الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أدونيس: نعيش ديناً بلا ثقافة

المصدر: "النهار"
شربل أبي منصور
A+ A-

استضافت جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في قاعة المكتبة الشرقية الشاعر والمفكر أدونيس في حوار مفتوح في مبادرة تكريمية له تضمنت محاضرة ألقاها الأكاديمي جورج سلهب في عنوان "أدونيس والتجديد في النظرية الشعرية" تحدث فيها عن وجوه الرفض في كتابات أدونيس، والثورة على السائد، في النواحي الفكرية، والعاطفية، والشعرية، في سبيل التغيير نحو الأفضل.


أما الحوار فأداره الشاعر عبده وازن وتمحور حول ثلاث نقاط: هل يقدر الشعر أن يغيّر؟ ماذا يغيّر؟ وكيف؟ وعرّف وازن بأدونيس بأنه "محطم الأيقونات، أيقونات التحجر والظلامية والثبات من الجهات كلها. شاعر مضرم حرائق في اليباس الذي ينتشر في العقول العربية الجامدة والمحنطة. شاعر لا يهاب مرجعاً ولا نصاً مهما بلغت قداسته. صوت صارخ في صحراء العصر العربي ان أعدوا سبل الحرية وانفضوا صدأ التاريخ واخرجوا إلى شمس الحياة(...). هو صاحب مقولات كان لها وقع الزلزال في الفكر العربي الثابت والجامد والراكد ركود أهل الكهف. يمثل موقف أدونيس المعلن من الربيع العربي، ولا سيما في صيغته السورية، مادة لسجال لم ينتهِ ولن. بعضهم يؤيده علانية وبعضهم يتهمه".



أدونيس
بدأ أدونيس كلمته بتوجيه الشكر إلى الجامعة اليسوعية في شخص رئيسها البروفيسور الأب سليم دكاش ومديرها البروفيسور جيرار بجاني وراعي الاحتفال وزير الثقافة روني عريجي مثنياً على دور الجامعة الريادي، والتي أتاحت له أن يرسم لولادته الثقافية في بيروت صورة ثانية تمثلت في البحث والتساؤل وإثارة النقاش في مناخ يؤسس لحرية الاختلاف.
وقبل الانتقال إلى الحوار كان لأدونيس تقدمة من ثلاث إشارات. أشار في الاولى إلى عدم فصله بين الشعر والفكر. فهما برأيه "وحدة لا تتجزأ. الحاسة تفكر والفكر يحس. منذ جلجامش والأوديسة وسفر أيوب إنما هو فكر ورؤية فكرية للإنسان والعالم إلى جانب رؤية شعرية". أما في الإشارة الثانية، فاعتبر أننا "لا نستطيع أن نرى البعيد إلا من رؤية القريب. لا بوصفه مجرد أحداث ووقائع بل بوصفه أولاً جذوراً وأصول. ونخطئ في الحكم على الشيء عندما لا نرى منه إلا شكله أو مظهره. اللامرئي جزء أساس من المرئي". وفي الثالثة تحدث عن ضرورة أن ننطلق من رؤية واقعنا الثقافي العربي كما هو اليوم عبر طرح السؤال: ما هذا الواقع؟ ورأى أنه "يوجد في أمرين: الثقافة السائدة تقوم على دعامتين: نقلية دينية استعادية من جهة، ونقلية حضارية استعارية. وبوصفها نقلية فهي من الجهة الوطنية ثقافة سلطة، وظيفية لا تقوم على البحث والنقاش والحوار أو علاقات أو انفتاح أي استتباع، وهي من الجهة الاستهلاكية تبعية أيضاً شبه كاملة للغرب. للمرة الأولى ينقسم العرب ماضوياً لا مستقبلياً، ولكن هذه الجماهير العربية لم تنقسم إلى رجعية وتقدمية على أساس التنافس في التخطيط للمستقبل وإنما تنقسم على أساس التنافس في الارتباط بالماضي بين إسلام يوصف بالاعتدال وآخر يوصف بالتطرف. وهو انقسام جماعات تتناحر وتتآكل وتتنافس في التدمير والانحلال. هذا الواقع الثقافي ليس مجرد ظاهرة وإنما يقوم على نظرة وحدانية للإنسان والعالم.


تأويل الوحي الإسلامي
في ما سبق يتحدث أدونيس عن الثقافة الإسلامية، وهو يرى أن في تأويل الوحي الإسلامي السائد الأشياء الآتية:
- نبي المسلمين خاتم الأنبياء.
-هذه الحقائق التي بلغها هذا النبي هي آخر الحقائق. لن يكون هناك أي نبي آخر إذاً فليس هناك حقائق أخرى.
-الإنسان ليس له أن يغيّر أو يضيف او يبدل، في أقصى حال له أن يفسر أو يشرح أو يؤول أي يجب أن يطيع ويطبق.
-الآخر عمقياً غير موجود إلا بوصفه منفياً أو منبوذاً. وإذا بعدنا قليلاً في هذا المنطق، سنرى أن الله نفسه لم يعد لديه شيء يقوله، لأنه قال آخر كلامه لآخر أنبيائه. يضاف إلى ذلك أن البعد المسيحي الخلاق شبه غائب في هذا الواقع العربي. فالمسيحي يحضر ببيت ينهب أو كنيسة تحرق أو امرأة تسبى...إذاً المسيحية بوصفها مكوناً حضارياً أساسياً غائبة.


ذروة استلابية
يعتبر أدونيس أن المسلمين العرب يعيشون في عالم ديني بلا ثقافة، وفي ثقافة تقوم في جانبها الحيوي على التأثر بالثقافة الغربية الاميركية والاوروبية. يعيشون في ذروة استلابية يحكمها العنف الوحشي قد لا يكون لها مثيل في التاريخ. "لسنا أنفسنا، ولسنا غيرنا، نحن في الفراغ. في نقطة الصفر". ويشبه العالم العربي ببحيرة ضخمة تجف تباعاً بحيث تتراكم أسماكها التي تحتضر وتموت أو يلتهم بعضها بعضاً.



كيف يغيّر الشعر؟
يؤكد أدونيس أننا لا نستطيع البحث في كيف يغيّر الشعر إذا لم يكن في وعينا ولاوعينا هذا الواقع كله، إذ إن الشعر جزء من هذا الواقع وهذه الثقافة. ويرى أن "الشعر هو مما لا يُحدد، كالحب إذا حددناه فقدناه وقضينا عليه. لكن لم يعد هناك أي معنى للشعر، وإلا سيكون البحث بحثاً نظرياً لا علاقة له بالواقع". وبرأيه أن الشعر الملتزم لم يفعل شيئاً وفقد في معظمه قيمته كقيمة عابرة. ومن حاول من الشعراء التغيير أيديولوجياً تمت محاربتهم. اما كيف يغيّر الشعر؟ فبرأيه التغيير يكون في العلاقات القائمة بين الكلمة والشيء، فدور الشاعر هو في إفراغ الكلمة من محتواها القديم وتجريدها من علاقاتها القديمة وإنشاء علاقات حديثة. هذه العلاقة بين الكلمة والشيء تؤدي إلى علاقة جديدة بين الكلمة والكلمة، والكلمة والإنسان. ويعطي أمثلة غيّرت نذكر اثنين: "الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أوّل وهي المحلّ الثاني" أو "ضاقت عليّ نواحيها فما قدرت على الإناخة في ساحاتها القبل".
ويختم أن الشعر يغيّر وليس الشعراء. وكل من يندرج في الثقافة السائدة هو في موقع المتغيِّر وليس في موقع المغيِّر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم