الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل يصنع "فايسبوك" و"تويتر" رأياً عاماً؟

المصدر: "النهار"
رين بوموسى
A+ A-

"السلطة الرابعة" مصطلح أطلق على الصحافة لقدرتها على التأثير في الرأي العام. في السنوات القليلة الماضية، شهد العالم نهضة تكنولوجية في عالم الاعلام، خصوصاً مع ظاهرة الانترنت التي ولّدت ما بات يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي. مواقع استقطبت الصغار والكبار، أثارت فضولهم في بادئ الأمر، لتصبح منابر يطلق من خلالها المستخدمون آراءهم ويتشاركون أفكارهم.


اضطلعت مواقع التواصل هذه بدور فاعل ومؤثر وتغييري خصوصاً عام 2011 مع انطلاق ما سميّ الربيع العربي، ربيع اعتبره البعض ثمرة تواصل الناشطين عبر "فايسبوك" و"تويتر"،... أما البعض الآخر فأطلق على الربيع العربي وخصوصاً الثورة في مصر "ثورة فايسبوك".


شكّلت مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى الشعوب مساحات حرية يدلون من خلالها بآرائهم من غير أن يتم قمعهم. وبعد سنوات على هذه الثورات، زاد عدد المستخدمين وتوسعت القاعدة ليمسي العالم "الافتراضي" المكان الأكثر واقعية وحقيقة. يقسم العالم الافتراضي مجتمعات تنصهر في ساحة واحدة، وكل واحدة تشكل حالة مختلفة عن الأخرى.


في لبنان، توسعت القاعدة "الافتراضية" في السنوات القليلة الماضية. وفي كل يوم ينتشر خبر "Trend"، يعلّق عليه المستخدمون ويفرض نفسه خبراً على جدول أعمال المحررين في الصحف والمواقع الاخبارية ومحطات التلفزة. توفر هذه المواقع مساحة تعبير وتواصل تعج بآراء وأفكار وأخبار تتعلّق بالمجتمع اللبناني والاقليمي والعالمي. الاختلاف لا يزال نفسه وبتنا اليوم نتحدث عن دور هذه المواقع وتأثيرها في الأفراد والمجتمعات. وسؤال "عصر التكنولوجيا" تحول من علاقة الصحافة بالرأي العام؟ الى العلاقة التي تربط مواقع التواصل بالرأي العام؟


يقارن الصحافي جهاد الزين الجدل حول مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات كانت تجرى في العقود الماضية عن دور الصحافة سابقاً، إذ يرى ان الآراء عبر هذه المواقع "تؤثر في الرأي العام، ولكن يجب تحديد معنى المؤثر".


تتشارك الصحافة التقليدية نقاطاً عدة مع هذه الوسائل، منها تأمين مساحات لحرية الرأي، ويقول الزين إن تأثير الصحافة مرتبط بمدى اهتمام الرأي العام، مؤكداً ان "لا الصحافة ولا مواقع التواصل الاجتماعي في بلدنا قادرة على صنع رأي عام، فالتأثير على الرأي العام شيء وصناعة الرأي العام شيء آخر".


يتناول الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن القوة التي تتمتع بها في تغيير واقع معين، والثورة المصرية كانت ابلغ مثال على ذلك، رغم النقاشات التي أثيرت عن دورها خلال الثورة. ويسأل الزين "هل اتت مواقع التواصل الاجتماعي بإضافة استطاعت ان تغيّر في ميزان القوى على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟"، مؤكداً أن "المجتمع نفسه بغض النظر عن عدم رغبته في التغيير، لم تعطه مواقع التواصل الاجتماعي قوة اضافية في هذا المجال، بل إن هذه المواقع أعطته قدرة على التواصل أكثر، على تسليط الضوء على عدد من القضايا". ويرى الزين ان التغيير "مسألة اكثر جدية" من ان تتمكن مواقع التواصل الاجتماعي من القيام بها خصوصاً في مجتمعاتنا.


برزت عبر "فايسبوك" و"تويتر" وغيرها من المواقع قضايا لبنانية كثيرة مؤخراً، كان أبرزها قضية الطفلة سيلين راكان. بدأ الموضوع يتفاعل مع ما كتبه والد الطفلة في موقع "فايسبوك"، لينتقل إلى وسائل الاعلام التقليدية، والتعليقات الكثيرة التي رافقت كلام الوالد ما ولّد راياً عاماً ضاغطاً لإجلاء حقيقة موت الطفلة. فالإشكالية التي تطرح نفسها بحسب الكاتب جبور الدويهي هي أن "هذه المواقع تصنع الرأي العام أو تعكسه؟، ويرى ان الأكيد أن نبض الرأي العام يؤخذ من مواقع التواصل الاجتماعي اكثر من الصحف، "فعند تصفح فايسبوك تتلمس الجو في البلد والعالم". تتيح هذه المواقع لمستخدميها بالتعبير بطريقة مباشرة وفي كل دقيقة والتعليق على الأحداث، غير أن دويهي "ليس أكيداً" من أن مواقع التواصل الاجتماعي تصنع رأياً عاماً "فالاكيد انها تعكس هذا الرأي".


"فايسبوك" و"تويتر"، كغيرهما من المواقع لا يصنعان رأياً عاماً، في حين يلاحظ المنحى في المواقف واحد، ففي قضية النائب نقولا فتوش، لوحظ ان المستخدمين أعربوا بأغلبيتهم عن مناصرتهم للموظفة منال ضو وغضبهم من "نائب الكسارات"، بحسب تعبيرهم. هنا يظهر ان الآراء تتشابه بشكل كبير خصوصاً في القضايا الاجتماعية. يعرّف الصحافي والمدون محمود غزيل الرأي العام كالآتي: "انه ما يمكن مجموعة من الناس أن تعكسه من أفكار عن أي قضية يمكن أن تطرح على طاولة النقاش، وأينما يكون هناك نقاش، لا بد من أن تتداخل العديد من العوامل التي تساهم في قولبة هذا الرأي العام".


ويضيف: "كما تدخل، مثلاً، عوامل الثقافة، والتقاليد والعائلة والمحيط والدين في تكوين رأي الأفراد، يمكن مواقع التواصل الإجتماعي أن تكون عاملاً، وتحديداً اليوم، مؤثراً جداً، في تكوين، على مساحة أكبر، رأياً عاماً".


ويشير الى انه "على الرغم من كون مواقع التواصل الإجتماعي فتحت نافذة جديدة على حرية التعبير، وشكلت أداة لقياس أسرع للرأي العام، إلا أن ما أراه هو إغفال، وفي أغلب الأحيان، لما يعرف بنظرية "Spiral of Silence"، فأصبحنا عند كل حادثة نرى أغلبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تجنح نحو الرأي الواحد، في حين تغيب الأصوات المعارضة أو ذات الرأي المختلف عن مساحة التعبير الافتراضية"، عازياً سبب ذلك بالتردد في دخول النقاشات أو عدم الرغبة في إثارة المشاكل ناهيك بأسباب أخرى.


رأي واحد يدين النائب نقولا فتوش ويهاجمه منذ الكشف عن حادثة الموظفة منال ضو وصولاً الى مؤتمره الصحافي حتى قرار شطبه من جدول نقابة المحامين مجمعين على موقف واحد "خرجو"!، ويشرح غزيل أن "لهذه المواقع خصائص عدة تتحكم في ما يظهر من مواد على الإنترنت وما قد يصل إلى المستخدم بناءً على الآراء الشخصية للمستخدم ونشاطاته والكلمات التي يستعملها خلال نقاشاته الإلكترونية"، شارحاً أن "ليس ما يكتب من آراء على الإنترنت يمكن أن يظهر بكل بساطة أمامنا".


يرى صاحب مدونتي "مجّة" و"Pow" بأنه "يمكن مواقع التواصل أن تكون وسيلة ضغط لرفع الصوت عن بعض المطاليب، فيقوم المستخدمون بالاستعانة أحدهم بالآخر لصنع رأي عام للمساعدة في إيصال الصوت للمسؤولين"، غير أن تطبيق مثل هذه الحالة نادر في المجتمع اللبناني. فعلى سبيل المثال تطور التعليقات في شأن قضية سيلين راكان، شكل عامل ضغط كبيراً ما دفع الجهات القضائية بالتوسع في التحقيق، غير ان مصدراً قضائياً أبلغ "النهار" انه تم التوسع في التحقيق لـ"عدم كفاية الأدلة".


تؤكد المدونة مارينا شمّا أن عملية التأثير في الرأي العام موجودة، غير أنها تشرح انه "من الصعب ايجاد حالة استطاعت فيها هذه الوسائل صنع الرأي العام، هذا ما يؤكد انها نادراً ما تصنع الرأي العام". تضيف أن عوامل كثيرة تمنع عملية صنع الرأي العام، خصوصاً في المجتمع اللبناني، ان لناحية ان اللبنانيين يفتقدون الى المساءلة والمحاسبة، وان لناحية القرارات السياسية التي تتخذها الطبقة الموجودة.


اتاحت هذه المواقع فرصة للمستخدمين للتعبير عن آرائهم وايصال افكارهم، هذا ما أوجد شخصيات مؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تستطيع التأثير برأي أناس كثر، يقول المدون علاء شهيب الذي أكد ان "ما يجعل هذه المواقع اداة للضغط لتشكيل رأي عام في لبنان، بهدف دعم قضايا اجتماعية وانسانية قد لا يعطيها الاعلام التابع والمسيّس حقها في التغطية الاعلامية". ويضيف شهيب الناشط "افتراضياً" عبر مدونته "أينشتاين" وعبر "فايسبوك" و"تويتر" أنه "اصبح للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مساحة مفتوحة للتوعية والضغط في شأن القضايا التي تعنيها وتعمل لأجلها، وتمكنها مواقع التواصل الاجتماعي من الوصول الى جمهور محدد ومستهدف". ويرى شهيب انه "يظهر وجه آخر سلبي لهذه المواقع، حين يستخدمها كثيرون بهدف التحريض الطائفي والديني والسياسي، وخلق توتر اجتماعي، ونشر افكار متطرفة".


هل باتت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة ضغط لصنع "الرأي العام"؟.. سؤال يطرح مع هذه النهضة "الالكترونية"، غير ان الجواب غير معروف ولا يزال غامضاً مثل السؤال الذي طرح منذ سنوات عدة عن دور الصحافة في صنع هذا الرأي العام وتشكيله.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم