُجِّل في الأشهر الستة الأولى من العام 2014 وفاة 255 شخصاً وجرح 2225 بحسب إحصاءات "قوى الأمن الداخلي" غير النهائية، التي عادت وأعلنت عن سقوط 55 قتيلاً بسبب حوادث السير خلال شهر آب و45 قتيلاً خلال شهر أيلول، وهذه الأرقام إلى ارتفاع مع نهاية شهر تشرين الأول. ومن الشمال إلى الجنوب مروراً ببيروت وجبل لبنان لا يمرّ يوم إلا ونسمع فيه عن وقوع حوادث هنا وهناك، أدَّت إلى حالات وفاة، وأخرى خلَّفت أشخاصاً بإعاقات دائمة، والسبب إما السرعة الزائدة، أو خلاف حول أفضلية المرور، أو جرّاء غياب الإنارة ليلاً، وغيرها من الأسباب التي تُعدُّ ولا تحصى حتى بتنا نقول "تعددت الأسباب والحادث واحد".


 


خالِف تُعرف!


من الطبيعي أن نضع اللوم على الدولة، خصوصاً أنها غائبة عن مختلف تفاصيل حياتنا اليومية، ومنها الشق المتعلق بالسير لناحية غياب تطبيق قانون السير، وعدم الاهتمام الرسمي بموضوع السلامة المرورية، وإعطاء رخص سوق من دون إجراء امتحانات في القيادة، إضافة إلى عدم التطبيق الصارم للقانون حال وقوع مخالفة نتيجة ضغط ما على العناصر المولجة تطبيقه. ولكن على رغم كل الأسباب المذكورة آنفاً يبقى ما لا يجب التغاضي عنه، وهو استهتار المواطنين بحياتهم وبحياة غيرهم، وعدم مراعاتهم قانون السير لعدم اقتناعهم بفعالية التطبيق والمحاسبة. يقول مروان: "المواكب الأمنية تخالف أكثر مني، كيف له أن يطلب مني أن أقف على الإشارة الحمراء؟ كيف له أن يحاسبني وهو يقود دراجة نارية لا تحمل لوحة تحدد رقمها؟ لماذا يجب أن أقف ساعات على الإشارة الخضراء كي يتمكن موكب سياسي ما من المرور عندما تكون إشارته حمراء؟". أما رولا فلا تبرر هذه البربرية في القيادة قائلةً: "عندما تضيء الإشارة خضراء أتروّى قبل المرور إذ من الممكن أن يكون هناك "طيَّارجي" يعبر على الطريق غير آبهٍ بإشارته الحمراء". فيما تضيف لارا "أنا أقود عاللبناني، وعندما أعود إلى دبي أراعي قوانين السير هناك". هي الازدواجية والاستنسابية في القيادة بجنون وبسرعة هائلة، وعدم احترام الإشارة الحمراء، أو العلامات المرورية. أما الـ between فهو سيد الموقف دوماً، فالكل على عجلة من أمره ويرغب في الوصول أولاً. أما متى وقع الحادث يبدأ الناس بتقاذف الاتهامات وإلقاء غالبيتها على الدولة متجاهلين تجاوزاتهم، والتي تكون السبب الرئيس لكثير من الحوادث كتجاوز السرعة المحدَّدة، والتجاوز الخاطئ عن الجهة اليمنى للطريق بدل اليسرى، والقيادة في الاتجاه المعاكس للسير، إضافة إلى عدم مراعاة آداب المرور عند التعامل مع السيارات الأخرى والمشاة.


 


همجية القيادة


يعتبر الاختصاصي في علم الاجتماع الدكتور رائد جريديني في حديث لـ "النهار" أنَّه "في ظل تقاعس الدولة عن القيام بدورها وغياب شعور المواطنة وكل ما هو مرتبط بالشأن العام والأملاك العامة لدى اللبنانيين، وغياب احترام الآخر، نتيجة حلول الدين والعائلة والأنا الفردية، ظهرت لدى الناس همجية مفرطة تبلورت في طريقة القيادة. وزاد هذا الأسلوب بعد الحرب اللبنانية، ولا يمكن أن نقول هنا إن الحرب أحد أسبابه بل هي جزء من طبيعة وشخصية المواطن التي أوصلته إليها. بالتالي، يقع الدور التربوي على المدارس والجامعات والمنزل لتعليم الأولاد كيفية احترام قوانين السير والقيادة بشكل واعٍ وسليم للحفاظ على سلامتهم الشخصية وسلامة الآخرين على الطرقات".


 


يحمي نفسه بنفسه


من جهتها، تلفت الاختصاصية بعلم النفس العيادي فرح مقدَّم إلى أنَّ "هناك إطارينMacro وMicro يحدان حياة الإنسان. الـ Macro مرتبط بالمجتمع والنظام القائم في الدولة ككل، لكن عندما يعيش المواطن ضمن نظام لا يعطيه حقوقه كمواطن، فهذا يدفعه للقيام بهجوم مضاد على نظامه ودولته يتمثل بعدم احترام القانون، وهذا ما يسمى (transgression des règles). أما على صعيد الـMicro، فيكتسب الفرد أفكاره وتصرفاته من التربية المنزلية، الذي يقوم بالتماثل بأهله. من هنا، فإذا لم يكن لدى الأهل احترام للقانون وللآخر، فهذا الأمر سيكون معدوماً لدى الولد. هؤلاء الأهل لا يستطيعون نقل الرسالة التربوية بشكل صحيح، وغالباً ما لا يدركون عواقب الأمور. والطفل غالباً ما يتماهى مع والديه في الصغر، ويقلد تصرفاتهم في الكبر، ما يجعل من احترام القوانين وتطبيقها مسألة تراكمية ثقافية وتربوية وحياتية. بالتالي، فإنَّ الحلول البسيطة المرتبطة بهذا الموضوع أصبحت غير ناجعة، ما يدفع لإيجاد حلول جذرية، لا أن يسود مكانها منطق حماية كل شخص لنفسه بنفسه".


 


حق أم امتياز؟


يؤكد رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في هيئة إدارة السير النقيب ميشال مطران في حديث لـ"النهار" أن "السلامة المرورية تقوم على 3 ركائز: هندسة الطرق، تطبيق القانون، وتعليم القيادة. لكننا في لبنان لم نصل بعد إلى نشر ثقافة القيادة بين الشخص والمجتمع والتزام القيادة ضمن معايير. فما لا يعرفه المواطن هو أن الحصول على رخصة سوق ليس حقاً يخوِّل المواطنين كافة الحصول عليه بل امتيازاً لمن يستحقه. وهنا، نفتح ملف منح رخص القيادة التي أصبحت بحاجة إلى إعادة هيكلة عبر تأسيس منهج لتعليم القيادة، في ظل وجود مكاتب لتعليم القيادة أصحابها أشبه بمعقبي معاملات لا يعرفون معنى السلامة المرورية التي يجب أن تُدرَّس عبر مناهج تقوم على التركيز على الأطر النظرية لتعليم أصول القيادة والسلامة المرورية، وكذلك التطبيق أيضاً لاكتساب مهارة قيادية". ويضيف مطران: "إن ما يُقام من حملات توعية غير كافٍ وحده، بل يجب أن يترافق مع تطبيق صارم للقانون. وفي ظل الأوضاع السيئة للطرقات، والمشاكل في تطبيق القانون، أصبح الحل يكمن باتكال المواطن على نفسه عبر وضعه حزام الأمان والتخفيف من سرعته وعدم التلهي مع إدراكه للمخاطر التي قد يصادفها على الطرقات".


 


مسؤوليات مشتركة


ساهمت جمعية "يازا" ولا تزال في حملات توعية المواطنين حول خطر حوادث السير، وأثمرت جهودها حملات إعلامية وإعلانية إن على الشاشات أو على الطرقات، ولكن هل من ينتبه لخطورة الحوادث وتأثيراتها؟ يقول أمين سر جمعية "يازا" كامل ابراهيم في حديث لـ"النهار" "لا نعرف مدى تأثير الحملات على الأرض لغياب البحوث والإحصاءات الرسمية، لكننا نحاول قدر المستطاع توعية الشباب في المدارس والجامعات حول خطورة هذا الوضع. فالهدف يكمن في جعل الناس تتحاشى الخطر من خلال تصرفاتها وبالتالي الحدّ من الأذية". ويلفت ابراهيم إلى أنَّه "بوقوع الحادث يبدأ رمي التهم بين الجاني والمجني عليه والدولة، منها من يحمِّل السائق المسؤولية بنسبة 80%، ومنها من يقسمها إلى 30% مشاكل في الطرقات، 40% مسؤولية السائق، و30% غياب الصيانة عن المركبة. ولكن هناك دوماً مسؤوليات مشتركة خصوصاً في ظل غياب تطبيق القانون، ما يلقي بالمسؤولية على المواطن الذي يقود ضمن القانون والأصول لحماية نفسه من المخالفين الذين يقودون بشكل فوضوي على الطرقات". ويتابع: "إذا تكلمنا بالأرقام، نجد أنَّ نسبة ضحايا حوادث السير إلى ارتفاع، فقد كانت في العام 2000 نحو الـ 300 قتيل، ثم وصل الرقم في العام 2014 إلى 652 قتيلاً، فيما لا نجد سياسات فعلية وقوانين تحد من الحوادث، إذ إن الدولة غير جاهزة لتطبيق القوانين بشكل جدي عبر تدريب عناصر أمنية متخصصة بالسلامة المرورية وتعزيز قدراتها، إذ لا يمكن العنصر نفسه الذي ينظِّم السير أن يقوم بتطبيق القانون خصوصاً في ظل كثرة السيارات وازدياد عدد السكان".


 


دقَّ ناقوس الخطر، وأصبح من الضروري والملح إيجاد حلول جذرية لا معالجات موقتة لمسألة السلامة المرورية والقيادة في لبنان عبر إيجاد اختصاصيين يفقهون بالسلامة المرورية، وعبر تحمل الدولة بوزاراتها كلها أبرزها الداخلية، والأشغال والعدل والتربية والصحة مسؤولياتها تجاه المواطنين وسلامة حياتهم، الذين يراوح ثمن تعويض وفاتهم بحادث سير بين 20 و25 مليون ليرة لبنانية. فهل من الضروري أن تجعل من حياتك وحياة الآخرين رخيصة إلى هذا الحدّ؟


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم