الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المشهد التونسي يغلي قلقاً وإحباطاً وهواجس أمنية عشية الانتخابات "النهضة" تبقى رقماً صعباً وعودة قوية لـ"أزلام" عهد بن علي

سوسن أبو ظهر
A+ A-

بعد مسار انتقالي تعثر وطال، تستعد تونس لانتخابات نيابية عامة الأحد، ثم رئاسية في 23 تشرين الثاني، تطاردها المشاكل نفسها التي أججت غليان الشارع قبل أربعة أعوام. الأمور تعود إلى نقطة الصفر، إذ تستقبل البلاد بحبور بعض وجوه النظام السابق الذي انتفضت عليه. ولعل التغيير الوحيد هو صعود القوى الإسلامية، معتدلة كانت أم تكفيرية مسلحة.


أمام تصدع الدولة والتقاتل الداخلي وشبح تقسيم سوريا وليبيا واليمن، واختناق آمال الإصلاح في البحرين والخيبة مما آلت إليه أحوال مصر، كان يُظن أن تونس هي التجسيد الوحيد لأحلام "الربيع العربي". لكن هذه المعادلة نسبية، ذلك أن ما يبدو نجاحاً بالمقارنة مع أوضاع البلدان الأخرى هو في نظر الكثير من التونسيين فشلٌ مرير.
الالتباس يطبَع المشهد الانتخابي في ظل تزاحم الأحزاب والأشخاص وغياب البرامج الواضحة. 1300 لائحة تتنافس على 217 مقعداً نيابياً. وفي هذا تشتيت عبثي للأصوات يُخشى أن يكرر مشهد انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في تشرين الأول 2011 حين تفرقت أصوات خصوم حركة "النهضة" الإسلامية لعجزهم عن تبني مشروع موحد.


الواقع الإسلامي
وعلى رغم الانتقادات الكثيرة لتجربة الحركة في الحكم، بقيت "النهضة" لاعباً أول ولم تتأثر بالتحولات الإقليمية، وخصوصاً انهيار نظام "الإخوان المسلمين" في مصر. هي تعتبر نفسها رأس حربة في جهود "الملاءمة بين المرجعية الإسلامية وقيم الحداثة، وفي مقدمها الديموقراطية"، كما قال لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيسها راشد الغنوشي. ومع ذلك تُدرك أن نسبة 41 في المئة من الأصوات التي حصلت عليها عام 2011 لم تعد في متناول اليد، فاستطلاعات الرأي لا تعطيها أكثر من 30 في المئة.
وترجح الصحافية حنان زبيس في حديث الى "النهار" اقتصار تمثيل الحركة على أصوات مناصريها التقليديين المقدرين بـ15 إلى 20 في المئة من السكان، فهي تبقى متماسكة على رغم صراعات الحمائم والصقور داخلها. وتشير إلى أن الغنوشي أدرك أبعاد الأخطاء التي شابت تجربة الحكم، فـ"عدّل خطابها متخلياً عن نبرة تقسيم المجتمع بين مؤمنين وكفار، وتبنى شعار التوافق". كما نأت "النهضة" بنفسها عن السلفيين ومتشددي تنظيم "أنصار الشريعة" الذين "كانت تستخدمهم وقوداً في صراعها مع العلمانيين والمثقفين". وإذ ذكَرت زبيس بأن الفصيل المسلح دعَمَ الحركة عام 2011 "طمعاً في كسب امتيازات، وهذا ما حصل"، أكدت أن ذاك السيناريو مضى، فقد فُضحت مخططات "أنصار الشريعة" لإعلان إمارة إسلامية وقلب الحكم وتفتيت الدولة كما هي حالُ ليبيا. لكن التنظيم المحظور والمصنف إرهابياً والذي يقتات من ضعف أجهزة الدولة والخلافات السياسية، قادرٌ على تعطيل الانتخابات، بدليل المواجهات الأخيرة في شمال غرب العاصمة والاحتجاجات على توقيف متشددين بينهم عائدون من سوريا. والصراع مع "أنصار الشريعة" وذراعه العسكرية "كتيبة عقبة بن نافع" لا يزال في مراحله الأولى. هو كر وفر. تارة يحبط الجيش مخططات لقتل سياسيين وديبلوماسيين، ويوقف قياديين بينهم شقيق زعيم التنظيم ومسؤولة جناحه الإعلامي. وطوراً يوجه المسلحون ضربة قاسية بقتل جنود والتمثيل بجثثهم في جبال الشعانبي.
لوهلة قد يميل القارئ اللبناني إلى مقارنة جبال الشعانبي بجرود عرسال، و"أنصار الشريعة" بـ"جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، "داعش" سابقاً. وهذا أمر يمكن فهمه، فالمواجهة في تونس هي أيضاً عابرة للحدود وتتجاوز الواقع المحلي واتهام التنظيم باغتيال المعارضَين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013، والهجوم على السفارة الأميركية قبل ذلك بسنة. ذلك أن "كتيبة عقبة بن نافع" بايعت "الدولة الإسلامية" وناشدت "خليفتها" أبو بكر البغدادي التقدم أبعد من العراق وسوريا. أضف أن زعيم "أنصار الشريعة" سيف الله بن عمر بن حسين المُكنى "أبا عياض" موجود في ليبيا ويُهرب الأموال والسلاح إلى بلاده.
ومعلوم أن التونسيين يشكلون النسبة الكبرى من المقاتلين الأجانب في سوريا، ومعظمهم أُخرج من السجون بعد الثورة عام 2011 بموجب عفو عام شأن "أبو عياض". ورفض لطفي زيتون في حديث إلى شبكة "سي أن أن" الأميركية للتلفزيون ربط حكم "النهضة" بتزايد أعداد مواطنيه مقاتلي "الدولة الإسلامية"، معتبراً أن "الاستقطاب الايديولوجي في مصر وتونس واليمن وخروجه عن الضوابط تسبب بعزوف المواطنين عن السياسة ويأس الشباب من الثورات وتصاعد إغراء العمل المسلح مع الانتشار الواسع للسلاح" على الحدود الجزائرية والليبية حيث شبح إمارة إسلامية.
التبرير مجتزأ، إذ يغفل أن المشاكل الاقتصادية التي دفعت محمد البوعزيزي إلى إحراق نفسه عام 2010 وأججت احتجاجات ولاية سليانة بعد ذلك بعامين، تتفاقم بلا حلول. 88 في المئة من السكان يصفون الوضع الاقنصادي بأنه سيئ. والبطالة تفتك بالشباب، وهؤلاء يدفعهم اليأس إلى مغامرة محفوفة بالموت بالهرب بحراً إلى أوروبا، أو تركيا للعبور إلى سوريا طمعاً بمبالغ ضئيلة يتقاضاها المقاتلون، أو بأحلام الجنة والحور العين.


التيارات الأخرى
وبالنسبة إلى الاستقطاب السياسي، ليس ثمة ما يجمع "النهضة" والمناهضين العلمانيين، وفي مقدمهم حزب "نداء تونس" بزعامة السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي. لكن الحزب المعارض الذي جمع أطيافاً من النقابيين والليبراليين والمحافظين لدى تأسيسه عام 2012، خيب الآمال بدوره. فقد احتج اليساريون فيه على عضوية المنتمين سابقاً إلى "التجمع الدستوري الديموقراطي"، حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتشرح زبيس لـ"النهار" أن الوجوه التي خدمت النظام القديم وضعت يدها على "نداء تونس" الذي جنح نحو السلطوية و"تمجيد الرجل الواحد"، فتصدع باستقالات جماعية احتجاجاً على نفوذ نجل القائد السبسي.
وإلى حزب "آفاق تونس" الموجه نحو قطاع الأعمال و"الجبهة الشعبية" التي انتمى إليها بلعيد والبراهمي، يشكل المحازبون السابقون لبن علي أبرز المتنافسين في الانتخابات. وهؤلاء المسمون "الزمرة القديمة" أو "الأزلام" قادرون على قلب المعادلات وخصوصاً في المدن الكبرى، وبينهم محمد الغرياني الذي غادر السجن ليتصدر مستشاري قائد السبسي، والمرشحون للرئاسة الوزراء السابقون كامل مرجان وعبدالرحيم الزواري ومنذر الزنايدي الذي استُقبل كالأبطال لدى عودته من منفاه الفرنسي.
قانون منعهم من خوض انتخابات عام 2011 كان موقتاً، وتُهم الفساد أُسقطت. وها هم يرفعون شعارات المصالحة ونبذ الإقصاء وتقديم الخبرات خدمة للبلاد، ويُقدَمون بديلا من "النهضة". وذلك يعني في نظر زبيس فشل الثورة في تحقيق ما كان يُرجى منها، وهو واقع دفع ناشطين إلى المطالبة بتهكم بإعادة بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وصهره صخر الماطري!
المشهد إذاً قديم جديد. وتبقى لعبة الأرقام رهان الجميع، من يحل أول وكم يبتعد عن الثاني والثالث، وما نسبة المقاطعة في ظل إحباط الناخبين. ومن المتوقع تكرار سيناريو الحكومة الائتلافية التي أثبتت التجربة السابقة فشلها، واحتدام التنافس على الرئاسة في مواجهة جديدة يخوضها 27 مرشحاً، بينهم امرأة هي القاضية كلثوم كنو. وإذا كانت "النهضة" تدعي الحياد بالدعوة إلى مرشح توافقي، فإنها تبقى الناخب الأكبر، مع عدم إغفال المعادلات التي سترسيها صناديق الاقتراع الأحد بالنسبة إلى أحجام الآخرين.


[email protected] Twitter :@SawssanAbouZahr

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم